شفافٌ حتى تكاد ترى ما بين فلفلات شعره من أفكار، وتسمع من بين أصابعه حكاية. ضئيلٌ، لتكاد تشفق عليه إن سالمته محيياً بحرارة السودانيين الطيبة. (الطيب صديق) مخرجٌ من زمرة المخرجين الشباب لكنه من عينة المبدعين أو هكذا راق للأستاذ المخرج (محمد سليمان دخيل الله) أن يصفه معجباً به، من خلال عروض فلميه المعنيين بالأمسية؛ (غريزلدا الطيب) و(الذين سرقوا الشمس). وطاف على مراقدنا البصرية ببساط ريح فنان بين دقة اللقطة وعمق الرواية - القصة، وشياطين التفاصيل، حتى التفاصيل. فعرفنا ماذا تعني الموهبة زائد المهارة زائد الإيمان. إذعان الجمهور طوال ساعتين ونصف لحركة يد وكتف وعين وفكرة وموسيقى مجموعة عمل الأفلام - تلتئم تحت اسم نستولوجيا - ما كانت لأن الخواء المكاني والزماني يسيطران على الحراك الثقافي - بعيداً عن الغنا -بانتظار مترقب لأحداث مهرجان البقعة للأعمال المسرحية في السابع والعشرين من الشهر، إنما كان لأن الفيلم الأول (غريزلدا الطيب) نقّب في أغوار النفس الطيبة لتلكم الفنانة (الخواجية) التي أحبت عالماً من علماء السودان في الأدب والفقه والشعر والقصة وكلّه! وعاشت إلى الآن وفية صادقة لحبه وبلده. وخرج بفيلم لا يصلح أن يكون وثائقيا كما عرّف له، بقدر ما يقترب من أن يكون رواية مكتوبة بكاميرا وموسيقى. الموسيقى التصويرية لأفلام (الطيب صديق) تحت توقيع الفنان (الصافي مهدي) كتوزيع، و(حسام عبد السلام) كألحان، وأداء موفق من كورال كلية موسيقى ودراما، وهي واحدة من مميزات أفلامه. وقد يرى المراجع النقدي لميزانية صناعة الأفلام الوثائقية أن الاعتماد على الأغنية المكتوبة والملحنة خصيصاً للفيلم غير قانوني، كما هو حال فيلم (الذين سرقوا الشمس) للكاتب الأديب (عادل إبراهيم محمد خير)، لكن حينما تراها مرصوصة في فسيفساء العرض للفيلم بجانب استخدامه للتمثيل لعكس قصة الأطفال المختطفين من قبل المنظمة الفرنسية وتقنية الإضاءة وأسلوب الراوي وهي القديرة (فائزة عمسيب) كحبوبة تحكي لأحفادها قصة أطفال! أضف إلى ذلك براعات متفاوتة من الصوت إلى القطع الانتقالي بين المشاهد، تقدّر كيف أن كل قطعة في محلها، لكن يبقى لكل منّا وجهة نظره حول التكميل الختامي للوحة الفيلم. الفيلم الوثائقي ملف مفتوح خارج إطار المتاح والممكن والمسموح به والمعروف الآن. تجربة الترويج القبلي شاهدنا فيها كيف وثّق المخرج (الطيب صديق) للمباراة الكروية - الكارثة - بين مصر والجزائر الشهيرة، تحت عنوان لفيلم (معركة أم درمان) تخبرنا أن تكرار كذبة (عجز الإنتاج) المستمرة من كثيرين غير حقيقية فما هي إلا فكرة وكاميرا وفنانون مؤمنون بضرورة الفعل الفني. فنياً هناك إشكالات ملحوظة، في العمل الفني (الذين سرقوا الشمس) لكن شجاعته كمخرج ألزمته أن يعترف بها قبل ألسنة الآخرين (أنا عارف إنو الفيلم فيه إشكالات!) وتركت تلك الشجاعة انطباعاً محرجاً لكل من يعتلي المايكروفون من بعده معلّقاً عليها - ربما بهذا الجبن المكتوب! - من ناحية إتقان لهجة دارفور، والمكان الافتراضي لوقائع حقيقية وفرق التوقيت بين زمن الراوي والفيلم اللذين يمضيان كزمن حاضر وماض - كان يا ما كان وأسلوب الفلاش باك - والأزياء وبعض من القصة التي تجعل نهايتها السعيدة في يد المركز الخرطوم ومثقفي المركز! مركز (مهدي للفنون) تزيّن مساء السبت الماضي بجوهرتين من الماس الحرّ غير مصقولتين نعم، لكنهما مثبتتان في عيون الناظرين، كانت ترى، الحنين والوفاء والوطنية وتصفق للذي سرق منها الشوف واشترى كل تلك الأشياء.