على مدى (38) دقيقة، هي زمن عرض فيلم (الذين سرقوا الشمس)، يرسم المخرج الشاب الطيِّب صديق، صورة بصرية شفافة لقصة إنسانية حقيقية مؤثرة، هزت المجتمع السوداني بمأسويتها قبل أربع سنوات، وتتوج المعاناة بثمرة النجاح. على نحوٍ مفاجئ لم يتوقعه مخرجه ولا مؤلفه نال الفيلم المذكور نهاية الأسبوع الماضي الجائزة البرونزية في مهرجان الإذاعة والتلفزيون بدولة تونس، حيث فاز الفيلم وسط مجموعة من الأفلام التي تم إنتاجها بإمكانات كبيرة وخبرات مصرية وسورية وعربية، بينما كان إنتاج الفيلم على نفقة المخرج الخاصة بعد أن تجاهلته قنوات وفضائيات بلده المحلية. لم تكد الدورة الخامسة عشرة للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون التابع لاتحاد إذاعات الدول العربية تختتم فعالياتها الأسبوع المنصرم، وتُعلن فوز الفيلم الدرامي السوداني (الذين سرقوا الشمس) للمؤلف المسرحي والدرامي المعروف عادل إبراهيم محمد خير حتى طار الخبر في العديد من الوسائط الإعلامية السودانية والعربية التي احتفت بتجربة الشاب المخرج الطيب صديق في أولى تجاربه في الإخراج الدرامي. انبنى الفيلم على قصة إنسانية حدثت في العام 2008 في إقليم دارفور المنكوب، فقصة الفيلم معروفة ومنشورة على الوسائط الإعلامية المقروءة والمرئية، وهي اختطاف منظمة فرنسية تدعي العمل الإنساني لأطفال من دارفور مستقلة الأجواء الكارثية المحيطة بإقليم دارفور بدعوى توفير فرص تعليم وعيش أفضل لهؤلاء الأطفال في فرنسا عبر تبني بعض الأسر لهم، ولكن ثبت بعد الاستقصاء أنه ادعاء كاذب ومرفوض وفيه كثير من التدليس. مُحرِّك شخصي مخرج الفيلم الطيب صديق كان قد قام بتصوير القصة كتحقيق تلفزيوني وسافر إلى مدينة أبشي في تشاد لتصوير الأطفال المختطفين من تشاد والسودان. كانت الزيارة بصحبة وفد من اليونسيف ووزارة الرعاية الاجتماعية، إلا أن الذي حركه تجاه التفكير في تحويل القصة إلى فيلم، فيما بعد، دافع شخصي لطيف بجانب الدافع الإنساني الأساسي. فأثناء تجول المخرج لتصوير الحدث سأل أحد الأطفال المختطفين من اسمه ليجيب الأخير بأن اسمه الطيب. (هذا دافع شخصي جداً كون اسم الطفل طابق اسمي) بحسب إفادة الطيب صديق ل(شبكة الشروق). إذاً، والحال كذلك، فإن فكرة الفيلم الأولية كانت عبارة عن تحقيق تلفزيوني ومن ثمَّ تحوَّل إلى فيلم بعد معالجات وإجراءات ومقتضيات فنية محددة ليتحول إلى فيلم سينمائي درامي. يُفيد الصديق: "وكي نعطي الفيلم مزيداً من المصداقية استعنا بصور حقيقية للأطفال المختطفين بجانب إفاداتهم وإفادات شهود العيان ومدير اليونسيف". انفعال مؤلف بحدث من جهةٍ أخرى، كان للكاتب المعروف عادل إبراهيم محمد خير، مؤلف قصة الفيلم، انفعال جارف بالقصة حين وقوعها، فكتب القصة وفي ظنه أن الموضوع الإنساني الذي كتبه والذي يمس سيادة الدولة في الصميم يمكن أن يجد جهة تقوم برعايته وتنتج الفيلم لتخدم قضية وطنية في المقام الأول. ؛؛؛ الفيلم إنبنى على قصة إنسانية حدثت في العام 2008 في إقليم دارفور المنكوب عندما اقدمت منظمة فرنسية على اختطاف أطفال من دارفور ؛؛؛ولكن ظنه خاب من الوهلة الأولى حين عرض مسودة الفيلم على إحدى القنوات الرسمية ليقوم المسؤول المختص في القناة بتحويل الفيلم إلى قسم الأطفال ظناً منه أنه يصلح فيلماً ليعرض على الأطفال! (هذا شيء طريف طبعاً ينبئ بحق عن العقليات التي تدير هذه الأجهزة) بحسب إفادة المؤلف ل(شبكة الشروق). لم تكن تلك هي العقبة الوحيدة التي واجهت إنتاج الفيلم، فقد عانى المخرج من ذات المشكلة عندما قام بعرضه على عدد من القنوات المحلية والتلفزيونات والجهات التي ظن أن قضية اختطاف أطفال سودانيين من قبل منظمة أجنبية يمكن أن تهمها، إلا أن المخرج تفاجأ بأن كل هذه الجهات تجاهلت القضية والفيلم معاً تحت دعوى ومسوقات غير معقولة. تجاهل وعدم اهتمام ولأن المخرج كان مؤمناً بعدالة قضية الأطفال المختطفين، ولأن الموضوع إنساني من الدرجة الأولى، راهن على إنتاج الفيلم بإمكاناته المادية المتوفرة والمحدودة. يقول الطيب صديق ل(شبكة الشروق): "عادة مثل هذه النوعية من الأفلام تُصرف عليها