المعايير التي تحكم العلاقة بين الطالب الجامعي وأستاذه تنطوي على عدد وشكل المحاضرات التي يتلقاها الطالب خلال تحصيله العلمي بالكلية، وتنأى كثيراً عن العلاقات الإنسانية الواسعة بمضامينها القوية وآلياتها القادرة على تشكيل الوعي الثقافي للطالب الجامعي .. فهناك جدب بائن أصاب أرضية الحوار بين الأستاذ وطالبه في شتى مناحي الحياة سواء كانت ثقافية أو اجتماعية، فأسلوب الحياة بينهم ارتبط فقط بالحقل الأكاديمي ومحتوياته .. وفي اعتقادي أن الأستاذ الجامعي يعتبر موسوعةً حافلةً بمعارف متنوعة وله خبرات وتجارب عديدة يمكن أن يجني الطالب من ثمارها ما لذّ وطاب، فقط إذا أدرك الأستاذ أهمية هذا الدور وفك العزلة الأزليّة بينهما .. وفتح آفاقاً جديدة للحوار .. ترتقي بمستوى الطالب الأكاديمي والمعرفي والأخلاقي، ويتحرَّر بالتالي الأستاذ من التقوقع حول مركزيّة الرسالة التعليميّة. مفهوم الحياة العلمية يجب أن يتخطى صفحات المذكرة ولغة المحاضرة .. حتى الفيلسوف المقدوني (أرسطو) لم يكن أستاذ بحث فقط .. فقد كان أكثر التصاقاً بطلبته .. يعلمهم الفلسفة بجانب آرائه وتجاربه في الحياة .. وحتى في عصرنا الحالي الأستاذ الجامعي في دول الغرب يساهم بشكل كبير في معالجة مشاكل الطالب الشخصية، بالرغم من وجود مختصين في علم النفس والاجتماع في الحقل الأكاديمي لديهم .. فالأستاذ الجامعي (تشازلز إليوت) كان من أنجح رؤساء الجامعات الأمريكية .. دخل عليه ذات يوم أحد طلابه في أمر يخصه - أي الطالب - وعندما نهض مغادراً استدعاه الأستاذ وقال له: إنني أقدر دورك في التغلب على مصاعب الحياة .. وقد أعجبني أنك تقوم بإعداد الطعام لنفسك .. ولكن هل تستطيع أن تقوم بإعداد الفطير المحشو باللحم .. فأجاب الطالب بالنفي، فقام الدكتور من مكانه وجلس بجوار الطالب .. وبدأ يشرح له طريقة عمل الفطيرة باللحم في بساطة وتواضع جم .. هكذا تكون العلاقة الإنسانية بين الأستاذ وطالبه .. التي تفتح الأبواب المواربة وتعزز دور الطالب في اقتحام حصون العلم والمعرفة المتمثلة في أستاذه. والناس تتحدث عن الظواهر الغريبة التي انتشرت بين الطلاب في الجامعات وتستهجنها، كصرعات الموضة والزواج العرفي .. وأخيراً جرائم القتل .. وجميعها في اعتقادي إشكالات ذات دوافع نفسية لم تجد المحاورة النشطة من قبل أهل الشأن لوأدها قبل أن تستفحل داخل صرح حضاري علمي ومعرفي كالجامعة. ونحن ندرك تماماً أن المشكلة ذات أبعاد متشعبة ترتبط بالأسرة والمجتمع والدولة .. ولكن السؤال الذي يطل هنا: أين دور الأستاذ الجامعي وتكريس جهده الشخصي لدرء هذه الظواهر السالبة من ساحة الجامعة؟ الطالب لا يحتاج لسوط تأديبي في هذه المرحلة العمرية .. وإنما ينشد القدوة والأهتمام من قبل أستاذه، وكثير منهم يعتقد أن إلقاء السلام على مجموعة من الطلبة هو بمثابة جهد لفظي لا يقوى على منحه .. والرسول عليه الصلاة والسلام كان يلقي السلام على الصبية .. ليس لأنه أعظم البشرية وحسب .. ولكنه قدوة حسنة .. ويحمل لأمته رسالة سامية استطاع أن يعالج بمحتواها جميع معضلات الإنسان المسلم .. ويهتم بأدق تفاصيل حياته .. والأستاذ الجامعي أيضاً يعتبر قدوةً لطلبته فكراً ومنهج حياة، يستطيع بحنكته ودرايته .. وسعة أفقه .. أن يشارك الطالب همومه وقضاياه الملحة .. ويقاتل معه جيوش المتغيرات السالبة التي غزت مجتمع الجامعة وشرعت في تفكيكه.