خبراء عسكريّون ل(الأهرام اليوم): حكومة الجنوب قصدت بالخطوة استفزاز الخرطوم ..!! بشكل فعلي بدأت الحرب بين الشمال والجنوب. التوتر الناشب عقب اعتداءات الجيش الشعبيّ أواخر مارس الماضي مثّل التّدشين غير الرسمي للمعركة. مخاوف المراقبين من ذلك الاعتداء كانت في مكانها، فقد صدق حدسهم أمس الأول (الثلاثاء)، إثر هجوم غادر على منطقة (هجليج) النفطية، قبل إعلان جيش دولة الجنوب استيلائه على المدينة الحدودية. وبحسب اعتراف قائد الفرقة الرابعة بالجيش الشعبي جيمس قلواك فإنّ قوّاته دخلت المنطقة وتقدمت حوالي (30) كيلو متراً شمال، فيما أكد بيان صادر عن القوات المسلحة ممهور بتوقيع الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العقيد الصوارمي خالد سعد أن القوات المعتدية تتبع لدولة جنوب السودان تحركت من داخل دولة الجنوب، مؤكداً أن المعارك لا تزال حامية الوطيس ولم ينجل موقفها بعد
اعتداءات حكومة الجنوب على (هجليج) كانت مع سبق الإصرار في ما يبدو، ما يدعم الفرضيّة كلمات رئيسها سلفاكير نهاية مارس الماضي بأنّ المنطقة تتبع لجنوب السودان - حسب زعمه - وأنّ حكومته كانت تنوى إثارة الأمر في المحادثات بين البلدين في العاصمة الإثيوبيّة أديس أبابا واستردادها سلمياً للجنوب. وهو زعم تكذّبه الوقائع وإفادات المراقبين، بأنّ المنطقة لم تكن أبداً ضمن النقاط المختلف عليها في لجنة ترسيم الحدود لوقوعها شمال خط حدود 1/1/ 1956، وهي سودانية مائة بالمائة ولا جدال في ذلك الأمر. الخرطوم بدورها لم تصمت. أعدّت الدّرس الأوّل وتوعّدت بالرد بكل الوسائل المشروعة على الهجوم، مؤكّدة أنّها في حالة حرب مع (جوبا) ولن تتفاوَض معها. وبحسب تصريحات لنائب رئيس الجمهورية الدكتور الحاج آدم يوسف خصّ بها (الأهرام اليوم) عشيّة الاعتداء الأخير فإنّ جميع جولات التفاوض مع دولة جنوب السودان تعتبر موقوفة إلى حين استرداد (هجليج)، مضيفاً بأنّ الحركة الشعبية أثبتت أنها مجرمة وتضمر السوء للسودان منذ فترة طويلة، مؤكّداً على أنّ الخرطوم كانت حريصة على التفاوض طيلة المرحلة الماضية والعالم كان يشهد على ذلك، ووصف الهجوم على (هجليج) بالخيانة المتوقعة، واستطرد قائلاً: (نحن نعلم أن الحركة الشعبية تخطط لاحتلال مدينة الأبيّض وولاية جنوب كردفان وتسعى لإسقاط النظام). (هجليج) الواقعة جغرافيا في أقصى الجنوب الغربي لولاية جنوب كردفان تعدّ من المناطق السودانية الغنية بالنفط - معظم بترول الشمال يتركّز فيها – أمّا تاريخياً فثمّة صراع غير خافٍ على الجميع في المنطقة. يقول الخبير العسكري ومعتمد منطقة أبيي السابق اللواء د.عبد الرحمن أرباب مرسال في إفادة ل(لأهرام اليوم) حول مسألة الصراع هذه إن قرار محكمة (لاهاي) أخرج منطقة (هجليج) من منطقة (أبيي) وقرر تبعيتها للشمال ومن هنا برز صراع الحدود الذي كان يدور بين الشريكين وقتها، حينما صرح نائب رئيس حكومة الجنوب الدكتور رياك مشار وقال إنه يحترم قرار المحكمة، ولكن (هجليج) ستناقش مشكلتها عندما تناقش مشاكل الحدود بين الشمال والجنوب ويبدو أن هذا التصريح يدلل على أن حكومة الجنوب من وقت بعيد كانت ترى أن المنطقة تتبع لولاية الوحدة، ومن بين الإشكالات التي تعاني منها المنطقة وجود صراع جنوبي جنوبي حيث يرى النوير أن المنطقة تتبع لهم ولا تتبع للدينكا الأمر الذي يعطي الصراع بعدا جنوبيا جنوبيا بحسب أرباب. وبعد انفصال الجنوب برزت قضايا عدة إلى السطح بين الدولتين أطلق عليها مجازاً القضايا العالقة بين البلدين ومن بين أبرز هذه القضايا هي قضية الحدود التي تمت مناقشتها مؤخراً بين البلدين وحينما تمت مناقشتها ظهرت (5) مناطق مختلف عليها بين البلدين بنسبة 20% من الحدود، وفي هذا الاتجاه يقول أرباب إن منطقة (هجليج) لم تكن من بين المناطق المختلف عليها في لجنة ترسيم الحدود المكونة بين الدولتين، ولربط الأمر بحديث رياك مشار يأتي سلفاكير مرة أخرى بعد فترة ليست بالبعيدة وألمح بل صرّح وقال إنّهم لن يقبلوا بغير تبعيّة (هجليج) للجنوب وبهذا المنطق قامت حكومة الجنوب بتنفيذ الهجوم الأول على المنطقة وكانت ترى أن الشمال يجب أن لا ينعم بالبترول حتى تحدث