تقرير – آدم محمد أحمد القيمة المضافة جاءت من باب أن الرجلين لهما باع في مسيرة الحكم والمعارضة، فدكتور مصطفى عثمان إسماعيل الذي يصفه الكثيرون بأنّه رجل الدبلوماسية المفقودة، كان في وقت ما حاملاً لمشعل تقليص المساحة بين الإنقاذ والتجمع الديمقراطي المعارض، فيما عرف باتفاق القاهرة الشهير في العام 2005، بينما يمثل فاروق أبوعيسى الدينمو المحرك لماكينة المعارضة في أزمان كثيرة. في جلسة تحمل سمات سابقاتها جاءت حواريّة الأمس.. يطرح صالون الراحل سيد أحمد عنواناً مباشراً لأيّة فعاليّة حواريّة تعقد، ويترك أشرعة الحوار تنساب. منهج يقرظ عليه الكثيرون كون بعض القضايا تكبلها السقوفات وتحول بينها وسبر الغور وصولاً إلى النهايات. فمجرد أن تلتقي المعارضة بمفهومها العريض والحكومة ممثلة في المؤتمر الوطني الحزب الحكم تحت منبر واحد للحديث عن قضايا الشأن العام، يمثل هذا في حد ذاته تقدماً ولو على سبيل كسر الجمود، من واقع أن العلاقة بين "الوطني والمعارضة" في الداخل أصبحت تناظر العلاقة بين الحكومة والحركات المتمردة في الخارج من حيث العداء، وما حدث في صالون الراحل سيد أحمد (السبت) كان أمراً مختلفاً وإن كان ما قيل فيه لا يضع في خانة الجديد إذا نظرنا إليه بمنظار الواقع السياسي الحالي قياساً على مواقف الأطراف "المتمترسة"، غير أن الفكرة ربما أعطت بارقة أمل في أن الطريق للاتفاق والتفاهم ربما صار ممكناً، مقروناً ذلك بحالة الشد والاستقطاب والتوتر التي تغيم على أفق الحياة السياسية في السودان الآن. حذر واضح ابتدر به رئيس هيئة قوى الإجماع الوطني فاروق أبوعيسى حديثه في الصالون، وذلك لما سماه تخوفه من منهج برنامج قناة الجزيرة ذائع الصيت "الاتجاه المعاكس" الذي قال إنه يعتمد في طريقته على الصراخ، وهذا أمر لا أطيقه على حد تعبيره.. ربما يصلح نموذج "حسنين وحاج ماجد" في هذه الحالة..!! بيد أن رغم تمنيات الرجل التي تنشد الهدوء بعيداً عن التناكف إلا أنه من الصعوبة بمكان أن تجد لقاء في السودان يتحدث في السياسة بهذه الشاكلة..!! بهذا سار نسق النقاش بين فاروق من جهة وبين مصطفى ومؤيديه من جهة، غير أن أمواج الخلاف كانت هادئة واستطاعت سفينة الحوار أن تعبر إلى الضفة الأخرى دون أن يبتل ما فيها بغض النظر عن النتائج والنهايات، فأبوعيسى لم يخرج بعيداً في حديثه عن عباءة المصطلحات التي وضعتها المعارضة بحكمة لمخاطبة القضايا العامة تحت قوالبها، فبدأ بقوله إن السودان يمر بأزمة مرئية ومظاهرها معروفة حددها في الحالة الاقتصادية وحالة الأمن على الأطراف مع وجود أربعة حروب، العلاقة الخارجية للسودان مع الدول الأخرى والتي قال إنها في حالة عداء، ثم دلف إلى الحريات العامة وانعدام حرية التعبير والتظاهر على حد تعبيره، ووفقاً لكل ذلك قال فاروق إن وجود السودان في خطر، ما هو الحل هكذا سأل فاروق نفسه ولكنه سرعان ما أجاب بقوله: الحل ليس سهلاً غير أنه يقوم على إعلاء الموضوعية والوطنية على الحزبية والذات، واحترام الرأي والرأي الآخر، وأضاف "لا توجد دولة متحضرة لا تحترم آراء الآخرين، لأن الذي يحكم اليوم سيكون معارضاً غداً وهكذا الحال. وقبل أن يصل فاروق