٭ خالد الصديق معروف عربياً وعالمياً، وهو من مواليد الكويت، وقد بدأ دراسته في الكويت، وتلقى تعليمه الثانوي بالهند، وفي هذا الأثناء تدرب في التصوير السينمائي ببومباى، ثم واصل دراساته وتدريباته السينمائية في الولاياتالمتحدةالامريكية، انجلترا وايطاليا، وحصل على درجة الزمالة من جامعة سانت ماري، وذلك لإسهاماته البارزة في الفن اسينمائي. وقام بتمويل وإنتاج وإخراج العديد من الأفلام الروائية الطويلة والافلام القصيرة، كما أعد عدة سيناريوهات بالعربية والانجليزية. ومن أهم أفلامه «عرس الزين» 9791م عن رواية الطيب صالح «بس يا بحر» 2791م «مسرح الأمل» وثائقي قصير 9691م و«جوه الليل» درامي قصير، «الموجة الجديدة» «الصقر» وثائقي قصير «الحفرة» مقتبس من افلام هتشكوك، وقد شارك في انتاج فيلم «غابة الحب» روائي طويل من إخراج الايطالي البرتو بيوبلاكوا 5891م، وفيلم «قلب الطاغية»روائي طويل من اخراج لهنغاري ميلوس بانتشو، واخرج خالد الصديق عدداً من التمثيليات وقد حاورته اسرة مجلة( ألف ) بالقاهرة . وحصل المخرج خالد الصديق على العديد من الجوائز العالمية عن افلامه: «عرس الزين» ست جوائز منها اثنتان في اوهايو بالولاياتالمتحدة- تايبي- وثلاث جوائز في مهرجان بالي باندونيسيا، «بس يا بحر» تسع جوائز من مهرجانات شيكاغو، طهران، دمشق، قرطاج وقرطاجنة باسبانيا، وجائزتان من كل من فينيسيا بايطاليا وسان انطونيو بتكساس، وقد حصل أيضاً على مهرجان طشنقد الدولي عن فيلمه القصير «وجوه الليل» وجائزة مهرجان قرطاج عن فيلمه «الصقر». ٭ ما هى الدوافع الذاتية الوطنية التي جعلتك تختار موضوع «بس يا بحر» كأول تجربة لك في السينما الروائية.. كيف فسرت أسباب هذا النجاح في المهرجانات العالمية. - عندما كنت أمثل دولة الكويت في مهرجانات الأفلام القصيرة والتلفزيونية من خلال افلامي، كنت اواجه بأسئلة عربية من نوعها عن الكويت، ومنها ان الكويتيين مولودون بملاعق ذهبية بأفواههم، وذلك بسبب الثروة النفطية، وبسبب تركيز وتكرار هذه الاسئلة، فكرت ان اقدم عملاً اعرض فيه كفاح آبائنا واجدادنا قبل اكتشاف البترول. وطبعاً هذه الانطلاقة كانت من ناحية ذاتية أولاً، ولأهداف وطنية بحتة، وبدأت أبحث عن الموضوع المناسب لمدة طويلة جداً حتى وقع الاختيار على قصة «بس يا بحر» لعبد الرحمن الصالح، وبجهد كبير كتبنا السيناريو بالاشتراك مع المؤلف عبد الرحمن الصالح نفسه، وباشتراكي انا والاستاذ ولاء صلاح الدين والاخ سعد الفرج. واحببت من خلال هذا الفيلم أن أبين للعالم كفاح الشعب الكويتي والخليجي ضد الطبيعة والطبيعة في البحر عندنا لأبين حياتهم القاسية قبل اكتشاف النفط، ومع أن هذه العملية كان لها نوع من المجازفة، لكن الاتفاق والحماس وجنون السينما ايام الشباب جعلتني انسى كل هذه الجوانب الخطرة منها: على سبيل المثال كانت لي اتفاقيتان مع اثنين من نجوم السينما في العالم العربي