له ضائقة اقتصادية ولذا قامت حكومة الجنوب بتنفيذ الهجوم الأول على المنطقة إلا أنه فشل بيد أنها كررت خطوة الهجوم مرة ثانية، ويقول أرباب إن الهجوم الأخير على المنطقة تم بغرض الضغط على حكومة الشمال لتوافق على التنازلات في كافة القضايا بجانب حرمانها من البترول واحتلال أرض تكون قاعدة لقوات الجبهة الثورية وخلق جنوب جديد. وأشار أرباب في حديثه ل(الأهرام اليوم) إلى التداخل في الشريط الحدودي الذي يضم الجنوب ودارفور ومنطقة هجليج وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وقال إن حكومة الجنوب تسعى لإحداث توازن من خلال عملها العدائي في هذه المناطق حتى تكتمل حلقات الضغط على الحكومة وتحقق الحركة الشعبية والجبهة الثورية ومن ورائهما (أمريكا وإسرائيل) أهدافها المعروفة تجاه السودان. الواقع يؤكّد أنّ المقدرات العسكريّة للبلدين تتفاوت من واقع أنّ الجيش السّوداني جيش قديم ومحترف ولهُ خبرات قتالية متراكمة تمكنه من إنجاز مهامه وفي المقابل الجيش الشعبي جيش حديث التكوين ويعاني من انتشار القبلية في أوساطه بجانب ضعف تأهيله وإمكانياته، وبالرغم من أن الموقف العسكري يشير إلى أن قوات دولة الجنوب احتلت هجليج فعلياً، لكن الخبير العسكري أرباب يرى أن المنطقة منبسطة وواسعة ومن هنا تستطيع القوات المسلحة السودانية بخبراتها وإمكاناتها أن تزيل العدو من المنطقة الحيوية وترمي بثقلها العسكري والسياسي وغيره بهذه المنطقة حتى تحريرها لاعتبار أن المنطقة مهمة وإستراتيجية وأشبه بثغر بورتسودان بجانب أنها منطقة حيوية والبترول المنتج منها يصل إلى حوالي (40%) من بترول السودان، مشددا على ضرورة تحريرها حتى لا يؤثر احتلالها على الاقتصاد السوداني، وتوقع أرباب أن تفتح حكومة الجنوب جبهات جديدة ضد الشمال بغرض تشتيت جهود الحكومة السودانية واستنزاف قدراتها، غير إنّه عاد وأكّد أنّ الجيش السوداني يضع نصب أعينه تلك العمليّة التآمُرية التي اعتبرها مدعومة من قبل القوّتين الكبريين (أمريكا وإسرائيل) وطالب أرباب الشعب السوداني والحكومة السودانية بمؤازرة القوات المسلحة في واجبها والوقوف خلفها وعدم تخذيلها، مبيناً أن الجيش السوداني سيسخر كل إمكاناته لتحرير المنطقة وناشد الصحافة أن تلعب دوراً إيجابياً في القضايا الوطنية. الخطوة التي أقدمت عليها حكومة الجنوب باحتلالها لمنطقة (هجليج) من وجهة نظر المراقبين تعبر عن السيناريوهات التي وضعتها تجاه الشمال لتحقيق بعض أهدافها، وفي هذ المنحى يقول الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء محمد العباس الأمين إن حكومة الجنوب أقدمت على هذه الخطوة لاعتبار أنها بدأت تعد وترتب أوضاعها لحل القضايا العالقة، مبيناً أن نتائج تلك الخطوة واضحة لاعتبار أنها أقدمت على الخطوة مرتين متتاليتين، واعتبر الخطوة نذير شؤم للحرب بين الدولتين، ونبه إلى أن حكومة الجنوب قصدت بالخطوة استفزاز الحكومة السودانية بغرض الدخول في حرب بين البلدين، مشيراً إلى أن حكومة الجنوب لها مطامع ولن تستغني عن البترول الموجود بمنطقة هجليج، مؤكداً أن الحرب ستبدأ وستدخل الطرفين في أضرار كبيرة وزاد: (الشمال سيتضرر من الحرب القادمة أكثر من الجنوب) لاعتبار أن الجنوب ليس لديه ما يفقده، وأوضح العباس أن السيناريوهات التي أقدمت عليها دولة الجنوب ستقود لحرب نهايتها غير معلومة، ولم يستبعد العباس تدخل أيد خارجية، معتبراً الأيدي الخارجية أصبحت جُزءاً من العمل السياسي الخارجي للحكومات في العالم لارتباطها بتداخل المصالح الحكومية، مشيراً إلى أن الحرب تكلفتها مليارات الدولارات، ونبه إلى أن إيقاف الحرب مرهون بتدخل الدول الكبرى التي لها مصالح في الحرب. وبحسب قناة (الجزيرة) فإن الهجوم الذي نفذته قوات الجيش الشعبي على منطقة (هجليج) تم بقيادة نائب رئيس حكومة جنوب السودان الدكتور رياك مشار وقالت إن الهجوم كان كبيراً من ثلاثة محاور وأوقع خسائر كبيرة، وقالت القناة إن العاملين بحقول النفط في المنطقة غادروها بعد إغلاق آبار البترول تحسبا لأي أضرار قد تلحق بها، وأشارت إلى نجاح القوات المسلحة السودانية في إجلاء بعض عمال النفط إلى مواقع أخرى