إلى مبتغاه ويفصح عن ماهية الحلول التي يراها، آثر التوقف قليلاً عند محطات التاريخ، وعلى سبيل "الذكرى تنفع المؤمنين"، فغرف الرجل بمعين رأيه من نهر الاتفاقات السابقة، وأرجع كل ما حدث إلى ما سماه نكوص المؤتمر الوطني عن عهوده، ولمدة 23 عاماً قضاها في الحكم رغم قبول الفرق السياسية المختلفة بمبدأ الحوار معه ووقعت على إثره اتفاقات، بدأ ذكرها فاروق باتفاقية القاهرة التي جاءت به عضواً في البرلمان، وقال إن جوهر الاتفاق كان مبنياً على ألا مستقبل لدولة ينفرد بكل آلياتها حزب واحد، وأضاف "بالتالي الاتفاقية وجهتها هي تفكيك القضية من أجهزة الدولة على أن تعود الدولة المختطفة إلى خدمة الوطن". ونوه فاروق إلى أن اتفاق القاهرة لم ينفذ مثله وأبوجا مما خلق نوعاً من عدم الثقة بين الوطني والجماعات السياسية المختلفة. فاروق بعد أن طوّف على كل تلك المحطات عاد إلى قضية الحل، وقال: على الرغم من عدم الثقة الموجودة فهذه رؤيتنا للحلول، أولها إعادة الأمور إلى ما كانت عليه وأن يجلس أهل السودان بكل اتجاهاتهم ففي مؤتمر قومي جامع، لأن أهل السودان عرفوا أنهم في المنحيات الصعبة يستطيعون اختراق جدار المشكلات ويتفقون على حد تعبيره، وهذا المؤتمر ترتب له حكومة قومية لا يبعد عنها شخص، مهمته الاتفاق على برنامج وطني لحلحلة الأزمات، التي تفضي إلى إيقاف الحرب ووضع دستور دائم، لأن الدستور لا يمكن أن يضع في ظل عدم استقرار، ولم ينس فاروق حكاية الانتخابات المبكرة. وقال موجهاً سؤاله لمصطفى باعتباره صاحب الفكرة: (كيف ندخل انتخابات ولسع نحن نشتكي من النتائج الماضية؟) ..غير أنه في نهاية رؤيته وضع خيارين أمام الوطني: القبول بالمؤتمر القومي أو أن تعمل المعارضة على إسقاطه، لأن الحالة التي فيها البلاد لا تجدي حلولاً أخرى حسبما يرى. فاروق يبدو أنه نفسه لم يلتزم بما تمناه في بداية حديثه ومحاولاته للخروج من نفق "الزنقة" لجهة أنه لم يترك لجليسه من الطرف الآخر مجالاً سوى مسايرة الخطوات "النعل بالنعل" والبحث عن مصدات للدفاع ومنصات للهجوم، وهذا ما فعله مستشار رئيس الجمهورية القيادي بالمؤتمر الوطني د. مصطفى عثمان إسماعيل، فالرجل رغم هدوئه إلا أنه كثيراً ما يلقي الحجار في البرك الساكنة، وبطريقة دبلوماسية محترفة بدا مصطفى معترفاً بأن السودان يمر بصعوبات ولكن ليس وحده لأن دولاً أخرى من حولنا تعيش في أزمات على حد قوله، غير أن الفارق بين السودان وتلك الدول - والحديث لمصطفى - وهو أن الأخيرة يوجد فيها تفاهم بين المعارضة والحكومة مما يجعل الاتفاق على القضايا الوطنية أسهل مما يكون، ذاكراً النموذج اليمني. ولكن سرعان ما غير مصطفى نبرته عندما قال إن بعض العبارات تساق ولكنها تحتاج إلى تحليل والوقوف عندها، في شارة إلى ما ذكره فاروق من أزمات... وأضاف مصطفى "نحن نعيش صعوبات اقتصادية ولكن قطعاً مقارنتها بالصعوبات التي كانت موجودة قبل الإنقاذ فلا توجد مقارنة، وهنا لم ينس مصطفى أن يذكِّر بصفوف البنزين والرغيف في عهد حكومة المهدي، وأضاف "أما في السياسة الخارجية فعلاقتنا مع عدد من الدول ممتازة ليس لدينا مشكلة مع دول الجوار إلا مع دولة جنوب السودان، وأن