تبادلت الأحزاب الاتهامات بشراء ذمم الناخبين في الانتخابات القادمة وتلقي التمويل الأجنبي. وقال الناطق الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي قيادة قطر السودان المحامي «محمد ضياء الدين» ل (الأهرام اليوم) إن اجتماع أحزاب المعارضة منتصف العام الماضي بإحدى دور الأحزاب وافقت فيه كل القوى السياسية المجتمعة باستثناء البعث على قبول دعم منظمات مدعومة من الأجانب ومعظم دعمها أمريكي، لكنه لم يؤكد أو ينفي إن كانت المعارضة استلمت دعماً، ورفض البعث ذاته دعوة السفارة الأمريكية لاجتماع بالأحزاب انتشرت دعوات الحضور له بين أحزاب معارضة تحفّظ قادتها على ذكر أحزابهم وأسمائهم خلال اتصالات هاتفية ل (الأهرام اليوم) معهم، وبعد أيام قلائل اتهم قيادي بالمؤتمر الوطني أحزاباً من المعارضة (لم يسمها) بتلقى أموال أجنبية، ثم وجه نائب رئيس الوطني للشؤون السياسية والتنظيمية د. نافع علي نافع خلال لقائه أبناء ولاية سنار بالخرطوم الخميس 11/فبراير الجاري، وجّه اتهاماً لأحزاب التجمع بالاحتشاد أمام أبواب السفارات لطلب التمويل المشروط. وفي الاتجاه الآخر اتهم رئيس حزب الأمة القومي «الصادق المهدي» خلال عرضه لبرنامجه الانتخابي بالمركز العام للحزب بأم درمان منتصف فبراير الحالي، اتهم الوطني بشراء ذمم الناخبين. وكانت المفوضية القومية قد حددت للحملة الانتخابية (56) يوماً تبدأ من السبت 13 فبراير الجاري وتنتهي يوم الاقتراع الأول 9 أبريل القادم، وروج المهدي ومبارك الفاضل ل (أكلوا توركم وادو زولكم)، و(استمتعوا بالغنائم وصوتوا بالضمائر)، وفي المقابل عزف الوطني على وتر تلقي المعارضة للدعم الأجنبي المشبوه للانتخابات، وابتعد البعث عن أولئك وهؤلاء. ولكن سؤالاً جوهرياً يقفز للذهن ويلح بفرض نفسه بشدة ويقول: هل يقبل بعض الناخبين أن يبيعوا ذممهم في الاقتراع ويبتعدوا عن مقولة (صاحب العقل يميز) ولايتوقفون عند تحليل أو تحريم ما يصل لأيديهم من دعم من أي حزب يخوض الانتخابات، ويرددون (كان من حرام ترزقنا كان من حلال ترزقنا)؟ قوانين للمحاسبة «ونصيحة لوجه الله لجميع الأحزاب أن تبتعد عن إطلاق الكلام على عواهنه، لأن الله يسأل كل إنسان عمّا يقول».. هكذا بدأ أمين عام هيئة علماء المسلمين بالسودان إجابته خلال اتصال هاتفي أجريته معه، وعزز ذلك بالآية «ومايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» وأردفها بأخرى في المسؤولية الشاملة عن أفعال الإنسان «إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً» وثلّثها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) وأعرب عن حزنه العميق لتبادل الأحزاب الاتهامات دون أدلة يتم الذهاب بموجبها للمحاكم ومفوضية الانتخابات، وأشار إلى ضبط مثل تلك الأقوال والأفعال بقوانين الانتخابات والمفوضية والجنائي والمدني بعد رقابة الله لكل إنسان. حرام ومحظور وقطع أمين عام هيئة العلماء بحرمة دفع أموال للناخبين واستلام أموال من جهات خارجية وقال إن كل ذلك حرام ومحظور شرعاً وقانوناً، وأردف أن القانون الوضعي سمّى ذلك فساداً سياسياً. وطالب جميع الناخبين والمرشحين بالابتعاد عن مثل تلك الممارسات التي وصفها بالضارة بالعملية الانتخابية ذاتها وسمعة السودان كله. خيانة عظمى وبحديث غير بعيد مما أورد أمين عام هيئة العلماء جاءت إجابة مراقب عام حزب الإخوان المسلمين بالسودان بروفسيور الحبر يوسف نورالدائم الذي بدأ متسائلاً: هل الإنسان الذي يُشترى ويباع يُرجى منه خير. ثم نبّه الناخبين للنأي عن تلك الممارسات، وقال نورالدئم خلال مهاتفتي له: إذا صحّ أن هنالك أحزاباً تتلقى دعماً أجنبياً من سفارات معلوم أن لها أجندتها ضد السودان، فإن فعلها يصنف في درجة الخيانة الوطنية العظمى، وتساءل مرة أخرى: هل تدفع جهة تعمل ضد مصالح السودان من أجل سواد عيون من تدفع لهم؟ وأجاب: لابد أن يكون لها أجندة معينة يجب أن يبحث عنها الناس، وأشار إلى نص في قانون مفوضية الانتخابات يدل على تمويل الأحزاب لنفسها بنفسها. لا بأس واستدرك بروفسيور الحبر أن الحزب إذا دفع مبلغاً من المال كدعم خيري لحل ضائقة معيشية فلا بأس في ذلك، وأوضح أنه حال دفع المال من أي حزب لجلب أصوات الناس فإن ذلك يدخل دائرة العمل غير القانوني وغير الأخلاقي. لا لاستغلال بساطة وفقر الناس وقطع رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية، الإصلاح، الشيخ أبوزيد محمد حمزة، بحرمة شراء ذمة الناخب وعدم جوازها إطلاقاً، وقال إن صوت الناخب أمانة في عنقه، ولم يستبعد انتهاج البعض لأي مسلك يوصلهم للفوز، وحذر من استغلال بساطة الناس وفقرهم من أجل لقمة العيش، وأوصى الناخبين بتفويت الفرصة على كل من يلجأ لاستغلالهم، وأوضح أن من يتبع تلك الطرق لايصل لمآربه ولا يكلل جهده بالنجاح، وشدد على أي مرشح أن يقدم أفعاله ولا يلجأ لتقديم أقواله. عودة بالسودان للوراء وصنف شيخ أبوزيد أهداف الأجانب الذين يدفعون المال لأي حزب بأنها دعوة بالعودة للسودان للوراء وإيقاف تقدمه، وقال إن أغراض الأجانب يمكن أن ينفذوها عبر من يواليهم في الفكر ويقومون بشراء الضمائر مستغلين فقر وجهل بعض الناس. واعتبر أبوزيد وعود بعض المرشحين جواز مرور لفوزهم وقال: إن المرشح بمجرد أن يفوز ينسى الناس تماماً. ويقول مراقبون إن المرشحين نقروا على محرك البحث عن الأصوات في القرى والمدن، ولاحت بروقهم، وظن بعض الناخبين أنها تجلب لهم أمطار عافية أينما تقع، فيما يرى البعض الآخر أنها سحائب صيف لا تأتي بخير. نيَّة مبيتة للفوضى وعلى نقيض من تحدثوا اعتبر المراقب السياسي «د. بهاء الدين مكاوي» دخول أموال أجنبية للانتخابات، حقيقة، مستشهداً بما حدث في انتخابات دول خارجية، وقال إن الأمر طريق لتسلق المعارضة وأحياناً الحكومة نفسها، وذهب أبعد من ذلك وأشار إلى إمكانية تقديم ذلك الدعم لنسف الاستقرار السياسي أثناء الانتخابات وخلق الفوضى، وأضاف أنه يمكن شراء أسلحة بتلك الأموال لخلق عنف في الانتخابات أو إعطاء أموال لمجموعة للتحريض على الشغب، وأشار إلى أن أحد المعارضين بالسودان - تحفظ على ذكر اسمه - قال: نريد الانتخابات منصه للانتفاضة والخروج للشارع. واعتبر ذلك نية مبيتة لادعاء المعارضة التزوير حال عدم فوزها، ونبه الحكومة لضرورة أخذ الحيطة ومعرفة الجهات الخارجية التي يمكن أن تقدم الدعم، وأوضح أن شروط الأموال الأجنبية تاتي ضد مصلحة الوطن، وأشار إلى أعمال الشغب التي أعقبت الانتخابات في زمبابوي وكينيا وإيران. وأضاف مكاوي، أستاذ العلوم السياسية إن فكرة شراء الذمم قد تكون موجودة في السودان على نطاق ضيق لا يتعدى القيادات التي تأتي بالناخبين، أما شراء ذمم الناخبين أنفسهم فقد عدَّه غير ممكن من واقع أنه يحتاج لدفع أموال ضخمة في وقت تعاني فيه الأحزاب بالسودان في مشكلة التمويل، واستدرك موجهاً رسالة للأحزاب مفادها أن الشخص الذي تُشترى ذمته غير مأمون ويمكن بذات المقدار أن يخادع من يدفع له.