آدم محمد أحمد حصدت الحكومة كلّ ما لم يدر بخلدها من غلّة (هجليج)؛ نصر عسكري مؤزّر والتفاف شعبي كامل وكمّ من الإدانات الدولية الموجّهة لجارتها الوليدة جراء العدوان السافر الذي قامت به. الآن وبعد أن مرّت مياه كثيرة تحت الجسر ينصبّ الحديث مجدّداً حول ماهية الوفد الحكومي المفاوض وقدرته على إدارة الملف. يأتي الحديث هذه المرة والحكومة السودانية قد أبدت موافقتها رسمياً على قرار مجلس الأمن بشأن النزاع. القرار المشار إليه كان قد وضع سقفاً زمنياً أمام الأطراف للوصول إلى تسوية في (القضايا العالقة) حدّدها بثلاثة أشهر، وبعدها لا خيار للبلدين سوى الالتزام بما يقرّره الوسطاء، وهو واقع يتطلب نوعاً من الحسم والجدية فيما يتعلق بالمفاوضات المعتزم استئنافها خلال الأيام المقبلة. تأسيساً على ذلك فإنّ دهاليز الحكومة وأجهزتها المعنية بدأت تتبادل الرسائل الظاهرة والخفية حول الوفد المفاوض وقوامه. الأسئلة تتناثر في حين تفرض الاستفهامات نفسها؛ بقاء الوفد بتركيبته السابقة - نيفاشية الملمح والسمات - أم أنّ تعديلاً جوهرياً سيطرأ عليه؟ قبل أن نبحر بسفن البحث إلى شواطئ الإجابات ينبغي بالضرورة الوقوف عند محطات كان فيها وفد التفاوض مادة دسمة للميديا في الداخل ومانشيتات الصحف، حتى السياسيون فيهم من عجم كنانته وتخيّر منها الأقوى لينتاش بسهام نقده تلك التشكيلة بذريعة الفشل، أو بجريرة تطاول الأمد. لا يغفل المراقب كذلك بعضاً من المدح في ثنايا ما اعتبروه كسب الوفد، وإن أتى بصورة خجولة. ذروة هياج الناقمين تتبدى بعد توقيع اتفاق (الحريات الأربع)، وهو الاتفاق الذي باغته الجنوب بطلقة الخيانة مقدماً من خلال تلك الخطوة خدمة مجانية لدعم رأي الساخطين على الوفد، فصبّوا جام غضبهم عليه لجهة أنّ الاتفاق مع الجنوب لم يكن موفّقاً في ظل تلك الظروف. رأي عضو المكتب القيادي بالوطني د.قطبي المهدي يتربّع على قمة الآراء الناقدة لأسلوب ممثلي الحكومة في إدارة دفة الحوار مع دولة الجنوب، ففي حديث سابق له وجه الرجل انتقادات لاذعة للوفد واصفاً إياه ب(اللين) قبل أن يعود ويطالب بتغيير المنهج التفاوضي. آخرون بالطبع كانوا يشاركون قطبي رأيه خاصة رئيس منبر السلام العادل المهندس الطيب مصطفى الذي أسال الكثير من الزفرات الحرّى وكثيف المداد على صفحات الزميلة (الانتباهة) لتعضيد رأيه، حيث وصف أعضاء الوفد ب(المنبطحين)، وطالب بمحاسبتهم وإقالتهم. غير أنّ كل ذلك الجدل غطّت عليه (هجليج) التي لفّت حبال الإجماع الوطني على الجميع، وملأت الفراغات في اتّجاه ردّ العدوان، حتى خرج مجلس الأمن بقراره آنف الذكر، بيد أن الحكومة التي أعلنت موافقتها على القرار بكامل حيثياته، مع بعض التحفظات التي أخضعها قيادي الوطني في اجتماع متأخّر مساء أمس، انخرطت في الإعداد لتنفيذ القرار، وأهم بند فيه التفاوض، لكنها لم تجب بصورة رسمية عن السؤال المتردد: هل سيبقى الوفد أم سيذهب؟ وبخلاف بعض التسريبات التي وردت على لسان مصدر تحدث للزميلة "السوداني" أكد فيها أن قيادة الدولة جددت الثقة في أعضاء وفدها ولن يطرأ على تركيبته تغييرات تذكر خاصة اللجنتين (العسكريّة والسياسيّة) سوى تعديلات وصفها المصدر بالطفيفة، تتمثل في إضافة خبراء ومختصين، وذلك حسب طبيعة الجولة التفاوضية. بخلاف ذلك لم تخرج فتوى رسمية عن بقاء الوفد أو ذهابه، حتى عضو الوفد في شكله القديم وسفير السودان بجوبا الذي لم يتسلم مهامه حتى الآن د.مطرف صديق اكتفى بالقول ل(الأهرام اليوم) إنه لا يعلم تشكيلة الوفد وهل هو جزء منها أم هناك تعديلات؟ لكن الحديث حول ذلك جاء من "النادي الكاثوليكي" مقر المؤتمر الوطني الذي قال ناطقه الرسمي أمين الإعلام د.بدرالدين إبراهيم كلاماً مغايراً لما ذكره المصدر، واعتبر أن حزبه لم يجدد الثقة في الوفد ولم يحدد حتى من سيذهب ومن سيبقى، ونوه إلى أن القضية تحتاج إلى ترتيبات وفقاً لمقتضيات محددة، وهو أمر لم يتم حتى الآن داخل دهاليز "الوطني"، غير أن ثمة عبارة "لفظ" بها الرجل ربما تعطي مؤشراً لنافذة أخرى حول من هي الجهة التي تختار الوفد هل هي الحكومة أم الحزب؟ إذ يقول بدر الدين إن الجهات المختصة لم تقم بهذه المهمة "دون أن يحدد ماهية تلك الجهات". وفي تصريح ل(الأهرام اليوم) أمس، قطع بدرالدين بأن الوطني رغم أنه حزب حاكم صاحب أغلبية لكن هناك أحزاباً أخرى مشاركة معه، وأن اختيار الوفد سيكون بناءً على ترتيبات الملفات وشكلها. مراقبون للأوضاع يذهبون إلى القول بأن الحكومة لا يجب أن تنشغل كثيراً بشكل الوفد أو الأشخاص الذين يشكلونه بقدرما يجب أن تركز على وضع إستراتيجية للتفاوض تقوم على منهج واضح يحدد المهام والواجبات، ويفصل الملفات وفقاً لمصلحة الدولة، ويؤكد مراقبون أن الحكومة إذا فعلت ذلك فلا يهم من سترسل للتفاوض، وهذا ما عضده أستاذ العلوم السياسية بروفيسور حسن الساعوري الذي استنطقته "الأهرام اليوم" إذ يرى الساعوري أن القضية ليست في الوفد وإنما يجب أن يتفق الناس على إستراتيجية للتفاوض، واعتبر أن غياب ذلك سيجعل أعضاء الوفد يعملون وفقاً ل(فلاحتهم)، قبل أن يشكك في وجود هذه الإستراتيجية نفسها.