ليشاركوا معي في هذا الفيلم، وفي آخر لحظة فضلت أن استبدل هذه الشخصيات بشخصيات كويتية بحتة مئة في المئة، وذلك لكي يكون الفيلم كويتياً من جميع النواحي. ومن الصعاب التي واجهتنا في هذا العمل، أن الممثلين كلهم كانوا غير محترفين، ولهم وظائفهم اليومية في دوائر الوزارات الحكومية، وكنت مضطراً إلى أن اشتغل معهم فقط في العطلات الرسمية وكل يوم خميس أو جمعة حسب ظروفهم وظروف عملهم. وانجزنا الفيلم في اربعة او خمسة اشهر «التصوير» أما التحميض فتم في تلفريون الكويت، والمراحل الاخرى في ستديو مصر. وعندما انتهينا من عمل الفيلم عرض على بعض النقاد والصحافيين واشادوا بالفيلم قائلين انها تجربة غير متوقعة من دولة ليس فيها أى تاريخ تجارب سينمائية في افلام روائية طويلة، وكانت المقالات التي كتبت عن الفيلم مشجعة جداً، وكان لها صدى كبير وتأثير كبير في حياتي العملية، وكذلك بالنسبة للفنانين الذين عملوا معي أيضاً، لانهم حضروا هذا العرض في القاهرة وتشجعوا من رد الفعل والترحيب بالفيلم. ومن خلال هذا العمل أحببت أن أقدم غير الكفاح المرير لشعب الخليج ضد الطبيعة زاوية واسلوباً وفكراً جديداً في المعاملة السينمائية، وذلك بابراز وعرض للتقاليد الكويتية والعادات، واحبكها حبكة درامية لصالح الخط الدرامي «اقصد بذلك توظيف العادات والتقاليد والجانب الانثربولوجي توظيفاً درامياً مع الخط الروائي للفيلم»، وأظن إلى حد ما أن هذه المحاولة قد نجحت، ففي رأيي انه من خلال أي فولكلور او عادات وتقاليد نجد الدافع وراءها درامياً في البدية عند ظهورها الى الوجود ويستمر هكذا، وكل الاشياء الفولكلورية في الفيلم موظفة درامياً، كما ان البعض يرى في هذا العمل تبادلاً انثربولوجياً، فأظن ان بالامكان اعتباره صالحاً كمرجع سينمائي لدراسة انثربولوجية لبيئة الكويت قبل النفط، واظن ان المادة الوحيدة المرئية الموجودة في العالم عن الكويت قبل اكتشاف البترول، هو فيلم «بس يا بحر» لأنه يعرض جميع الجوانب الحياتية قبل دخول عامل النفط بما في ذلك الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية، وكذلك طبعاً العادات والتقاليد، فهذه النواحي ساهمت في نجاح الفيلم نجاحاً منقطع النظير على جميع المستويات، لدرجة أنه من الممكن أن اقول بعد «بس يا بحر» ظهرت عدة افلام عربية عالجت مادتها بنفس الطريقة، يعني الخط الدرامي فيها مطعم بالعادات والتقاليد ابتداءً من «عزيزة» الفيلم التونسي لعبد اللطيف بن عمار «77-8791» وحتى آخر فيلم على نفس الغرار شاهدته سنة 8891 وهو فيلم «عرس الجليل» للمخرج الفلسطيني ميشيل خليفي. ٭ قيل إنك عدلت في بناء وأحداث رواية «عرس الزين» للطيب صالح عندما أخرجتها فيلماً.. كيف ولماذا كان هذا؟ وهل التغيير في العمل الادبي ضرورة عند نقله الى السينما.. يرجى توضيح الرد بأمثلة من «عرس الزين» الرواية والفيلم؟ - وقع اختياري على رواية «عرس الزين» للطيب صالح لسبب بسيط جداً، فقد وجدت من خلال قراءاتي لهذه الرواية القصيرة او المتوسطة في الطول، ان هناك نقطة مهمة جداً يجب أن نتطرق اليها انا أو غيري ونعرضها للجمهور. والنقطة هذه جاءت في الرواية بصورة مبسطة جداً، وهى النفاق الديني في المجتمعات الإسلامية، ورأيت وفضلت أن استغل واقوي هذا الخط وابرزه بشكل ملحوظ، لذا كان يجب علىَّ ان اقوي واركز على هذه الزاوية أثناء بنائى للخط الدرامي للرواية، وبالذات في دور شخصية الإمام، ولقد وجدت أن هذه النقطة مهمة جداً خصوصاً في المرحلة التي نمر فيها. والنقطة هذه لم تتبلور أو تعرف في السينما في السابق، فلذا كان من الضروري تقوية هذا الجانب او هذا الخط من الفيلم. وهذا شكل نوعاً من التعديل في رواية عرس الزين. هذا بالإضافة الى اهتمامي بالعادات والتقاليد والجانب الانثربولوجي في العمل الادبي، وفي البيئة السودانية الفنية. وكان يهمني استغلال هذه الجوانب بصورة درامية مرة ثانية لأوظفها للخط الدرامي والخط الروائي للفيلم. وهذه النقاط بالإضافة إلى نقطة أخيرة لو تذكرون ان رواية «عرس الزين» كتبت بأسلوب فريد من نوعه في الرواية العربية، إذ أن كل شخصية خصص لها فصل واحد في الخط الروائي، يعني اي شيء يتعلق بهذه الشخصية جاء بصورة منفصلة في فصل واحد مخصص لهذه الشخصية، وكان علىَّ أن أحبك جميع هذه الفصول او جمع هذه الشخصيات من خلال سرد الفيلم من البداية حتى النهاية. فهذه النقاط كانت حاسمة في عملية النقل من رواية «عرس الزين» للطيب صالح الى فيلم «عرس الزين» الذي قمت بإخراجه، فمن الضروري في كثير من الأحيان أن يتم هذا التغيير عند تحويل رواية أو أدب منشور الى فيلم سينمائي، وذلك لحبك الاحداث وشد المشاهد من خلال الفيلم. إن مشاهدة الفيلم تختلف كلياً عن قراءة رواية، لأن الروية ممكن ان يقرأها الانسان، واذا احس بأى خلل خلال الصفحات الاولى من الكتاب، ترك الكتاب جانباً، ليواصل قراءته بعد يوم.. يومين.. اسبوع.. اسبوعين.. شهر.. يمكن ان يعود ويكرر القراءة، ويواصل قراءة الرواية، حتى من حين الى حين الى ان يشده الكتاب والرواية عند القراءة عند نقطة او حدث معين. أما في الفيلم السينمائي فالعملية تختلف تماماً، ومن الخطر جداً ألا يشد الفيلم المشاهد من الدقائق الأولى ويبقى على مقعده لاستمرارية العرض ولاستمرارية المشاهدة حتى النهاية، فاذا انفلت الجمهور أو المشاهد من متابعة الفيلم من الدقائق الاولى فالفيلم يعتبر فاشلاً. وأنا من ناحية فيلم «عرس الزين» ومحتوياته الانثربولوجية والعادات والتقاليد المحلية الموجودة في الفيلم، فاليوم انظر لها كأنها جاءت الى حد منا مكثفة، وذلك يرجع الى انني قد اكون انجرفت مع جمالها والقيم والرموز والانثربولوجية الموجودة فيها. ٭ لقد أنجزت ثلاثية خاصة بالبيئة، ولكنها بيئة لا تتكرر، ففي فيلم «بس يا بحر» نجد البحر وصيد اللآلئ، وفي «عرس الزين» نجد القرية وصراع القوي فيها، أما في «شاهين» فنجد الصحراء وموتيف الرحيل. وهى ايضاً ثلاثية خاصة باللهجة. فالفيلم الاول يوظف اللهجة الكويتية والثاني السودانية والثالث الاجنبية.. كما أن ثلاثيتك تنطلق من نصوص ادبية.. هل هناك وراء الثلاثية مشروع سينمائي يترجم نظرية محددة؟ هل هى تنويع على جهد فني ثابت او هاجس ابداعي مقيم؟ هل تحاول فعلاً أن تلتقط روح المكان وتبرزه في أعمالك؟ هل تبدأ بنص أدبي يسيطر عليك فتحوله الى فيلم، أم أنك تفكر في موضوع فيلم ثم تبحث عن نص أدبي يحقق الموضوع الذي في ذهنك؟ من الأعمال التي انجزتها «بس يا بحر» و «عرس الزين» و «شاهين». إن «بس يا بحر» لم يكن عملاً ادبياً للطيب صالح، و «شاهين» قصته للأديب الايطالي، و «كاتشيو» مقتبس من قصصه القصيرة بعنوان ديكاميدون «القصة التاسعة المسردة في اليوم الخامس»، وأنا عملت لهذا الاقتباس، وكتبت هذا السيناريو بشكل فيلم روائي طويل مع كاتب سيناريو من انجلترا جون هاولين، وايضاً في هذه الرواية القصيرة بل القصيرة جداً «عبارة عن 7 صفحات فقط»، حاولت من خلال هذا العمل الذي يرجع تاريخياً الى العصور الوسطى، أن اقدم رحلات القوافل العربية من شبه الجزيرة العربية في العصور الوسطى في مسيرتها على طريق الحرير، وبذلك أبين دورنا الريادي في نقل الحضارات من العالم الشرقي الى العالم الغربي، وأيضاً هذه العملية جاءت بعد إلحاح وتكرار الأسئلة التي طُرحت علىَّ عن ماضي او حضارة الجزيرة العربية او شبه الجزيرة العربية، ورأيت أن من واجبي أن أقدم شيئاً أبين فيه أهمية حضارتنا وتاريخنا، فجاءت الفرصة في أن أقدم هذا العمل من خلال العرض الذي جاءني مع الايطاليين لعمل هذا الفيلم. وطبعاً هذه المواضيع أو الأفلام أو الثلاثيات كما تسمونها، جاءت من خلال تنويع فني أولاً تنويع فني وتقديم عمل جاد مختلف عن السينما التجارية الهابطة، وفي نفس الوقت سعيت في هذه الأعمال الى ان أبين الابعاد التاريخية والحضارية لنا. فبالطبع هذه الاعمال لها ابعادها وترتبط بروح المكان والبيئة والزمن. وهذه الأعمال كلها طبعاً ترتبط ايضاً بالحالة النفسية او المرحلة الظرفية التي أكون فيها عندما اختار العمل، والتي تسيطر علىَّ طبعاً من البداية حتى أقع على القصة المناسبة، وأحول هذه القصة إلى فيلم سينمائي، وفي حالات أخرى تكون عندي أفكار معينة منذ زمن، وأكون في انتظار الوقت المناسب لتنفيذ هذه الأعمال، وعلى سبيل المثال في الوقت الحاضر عندي بعض الروايات والسيناريوهات مكتوبة جاهزة، أنا كاتبها شخصياً وبانتظار الوقت المناسب لأنفذها، إذا الظروف شاءت أو جاءت، واحياناً القي نظرة أو فجأة تقع في يدي رواية فريدة وغريبة، وارى ان الوقت مناسب لتقديم هذا العمل من خلال الشاشة، فأقوم بذلك وأفضل إذا رأيت الوقت مناسباً لإخراج هذا العمل- ان اقوم بذلك تواً، وأؤجل تنفيذ أعمالي القادمة الى المستقبل وبعد إنجاز هذا العمل.