التدهور في العلاقة مع أمريكا بدأ منذ حكومة الصادق المهدي"، ورغم أنه اعترف بتحملهم جزءاً من مسؤولية الانفصال إلا أن المشكلة في السودان حسبما قال تكمن في المعارضة التي قال إنها أول من طرح موضوع حق تقرير المصير إلى أن أصبح جزءاً من الثقافة السياسية السودانية، وأضاف بتحدٍ "كنت أتمنى إن كانت المعارضة جادة أن تصدر بياناً واحداً وتقول فيه إنها ضد الانفصال". مصطفى عثمان دلف إلى قضية الحوار مع المعارضة، وقال حكومة الإنقاذ منذ أن جاءت هي الوحيدة التي فتحت باب الحوار واسعاً وقبلت بالحوار مع المعارضة في أي مكان حتى حاملي السلاح، وبعد الانفصال فتحنا أيضاً الباب للاتفاق على حكومة عريضة رغم أن الشعب أعطى صوته في الانتخابات للمؤتمر الوطني، فشاركت معنا أحزاب كبيرة وأضاف "الميرغني مشارك في الحكومة وكذلك ماهو موقف حزب الأمة القومي من المعارضة" وتمسك مصطفى بالدفاع عن مقترحه حول الانتخابات المبكرة وقال رغم أن بعض الإخوة في المؤتمر الوطني انتقدوني إلا أنني لم أقل إن هذا هو رأي الحزب ولكني ما زلت على رأيي بأنه إذا أجمعت القوى السياسية على انتخابات مبكرة وتوافقت عليها فإن الوطني على استعداد لخوضها. وبرأ مصطفى في ذات الوقت الصحف من تهمة النقل الخاطئ، وقال كل الصحف نقلت كلامي صحيحاً. ورغم الحديث الذي سكبه مصطفى وفاروق والدفوعات التي ساقها كل منهما لتعضيد حجته ورأيه، إلا أن ذلك ربما لم يشبع حاجة المشاركين في الندوة للمعلومة، سيما إذا أخذنا في الاعتبار أن الحضور كان نوعياً وأن ما طرح من قضايا لم يتعد محطة التكرار، فانحصرت المداخلات والأسئلة ما بين الاستنكار والتأييد والبحث عن المزيد، فالكاتب الصحفي طه النعمان بدا متحسراً على ما سمع وقال إنه شعر بالإحباط لأن هناك تناقضاً وصفه بالمخيف على الوطن من خلال حديث المتحدثين، لجهة أن كلاهما يتمترس خلف موقفه، بينما جاء رأي الصحفي محمد الفاتح مخالفاً واعتبر أن طريقة الحوار تشئ بأنها تؤدي إلى اتفاق في المستقبل، لكنه دفع بسؤال لفاروق باعتباره زعيم المعارضة عن إمكانية أن يستقل التحالف علاقته بالجنوب ويتوسط مع الشمال لحلحلة المشكلات العالقة. في الأثناء شن الصحفي مكي المغربي هجوماً على المعارضة وقال إنها تعتقد أن هناك مواعيد في التاريخ لقيام الثورة ودائماً تربط موقفها بذلك. وأشار إلى حكاية واحد واحد ثم أكتوبر وغيرها، وأضاف "المعارضة تبحث عن ثورة مجانية على أكتاف الشعب" ولكن رئيس تحرير الصحافة النور أحمد النور اعتبر أن أي كلام حول السلطة والصراع حولها غير مجدٍ، لأن المشكلة هي أن الوطن بأكمله في محطة يبقى أو يذهب، وتساءل هل الجميع لديه استعداد لتقديم تنازلات. أسئلة الحضور استفزت المتحدثين في اتجاه تقديم حلول وليس اتهامات، يضاف إلى ذلك أن عادل سيد وضع كل من فاروق ومصطفى أمام ما يشبه الاستفتاء، فقال لهما هل مستعدون لتقديم تنازلات، وطلب منهما الإجابة بنعم أو لا، فقال مصطفى إن حزبه مستعد للحوار مع المعارضة ولكن بشرط أن تسقط من أجندتها شعار إسقاط النظام، بينما قال فاروق إنهم ضد الحرب ومستعدون للحوار ولكن بفهم جديد يجعلهم شركاء في الحكم وليس موظفين. ======== م/ع