منعرج جديد دخلت إليه قضية أبيي المتنازع عليها بين دولتي السودان وجنوب السودان بعد أن طالب مجلس الامن الدولي أمس الأوّل حكومتي السودان وجنوب السودان بنقل جميع ماتبقى من الافراد العسكريين والشرطة من المنطقة على الفور دون شروط مسبقة، وطالب المجلس في قراراه الصادر بموجب الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة بالانتهاء من إنشاء إدارة منطقة أبيي ودائرة شرطة أبيي على سبيل الاستعجال وفقا لالتزامات حكومتي الطرفين الواردة في الاتفاق الموقع بينهما. قرارات المجلس شملت كذلك تمديد ولاية قوة الاممالمتحدة الأمنية المؤقتة في أبيي لمدة خمسة أشهر، وشدّد القرار على أن (الحالة في أبيي وعلى طول الحدود المشتركة بين السودان وجنوب السودان تمثل تهديدا للسلم والامن الدوليين). { كما حث مجلس الأمن الحكومتين على التعاون التام مع القوّة الاممية المؤقتة وتنفيذ إلتزاماتها بموجب إتفاق السلام الشامل إزاء تسوية المسائل المعلقة الخاصة بالوضع النهائي للمنطقة. الجدير بالذكر أن القرار يجئ بعد نحو ستة أشهر من سابقه الذي بموجبه تم إرسال قوّة دولية إلى المنطقة. { من جهتها وصفت الحكومة السودانية قرارات مجلس الأمن الدولي بأنها دعوة ليست ذات قيمة لجهة أن الخرطوم وقعت على إتفاق أديس أبابا للسماح بنشر قوات دولية في المنطقة وبشهادة المجتمع الدولي ومجلس الأمن نفسه، وبحسب الناطق الرسمي باسم الخارجية السفير العبيد أحمد مروح في تصريحات صحفية أمس الاول فإن الحديث عن إنسحاب القوات المسلحة السودانية من أبيي قبل إكتمال الجوانب الاخرى في الاتفاقية حديث لايقدم ولايؤخّر..!! وهي التصريحات التي ينظر لها المراقبون على أنها تحمل في طياتها نذر صراع جديد مع مجلس الأمن، في حين حجّمه البعض تحت بند (أحاديث الدبلوماسية)، ما يعني أنها – التصريحات - قد يتم التراجع عنها في أي لحظة، كون التربة السياسية السودانية مشبّعة ببذور الأزمات، وجذورها القديمة التي تعاند الاقتلاع..!! { المروّح في سياق حديثه لفت الانتباه إلى أن الاتفاق إشتمل على جوانب أخرى كثيرة غير انسحاب القوات المسلحة من أبيي، وأضاف إن إتفاق أديس أبابا يشمل جملة من الجوانب من بينها الوضع الاداري في أبيي والمجلس التشريعي وإنسحاب وإنتشار قوات الطرفين وإنفتاح القوات في أكثر من منطقة، مؤكداً أن قوات الجيش الشعبي لاتزال منتشرة في عدة مناطق لاتزال محل نزاع مع حكومة السودان، وأضاف أنه ليس من الانصاف مطالبة الحكومة بسحب قواتها من أبيي دون إستكمال جوانب الاتفاقية وفقا للترتيبات التي تم الاتفاق عليها، مبيناً أن مجلس الامن طالب السودان ودولة جنوب السودان بالانسحاب من أبيي بعد تأكده من أن الجيش الشعبي لايزال منتشرا في كثير من المناطق محل النزاع. { الحكومة السودانية وفي ذات المنحى قلّلت من قرار مجلس الامن الدولي القاضي بتمديد ولاية قوات الاممالمتحدة الأمنية في أبيي معتبرةً أنّ القرار ليس بجديد، وأوضحت أنه صدر قبل إسبوعين وأن مجلس الامن مدّد الصلاحية فيه لقوات المراقبة في أبيي غير أن الجديد في الأمر هو الاعتراف الضمني من قبل المجلس بوجود قوات للجيش الشعبي في أبيي، مشيرةً إلى أنه قرار موجه للطرفين بأن يلتزما بما تم الاتفاق عليه في أديس كحل مؤقت لتهيئة الأجواء، واصفةً حديث المجلس حول الحدود المشتركة بين