أموال طائلة. اعتقدت أن التلفزيونات المحلية والقنوات الفضائية في السودان يمكن أن تنتج هذا الفيلم وتقتنع بجدوى وأهمية القصة التي يطرحها وتتشجع على إنتاجه إلا إنهم لم ينتبهوا له ولم يعيروه أدنى اهتمام". في عملية الإنتاج واجهت المخرج مشكلتان: تجاهل المؤسسات الرسمية للموضوع والثاني الضغوط التي مارسها البعض عليه بالطعن في موضوع الفيلم باعتبار أن الفيلم والموضوع الذي يطرحه متماهٍ مع خطاب الحكومة الرسمي وفيه إدانة للمنظمات الإنسانية الأجنبية العاملة في السودان. يضيف صديق "هذا الأمر أحبطني جداً وأحزنني في نفس الوقت"، وزاد: "الاتهام الموجه للمنظمة هنا كان اتهاماً جنائياً وليس سياسياً لأن المتهمين في القضية الآن قيد المحاكمة في فرنسا". خيار الدراما الجاذب كان بإمكان المخرج أن يكتفي بمعالجة القصة عن طريق أسلوب الفيلم الوثائقي، إلاَّ أنه فضل المعالجة الدرامية رغم صعوبتها ومشاكلها وراهن على أن درجة الصدقية في الدراما أعلى من المعالجة الوثائقية فضلاً عن كونها يمكن أن تصل للناس بشكلٍ أفضل. يرى المخرج أن هذا الفيلم بمثابة شهادة فنية. ويقول: "أنا اعتبر هذا الفيلم شهادتي ومساهمتي كفنان ووجهة نظري في الموضوع المطروح. رسالتي أن الغرب ليس كله خير وليس كله شر". ؛؛؛ انتاج الفيلم واجهته عقبات، فقد عانى المخرج من ذات المشكلة عندما قام بعرضه على عدد من الجهات التي ظن أن قضية اختطاف أطفال سودانيين من قبل منظمة أجنبية يمكن أن تهمها ؛؛؛مغامرة الفنان البصرية من جهته، يقول الناقد مصعب الصاوي ل(شبكة الشروق) إن الفيلم قدم مغامرة بصرية جريئة ومعالجة فيلمية حصيفة وذكية، كون الموضوعات والقصص الواقعية من الصعب إخضاعها للتناول الفني، فالقصة معروفة ومنشورة على الوسائط الإعلامية. ويكشف الصاوي عن معالجة المخرج الفنية للقصة، إذ على المستوى الفني تعامل المخرج مع الموضوع باعتباره أُحجية معاصرة (خرافة) في هذا العصر الذي يتحدث عن الحريات، حيث يحدث انتهاك لحقوق الأطفال من دولة عُرفت بأنها كانت الأب الروحي للحريات في العالم بحسب عبارة الصاوي. ويُفصح الصاوي عن استخدام المخرج للحبوبة (أدت دورها الفنانة القديرة فايزة عمسيب) وهي تروي للأطفال في مجلس سمر حكاية الأطفال المختطفين في دارفور. ويرى أن المخرج المخرج استخدم أسلوب القطع المتوازي وهو ينتقل من الحكاية إلى التمثيل. وقال الصاوي إن شعرية الأحاجي كان لا بد أن يرتبط بعناصر محددة من ضمنها الغناء، لذلك وردت العديد من الأغنيات المعبّرة في الفيلم: بصوت الأم مرة (أدت دورها الممثلة المقتدرة أميرة أحمد إدريس)، وبصوت الطفل المختطف مرة، بجانب أغنيات أخرى لخصت مجمل قصة الفيلم. في سياقٍ ذي صلة، يرى الصاوي أن المخرج لجأ للتصوير في مكانٍ افتراضي بصنعه موقع تصوير افتراضي يوحي ببيئة غرب السودان. ؛؛؛ المخرج تعامل مع الموضوع باعتباره أُحجية معاصرة (خرافة) في هذا العصر الذي يتحدث عن الحريات، حيث يحدث انتهاك لحقوق الأطفال من دولة عُرفت بأنها الأب الروحي للحريات ؛؛؛ويفصح الناقد الصاوي عن قيم مُضافة في الفيلم منها قيمة تواصل الأجيال بين المؤلف المرموق والمخرج الشاب، بجانب قيمة أخرى يراها الناقد مهمة وأساسية وهي أن المخرج في الأصل مُصوِّر، ويقول إن "تاريخ السينما في العالم صنعه المخرجون المصورون". النجاح ثمرة المعاناة على الرغم من الصعوبات كافة التي واجهت تجربة فيلم (الذين سرقوا الشمس)، وعلى الرغم من أن مخرجه الطيب صديق لأول مرة يدخل في تجربة إخراج فيلم درامي إلا أن الفيلم حقق جائزة رفيعة الأسبوع الماضي في مهرجان تونس. تعتبر إضافة كبيرة لمخرجه ومؤلفه وطاقم التمثيل المتميز الذي شاركت فيه نخبة مقتدرة من الفنانين على رأسهم: فايزة عمسيب، أميرة أحمد إدريس، مختار بخيت، سحر إبراهيم، محمد عبدالله، دفع الله الحاج، كامل الرحيمة، رحاب عبدالرحيم، ميرفت الزين، الطفل مؤتمن مخاوي... وآخرون. بهذا الجهد المتضافر تحقق رسالة الفيلم التي تذيلت مشهد الختام (آن الأوان لننظر بعمق وتأمل لما يعانيه الناس في دارفور ونمنحهم كثيراً من الاهتمام والمحبة بما يضع حداً لهذا العبث التاريخي).