{ ما حدث ظهر جمعة إعلان تحرير هجليج كان وسيبقي أكبر وأقوى من أن ترصده كاميرا أو يحيط به خيال مخرج متمرس ومتمكن.. اللحظة كانت أكبر من كل الصور.. وأكثر فصاحة من كل عبارات التعبير والتوثيق المقروء.. والمسموع والمشاهد!! داخل مبنى القوات البرية المشتركة وبجوار المنصة التي خاطب منها البشير جموع الحشود العفوية، كانت هناك امرأة طاعنة في السن.. تحمل صورة مولانا محمد عثمان الميرغني.. تهتف للقوات المسلحة وتدعو بأعلى صوتها بحياة أبو هاشم.. وبالنصر والتمكين للفريق البشير!! { المشهد ربما كان متداخلاً وغريباً على أحد ضباط الحراسة الذي حاول منع السيدة العجوز من ترديد هتاف (عاش أبو هاشم) ورفع صورة مولانا محمد عثمان الميرغني.. السيدة العجوز احتدت كثيراً مع الضابط.. الفريق الركن عبد الرحيم محمد حسين كان قريباً من الحدث حيث وجه وبإصرار لاحظه كل القريبين منه بأن تترك السيدة لتعبر عن فرحتها بالطريقة التي تريدها في هذه اللحظات التاريخية من حياتها التي ربما لن تعايشها أو تعيشها مرة أخرى.. (أسأل الله أن يمد في أيامها).. لما تأخر الضابط في تنفيذ التوجيه، ذهب وزير الدفاع بنفسه إلى السيدة العجوز واعتذر لها عن الأمر بحنو وعطف وتقدير أكبره كل من شاهد الموقف!! { في أمسية يوم الفرح الخالد كنا في شارع المطار.. تقدمنا شاب (معاق) على دراجته.. كان يحمل علم السودان بيد.. ويقود دراجته بيد أخرى.. من أين أتته كل هذه القوة الجبارة؟!!.. سؤال تركنا إجابته لعمق مدينة الخرطوم التي لم تنم ليلتها من فرط الفرحة الوطنية التي لم تشترك فيها منذ أمد بعيد! { قابلت أحد قيادات الاتحاد الوطني للشباب السوداني داخل مقر القيادة البرية.. سألته إن كانوا قد حشدوا شبابهم لتحية الجيش والقائد بالقيادة العامة للقوات المسلحة.. صارحني بصدق.. (لم نحشد أحداً منهم.. بل أجزم بأننا فوجئنا بوجوه شبابية ظللنا لفترة طويلة نحسب أنها ضد الإنقاذ!!).. نعم.. لقد تجمع شباب السودان من قلب المدينة ومن قاعات الدرس.. ومن أندية ومقاهي تجمعاتهم الخاصة.. خرجوا فرحاً بعودة هجليج.. فرحوا بعودتها لأنها من قلب حبهم الوطني بلونه الشامل والأصلي.. بعيداً عن كل انتماء غير الحب والولاء للوطن العزيز.. { في معركة هجليج.. من الزحف وحتى النصر تغيرت المعادلة تماماً.. كل مواطن ينفق مما عنده.. منهم من ينفق من ماله.. ومنهم من ينفق من مشاعره.. حبه ودموعه.. نعم.. تعددت وتنوعت طرق التعبير الصادق عن الحب للوطن.. الشاب عمار أحمد البشير صاحب مطعم ومحلات (صاج السمك) بالخرطوم اختار التعبير عن مساهمته للجيش السوداني بطريقته الخاصة.. عمار لا يحمل بطاقة حزب أو انتماء سياسي، إنه شاب بادر بتأسيس محل لتقديم وجبات السمك.. المحل عامر بزبائنه.. اختار عمار المساهمة بإيراد يوم الجمعة دعماً للقوات المسلحة وأبطال هجليج.. لليوم رمزيته وبركته.. وللفكرة والطريقة مكان في القلب يستحق الإضاءة والتقدير.. شكراً لهذا الشاب.. وشكراً لكل من يرتاد المكان.. فالتبرع الرمزي يعبر عن لمسة وفاء نادرة.. تستحق حقاً الدعاء بالتوفيق لصاحبها.. هذا هو الوطن بلونه وزمنه الجديد!!