ظلت قضية (أبيي) من القضايا العالقة بين البلدين. بسببها شهدت المنطقة أحداثا تطورت إلى صراع مسلح في عديد من الأحيان. الاتحاد الأفريقي في إطار دوره الإقليمي المنوط به تجاه الدولتين طالبهما مؤخرا بإعادة الانتشار الفوري وغير المشروط ل(300) جندي سوداني و(700) جندي من الجيش الشعبي لدولة الجنوب خارج منطقة (أبيي) الأمر الذي دفع دولة جنوب السودان أمس الأول (السبت) أن تعلن استعدادها لسحب قواتها من المنطقة الحدودية. في السياق قال المتحدث باسم حكومة الجنوب برنابا ماريال بنجامين إن وزير الداخلية سيسمح بانسحاب قوة شرطة جنوب السودان من المنطقة بشرط أن تضمن الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي أمن مواطني دولته في المنطقة، مؤكدا أن هذا الانسحاب سيكون فوريا. وكانت الخرطوم وقّعت في العام الماضي على اتفاق (أديس أبابا) القاضي بنشر قوات دولية في المنطقة وبشهادة المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي، وأكدت حينها أن الحديث عن انسحاب القوات المسلحة السودانية من (أبيي) قبل اكتمال الجوانب الأخرى في الاتفاقية حديث لا يقدّم ولا يؤخّر، ونبّهت إلى أن الاتفاق اشتمل على جوانب أخرى غير انسحاب القوات المسلحة السودانية من المنطقة؛ من بينها الوضع الإداري في أبيي والمجلس التشريعي وانسحاب وانتشار قوات الطرفين وانفتاح القوات في أكثر من منطقة. الاتفاق ظلّ يراوح مكانه منذ التوقيع عليه لعدة أسباب من بينها سياسية وأمنية، فضلا عن عدم وصول الطرفين إلى صيغة مشتركة الأمر الذي حدا بمجلس الأمن أن يتعجل في اتخاذ قراره سالف الذكر بشأن المنطقة. من جانبها بررت القوات المسلحة السودانية لوجودها بالمنطقة من واقع أن المنطقة أرض سودانية حسب (نيفاشا) كونها تقع شمال حدود 1/1/1956م إلا أنها عادت وأكدت في وقت سابق التزامها بالانسحاب حال اكتمال وصول أعداد القوات الإثيوبية البالغة نحو (4200) عنصر إلى المنطقة. عقب الأحداث التي شهدتها المنطقة في العام الماضي طالب مجلس الأمن الدولي في قراره الصادر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة حكومتي السودان وجنوب السودان بنقل جميع ما تبقى من الأفراد العسكريين والشرطة من المنطقة على الفور دون شروط مسبقة، وطالب القرار وقتها البلدين بالانتهاء من إنشاء إدارة المنطقة ودائرة شرطة (أبيي) على سبيل الاستعجال وفقا لالتزامات حكومتي الطرفين الواردة في الاتفاق الموقع بينهما في العاصمة الإثيوبية ونص القرار على تمديد المجلس ولاية قوة الأممالمتحدة الأمنية المؤقتة في المنطقة المتنازع عليها. أعضاء مجلس الأمن ال(15) دعوا الطرفين للانسحاب في قرار يوسع تفويض قوة الأممالمتحدة الأمنية المؤقتة. بعد القرار انتقلت قضية "أبيي" إلى عين عاصفة التدويل التي بدأت بعد أن لجأ الطرفان في السابق إلى محكمة التحكيم الدولية ب(لاهاي) بعيد استعصاء الحلول الودية. قرار مجلس الأمن الذي أصدره في العام الماضي بشأن الصراع في المنطقة كان قد اعتبر أن الحالة في (أبيي) وعلى طول الحدود المشتركة بين السودان وجنوب السودان تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وحث القرار الحكومتين على التعاون التام مع القوة الأممية المؤقتة في المنطقة وتنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق السلام الشامل إزاء تسوية المسائل المعلقة الخاصة بالوضع النهائي للمنطقة المتنازع عليها، التي لا زال القلق يسيطر عليها وعلى سكانها المحليين الذين ظلوا على الدوام في حالة حذر وترقب لكل السيناريوهات المتوقعة، ويأتي التخوف من ازدياد القوات المسلحة للسودان وجنوب السودان على حدودهما المشتركة الأمر الذي اعتبره المراقبون سيؤدي إلى تصاعد اللهجة في خطاب الطرفين ويضاعف أخطار المواجهة المباشرة في المنطقة. الخبير العسكري ومعتمد محلية "أبيي" السابق اللواء "م" د.عبدالرحمن مرسال أرباب اعتبر أن العقل الجمعي السوداني لم يعد يصدق أي عهد لدولة الجنوب وجيشها الشعبي مهما كانت الظروف والمصداقية وهو أمر ناتج عن أحداث (هجليج) الأخيرة، ونبه أرباب خلال حديثه ل(الأهرام اليوم) إلى وجود الجيش الشعبي في منطقة (أبيي) جنوب بحر العرب بعد طرده في المرة السابقة عندما حاول الغدر بالجيش السوداني في المنطقة، وأشار إلى أن الجيش الشعبي لا زال موجودا في حدود المنطقة التي حددتها محكمة التحكيم الدولية في"لاهاي" وأردف أن الجيش السوداني أيضا موجود داخل المنطقة شمال بحر العرب، ونبه أرباب إلى أن الجيش السوداني بإمكانه الانسحاب من المنطقة بشرطين أولهما اكتمال القوات الإثيوبية التي تتبع للأمم المتحدة البالغ عددها "4200" جندي التي وصل منها حتى الآن "3800" جندي وزاد قائلا "لم تكتمل القوات بعد" وثانيهما انسحاب قوات الجيش الشعبي لدولة الجنوب من منطقة "أبيي" وشدد أرباب على ضرورة أن يكون الانسحاب على بعد "10" كيلومترات من المنطقة بحسب الاتفاق. وفي ذات الاتجاه اعتبر أرباب إعلان دولة جنوب السودان استعدادها الانسحاب من المنطقة مناورات وكسبا للوقت، بجانب أنها تريد إشعار المجتمع الدولي بأن الحكومة السودانية لا توافق على الانسحاب وأن حكومة دولة الجنوب جاهزة لتنفيذ أمر الانسحاب، ويضيف قائلا "إذا تمت الشروط المعروفة في الاتفاق فإن الحكومة السودانية لا تمانع في الانسحاب" وتوقع أرباب أن يعاود الجيش الشعبي لدولة الجنوب احتلال منطقة "أبيي" مرة أخرى لفرض وضع جديد بشروطه، وجدد أرباب حديثه وقال إن ما تقوم به دولة الجنوب هو عبارة عن مناورات ودمغها بعدم المصداقية، ونبه إلى أن حل الصراع حول المنطقة مربوط بقرار محكمة التحكيم الدولية في "لاهاي" وأضاف أن نتيجة الاستفتاء هي التي تحدد خيار أهل المنطقة، واستدرك قائلا "لكن حتى الآن المنطقة لم يتم تحليلها على الأرض بجانب عدم اتفاق الطرفين على: من هم السودانيون المقيمون فيها والذين يحق لهم التصويت في الاستفتاء"... إذن بعد أن أخذت قضية "أبيي" بعدا دوليا وأخذت حيزا كبيرا وأصبحت قضية دولية تأخذ حظا وافرا في الدوائر العالمية والمنظمات الإقليمية والدولية مثل "الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي" تبقى كل الاحتمالات واردة بشأن تطور مسار القضية التي لم تحسم بعد