* لا يكاد يمر يوم دون أن نقرأ خبراً يتحدث عن مصرع عدد من الأشخاص أو تفحمهم داخل المركبات التي تقلهم في حوادث متتالية، لا تجد من يوقفها. * يوم أمس الأول لقي سبعة مواطنين حتفهم حرقاً إثر اصطدام سيارة كانوا يستقلونها بأحد البصات على طريق التحدي، أو فلنسمه طريق الموت الجديد، بعد أن تفوق على سميّه (طريق الخرطوم مدني)، وبذّه في إزهاق الأرواح وحرق الجثث وقطع الرؤوس وتحطيم الأيادي والسيقان وقطعها من خلاف. * يلقى مئات السودانيين مصرعهم كل شهر في طرقٍ تمت سفلتتها، بل (كلفتتها) على عجل، ومن بينها طريق التحدي الذي أصيب بالجدري، ونهش الدرن صدره حتى طفح، وامتلأ بالحفر والأخاديد التي لم تفلح عمليات الترقيع المستمرة في حجبها. * يزخر (فخ) التحدي بالوديان والخيران التي يتم عبورها (بمزلقانات) أقيمت بغرض تقليص الكلفة المادية، تفادياً لإنشاء جسور فوقها، وبسبب فقه (التخفيف) لقي الآلاف مصرعهم في الطريق المذكور. * هذا بخلاف حركة دواب الأرض من حميرٍ وجمالٍ وخرافٍ ومعيز، التي كثيراً ما تفاجئ السائقين بطلتها البهية، فتتسبب في عدد مقدر من الحوادث المميتة. * طريق حيوي، يربط الميناء بالعاصمة، وتمر عبره آلاف الشاحنات يومياً، بخلاف السيارات الصغيرة وحافلات الركاب والباصات السفرية وسواها، لا يزيد عرضه عن سبعة أمتار، تمور بالحركة (رايح جاي) من الطبيعي أن يتحول إلى مصيدة قاتلة تنتزع الحياة من أجسام مرتاديه يومياً. * شارع (تحدي) مهارة السائقين ضيّق، لا توجد فيه (لمبة) إضاءة واحدة، لأن المسؤولين عنه يعتقدون أن إضاءة الطرق من الكماليات التي لا يجوز إنفاق الأموال عليها، مع أن عابريها يدفعون (رايح جاي). * وهم يعتقدون أن سائقي السودان يتمتعون بحدة بصر الصقور ولا يحتاجون إلى الإضاءة ليلاً. * تطرقنا قبل أيام إلى تقرير برلماني أفاد أن عدد السودانيين الذين يموتون على الطرق أكثر من رفاقهم الذين تحصدهم الحروب. * رداءة الطرق السبب الأول للحوادث العديدة التي تحدث كل يوم. * ومع ذلك زعم سعادة العقيد شرطة الطيب محمد الأمين أن السائقين يتسببون في ما نسبته 80 في المائة من الحوادث المرورية، وأن العشرين في المائة الباقية تُعزى إلى مشاكل الطرق! * وزاد مؤكداً أن قانون التسويات المرورية (ضعيف) مطالباً بسن عقوبات أكثر ردعاً! * التسويات المرورية هو اسم الدلع للجبايات التي تمارسها شرطة المرور في شوارع العاصمة والولايات يومياً، وتحصد بها أموالاً طائلة، لا ندري فيم تصرف، وعلام تنفق، طالما أن الطرق باقية على حالها، سيئة الرصف وتخلو من الإشارات، وإذا وجدت فيها إشارات فإنها كثيراً ما تلزم الصمت الجميل، وتخلد إلى نومٍ طويل! * ونحن نختلف مع سعادة العقيد، ونعتقد أن النسبة التي ذكرها مقلوبة رأساً على عقب. * الثمانون في المائة تعود إلى سوء الطرق، (رصفاً وتخطيطاً)، والعشرون الباقية تساهم فيها شرطة المرور بنصيب وافر، لأنها لا تتبع النظم العالمية المتعارف عليها في استخراج الرخص للسائقين، فتكون النتيجة السماح لأشخاص غير مؤهلين للقيادة بالجلوس خلف المقود، وحوادث متتالية تنتج عن عجم دراية بقوانين المرور، وجهل تام بأساسيات علم القيادة الآمنة. * لن تجدي مع شوارع ولاية الخرطوم الحالية مهارة مايكل شوماخر في القيادة! * والحديث عن ضعف قانون التسويات المرورية غير مقبول، علاوةً على أنه معلوم الدوافع، لأن التجارب أثبتت أن مضاعفة الغرامات لم تحد من عدد الحوادث، وأن المستفيد الأول والوحيد من تلك الجبايات خزائن شرطة المرور وليس سواها. * معالجة هذه الأزمة المستعصية لا تتم بمثل هذه الرؤية القاصرة، بل بانتهاج إستراتيجية طويلة المدى، يتم عبرها إعادة رصف الطرق وفقاً للمواصفات المعتمدة عالمياً، وتطبيق قواعد السلامة المرورية عليها، وإعادة النظر في الأساليب المتبعة في استخراج الرخص وتجديدها، ومعاقبة أي مسؤول يجامل في استخراج الرخصة، وتثقيف السائقين، وحتى الراجلين. * وبعد ذلك كله (وليس قبله) تأتي الجباية، ويتم سن عقوبات صارمة على المخالفين.