أعلنت مرشحة (الإتحاد الإشتراكي السوداني) لرئاسة الجمهورية، البروفيسور فاطمة عبد المحمود، برنامجها الإنتخابي من (سرايا الزبير باشا) بالجيلي يوم الثلاثاء الفائت، وأكدت أن برنامجها يُعطي الأولوية للإهتمام بالريف ورفع الضغوط عنه، وتحقيق وحدة السودان وتطبيق (الشريعة الإسلامية المعتدلة)، ولم تنس في ختام خطابها الإنتخابي أن تعتذر (لحزب الأمة والإسلاميين) لما بدر من حزبها تجاههم على أيام حكم المايويين للبلاد.. و... وأتصور أن ظاهرة (الاعتذار) هي سلوك حضاري، ولقد سبقها إليه الأستاذ عبد الله دينق نيال المرشح الآخر لرئاسة الجمهورية عن حزب المؤتمر الشعبي، فلقد اعتذر السيد دينق للشعب السوداني عن مشاركة حزبه في شركة الإنقاذ، إلا أن الشريك الآخر المؤسس وصاحب الأسهم الأكبر لم يعتذر عن الإنقاذ، فقد قال في وقت سابق مسؤول كبير في حزب المؤتمر الوطني (إنهم لن يعتذروا عن آلاف الشهداء)!.. لكن موضوعنا الآن عن (حزب الإتحاد الإشتراكي) وتحديداً فيما يتعلق بطرح (الشريعة المعتدلة)، وهو مصطلح (جديد لنچ)، هذا الذي دفع به (حزب مايو) إلى أتون المعركة الإنتخابية. وكما تساءل فقيد مايو الكبير الراحل المشير جعفر نميري عبر كتابيه (المنهج الإسلامي كيف؟.. والنهج الإسلامي لماذا)؟.. نتساءل نحن الآن.. (الشريعة المعتدلة) كيف ولماذا؟!.. وبالمناسبة.. إن مايو هي التي أراقت الخمور في نهر النيل وسحبت تراخيص البارات التي كانت قائمة، وهي ذاتها التي استدعت الثلاثي (النيّل أبوقرون، وبدرية سليمان، وعوض الجيد) وعهدت إليهم أمر تفصيل قانون إسلامي.. إذن.. مايو هي التي أدخلت (الشريعة) في البرامج السياسية، فقد قال أحدهم يوماً (هذا مسمار جحا)، وذلك عندما فشلت الثورة الارتدادية التي عُرفت ب(الإنتفاضة) في إلغاء القوانين الشرعية التي صنعها جعفر نميري، بل لقد أصبحت الشريعة مذ يومها أحد الأجندة الأساسية في برامج الإنتخابات، ولكن بنسخ ورؤى مختلفة، فحزب الأمة على سبيل المثال هو صاحب أطروحة (الصحوة الإسلامية). فالسيد الإمام الصادق المهدي قد ناهض في وقت سابق (الشريعة المعتدلة) وأطلق عليها (قوانين سبتمبر) وحتى بخل عليها بصفة القوانين الإسلامية، والحزب الإتحادي الديمقراطي هو صاحب (الشريعة السمحاء)، وأذكر مرة أن جدنا مختار عبد الله (أبسادوبه) رحمه الله قد سألني (هل صحيح أن الحكومة قد سوّت الشريعة البيضاء)؟!، والإنقاذ والإسلاميون هم أصحاب (المشروع الحضاري). ورغم أن حزب الحركة الشعبية قد رفع دائماً شعار (الدولة العلمانية)، إلا أن السيد سلفاكير قد إحتمى أكثر من مرة بالكنيسة، فكان إذا اشتد الوطيس يحتمي بها، وربما يذكر المراقبون أن السيد سلفاكير قد دعا مرة للانفصال من كاتدرائية جوبا، وفي هذا الاحتماء قطعاً دلالات والتزامات لا يستطيع أن يتنصّل عنها السيد ياسر عرمان مرشح الحركة للرئاسة. وربما أراد حزب الإتحاد الإشتراكي من مصطلحه الجديد هذا (الشريعة المعتدلة) أن يشير من طرفٍ خفي، أن طرحهم هذا لا يتضمن (شريعة الجهاد).. ربما!.. لأن السيد الصادق المهدي عندما دُعيَ يوماً ليشارك في الإنقاذ، قال (إن هؤلاء يركبون على حصان مجنون فلا يمكن أن أكون رديفهم)، وذلك لكون الإنقاذ تؤمن ب(فريضة الجهاد) في سبيل الله، كثيرون هم الذين يرغبون في تقديم صورة (سمحة وسمحاء وبيضاء ومعتدلة وخالية من الجهاد للإسلام، فقد قال أحدهم يوماً موجهاً حديثه لتشريعات نميري الإسلامية، «إنها شريعة الجلد والبتر والقطع»)!. إذن أمام السودانيين نُسخ متعددة وأطباق مختلفة معروضة في (فترينات الأحزاب)، فما عليك عزيزي القارئ إلا أن تختار (النسخة) التي تناسبك من الشرائع المعروضة، وبالضرورة من بين تلك النسخ نسخة (الشريعة المعتدلة)!.. والله أعلم.