{ كما توقّعت وكتبت قبل أكثر من ثلاث سنوات، ملأ الأستاذ «عثمان محمد يوسف كبر» خانة الوالي في شمال دارفور، كما لم يملأها السابقون من المدنيين والجنرلات. { وظللت لسنوات امتدح أداء اثنين من الولاة - دون غيرهما - هما السيد «محمد طاهر ايلا» والي البحر الأحمر، والسيد «عثمان كبر» والي شمال دارفور، بينما انتقدت تعيين نحو خمسة ولاة قبل عامين، ووصفت أحدهم بأن أحداً لا يعرفه ليصبح خلال ثلاثة أسابيع متنقلاً بين وزارتين وولاية..!! وصدق حدسي، وعادت الرئاسة وقبلها حزب «المؤتمر الوطني» .. إلى ما ذهبنا إليه حينئذ، وأعفت الولاة المقصودين كما لم تمنحهم شرف تمثيل «المؤتمر الوطني» في الانتخابات القادمة. { فالصحافة ترى - غالباً - من زوايا لا يراها السياسيون، أو لا يريدون رؤيتها بسبب الارتباط بمجموعات و«شلليات» تهزم الفكرة، وتدمر المشروع، وتضر بمصلحة الوطن والمواطن، لكن السياسيين - غالباً أيضاً - يظنون، وبعض الظن إثم، أن الصحفيين كالشعراء، خياليون ومتوهمون..!! { «عثمان كبر» أدى أداءً سياسياً رفيعاً في شمال دارفور احتارت معه الحركات المتمردة، فلم تعد تقوى على فعل شئ، وبينما دخلت حركة العدل والمساواة أم درمان في مايو 2008م، فإنها عجزت عن اقتحام أطراف الفاشر طوال سنوات حكم الوالي «كبر» بسبب اهتمامه الخاص وقربه من الملف العسكري والأمني، بل واختراقه «الشخصي» لبعض الحركات ما يوفّر له معلومات قد لا تجدها عند بعض الأمنيين. { وأهم من كل هذا وذاك أن السيد «كبر» داره الفسيحة التي تسرح فيها الغزلان، ظلت مفتوحة للغاشي والماشي صباحاً ومساء، وعقب صلاة الفجر يكون الوالي قد جلس على «الفرشات» و«السجاجيد» مع أعوانه، وأمامهم أباريق الشاي باللبن والقهوة.. وأقداح «الزلابية».. ولسان حاله يقول: «حيا على العمل.. حيا على السياسة»..! وقد أتيحت لي فرصة المبيت بدار الوالي بفاشر السلطان قبل أكثر من عامين، ورأيت بأم عينيّ هذا المشهد.. ولم يحكه لي أحد. { أمّا الوالي «محمد طاهر ايلا» فقد رأيته في شوارع بورتسودان يقود سيارته بنفسه - في الأمسيات - دون سائق ولا حراسة، ورأيت شوارع الأسفلت في أزقة الحواري في بورتسودان القديمة، كما لم أرها في الخرطوم..!! وجلست على الكورنيش الجميل.. وتنقلت بين المصايف في «عروس» و«إيمان» وزرت سواكن، وسنكات، وطوكر الجديدة.. { كان ذلك قبل عامين، وعندما عدت من رحلة البحر الأحمر، كتبت ثلاث صفحات كاملة عن تفاصيل المشهد في بورتسودان، وقد همس لي أحد الأصدقاء بأن قلة قليلة وهزيلة من «المغرضين» في الوسط الصحفي يتهامسون، ولا يجهرون، بأن السيد «ايلا» قد أغدق عليّ بالملايين لأكتب ما كتبت، لم أعر الأمر اهتماماً لأن الهامسين يعرفونني جيداً، لكنني قلت لصديقي «إنه أغدق عليّ بالأسماك»!! فقد أوصى المرافقين لي بأن أتناول وجبة سمك طازجة كل صباح على شاطئ البحر الأحمر .. الجميل!! وغير هذه «السميكات»، وأنا لست من عشاق السمك، لا أعرف للوالي «ايلا» شيئاً غير أنه عمل.. وسيرى الله عمله ورسوله والمؤمنون، يوم الحساب.. يوم لا حاكم إلا هو. { وقد تهامسوا أيضاً حول «ايلا» وعطاءات الطرق والشركات المنفّذة، لكنني أشهد له كما شهد له الجميع من المقيمين والزائرين لمدينة بورتسودان بأنه غيَّر وجه المدينة «مئة وثمانين درجة» { وبالتأكيد فإن «ايلا» ليس كاملاً، فله عيوبه، وأخطاؤه، والناس تتحدّث عن ملامح دكتاتوريته وإدارته «الفردانية» لأمور الولاية، وتدخله في شؤون وملفات الوزراء، لكن الثابت عندي وعند الكثيرين أن «المؤتمر الوطني» لا يملك بديلاً للرجل في البحر الأحمر.. فأي بديل سيكون من أصحاب «الوزن الخفيف» ايلا سيفوز - إن شاء الله - في البحر الأحمر ولو تحالفت ضده كل الأحزاب.. وما زلت أذكر هتافيْن في بورتسودان: «بجا حديد».. و«ايلا حديد»..!! { وفي شمال دارفور، تحول عثمان كبر إلى شخصية محورية دفنت كل تاريخ الولاءات القديمة، ليس هو وحده، بل يتحدث الناس في الفاشر عن زوجته السيدة «سامية محمد صالح» التي تفتح دار الوالي يوماً في الأسبوع لمساعدة الفقراء والمساكين وذوي الحاجات. { ولهذا هتف الناس أمس الأول في ميدان المريخ بالفاشر «شبر بشبر .. البشير وكبر»..! { وشِبر بشِبر.. «ايلا» .. و«كبر»!!