الدولتين - كونها تمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين - بأنها محض تبريرات لتمرير القرار. { على الأرض يبلغ قوام قوة الأممالمتحدة المؤقتة حوالي (3433) جندياً، علماً أن عددها سيبلغ نحو(4200) عنصر بحلول نهاية الشهر. وكانت القوات المسلحة قد أكدت من قبل إلتزامها بالانسحاب حال اكتمال وصول القوات الإثيوبية في المنطقة، ونفت على لسان الناطق الرسمي باسمها العقيد الصوارمي خالد سعد إنحيازها أو تواطؤها مع فئة من المواطنين ضد الأخرى مؤكدةً على قومية القوات المسلحة ومهمتها الأساسية في الدفاع عن الأرض والأعراض والممتلكات. { الصوارمي نوّه إلى أنّ وجود القوات المسلحة في أبيي يأتي من واقع أن المنطقة أرض سودانية وحسب اتفاق نيفاشا تقع شمال حدود 1956م، ونبّه إلى أن حسم أي نزاع أو عمل إداري مسؤولية حكومة السودان، وأضاف إنّ القوات المسلحة موجودة في (أبيي) لأن الجيش الشعبي الذي يتبع لحكومة الجنوب كان يريد أن يسيطر سيطرة تامة على المنطقة خلافاً لما تم في بروتكول أبيي، مشدداً على بقاء القوات المسلحة إلى حين تسوية الأمر واكتمال نشر القوات الإثيوبية وتكوين لجان حكم وآلية المراقبة التي تتابع عودة الجيشين شمالاً وجنوباً. { إتفاق أديس أبابا وفقاً للمراقبين ما زال يراوح مكانه لعدة أسباب؛ في طياتها يكمن السياسي والأمني، وكان الاتفاق قد أكد على نشر (300) جندي أثيوبي من قوات الأممالمتحدة لمراقبة حدود البلدين لرصد وتسوية النزاعات التي تطرأ على الحدود، وعلى عقد لقاء في السابع عشر من أغسطس الماضي لمناقشة ترسيم الحدود المشتركة بين الدولتين والتي تعتبر مصدراً للتوترات بين البلدين - (1200) كيلو متر- ما يعني أن القوات الأثيوبية ستجابه بتعقيدات جمة وإشكالات عديدة في هذه الحدود الطويلة. { أبيي ظلت محلا للنزاع لفترة طويلة، ويعزو البعض المسألة لإفتقار الأنظمة السياسية المتعاقبة على حكم السودان لرؤية منهجية وفكرية لحل النزاع، وبحسب المراقبين فإن الصراع في منطقة أبيي إتخذ ثلاثة تحولات جوهرية قادت في النهاية إلى مايطلق عليه (التدويل)، وهذه المراحل راوحت شكل الصراع التقليدي - المشاحنات والتنافس على مصادر الطبيعة - والصراع السياسي، والبعد الدولي وهو آخر تطورات قضية (أبيي) التي أضحت ذات طابع دولي وأخذت حيزاً كبيراً في الميديا العالمية ومراكز صناعة القرار الدولية. { الخطأ المنهجي الذي قاد لهذه المحصلة هو انكفاء كل المحاولات على الحلول السياسية والأمنية دون النظر إلى الإطار الاجتماعي (تاريخي - سياسي)، كما أنّ اكتشاف البترول بالمنطقة أعطي الصراع حولها بعداً إضافياً وربما تسبب في المزيد من التعقيد من خلال تمسك الأطراف المختلفة بالمنطقة بدخول (الذهب الاسود) لحلبة الصراع وعامل الثروة، لكن الأمر الواضح أن المنطلقات التي يتحرك منها الجانبان تتمثل في أن المسيرية نقطتهم المحورية الحفاظ على ما يعتبرونها أرض الاجداد وضمان سلامة الثروت المتمثلة في مواشيهم وإستمرار حركتهم الموسمية في المراعي شمالاً وجنوباً، بينما دينكا نقوك ينظرون للأمر من زاوية إعادة الحقوق التاريخية المسلوبة واستردادها. وعلى الرغم من تخصيص برتكول خاص بالمنطقة ضمن إتفاق السلام الشامل إلا أن المشهد ظل على الدوام بأبيي يمزج بين الشك والظنون، والخوف والترقب، والاستعداد للاسوأ..!!