فشلت القوى السياسية السودانية المعارضة، وعلى وجه الخصوص قوى ملتقى جوبا في تنظيف ثيابها السياسية من الشوائب والقاذورات الأجنبية التي علقت بها مؤخراً، بشأن تلقيها لأموال أجنبية تزمع الإستعانة بها في حملتها الانتخابية. فقبل أيام قلائل تصدى حزب البعث الذي يعتبر أحد مكونات هذه القوى لهذا الأمر وقال إن لديه معلومات مؤكدة على وجود اتصال لقوى ملتقى جوبا بسفارات أجنبية الهدف منها تقديم أموال لهذه القوى السياسية. ومضت أيام على هذه التصريحات الخطيرة ولم نر احتجاجاً من مكونات الملتقى، أو نفياً قاطعاً، أو إتخاذ إجراءات جنائية في مواجهة الناطق باسم حزب البعث الذي فجر العبوة الناسفة الأمر الذي أعطى دلالة واضحة لا تحتمل الشك أن القصة في جوهرها صحيحة. وقد زاد الطين بله كما يقولون أن حزب البعث قال أنه تلقى اتصالاً من السفارة الأمريكية بالخرطوم لعقد لقاءات ما لبثت السفارة أن أحالتها الى (لقاءات ثنائية)!!، وبهذا فإن الأمر بدأ في غاية الوضوح، اذ أن عملية (بيع وشراء وتمويل سياسي) تجري على قدم وساق بين هذه القوى السياسية والسفارات الأجنبية وبالطبع – وهذا مما لا يحتاج الى إجتهاد – فإن أي (تمويل) في مرحلة كهذه لأي حزب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مجرد صدقة سياسية أو عمل خيري محض!، وهذا ما يجعل من هذه الأحزاب ومهما كانت تعاني ما تعاني مالياً رهينة لبرامج واستحقاقات سياسية باهظة الثمن لهذه القوى الأجنبية المانحة، فسوق السياسة هو السوق الوحيد الذي لابد فيه من (سلعة وثمن نقدي) وهي بهذه المثابة ليست سوقاً خيرية. وليس عيباً بالطبع أن يكون هذا الحزب أو ذاك يعاني من عوز مالي أو فقد مادي، ولكن العيب كل العيب أن يستجيب حزب سياسي وطني يتشدق بالوطنية والمبادئ (لطلبات أجنبية) في مقابل بضع آلاف من الدولارات، اذ أن مزج المال الأجنبي بالمبادئ الوطني أمر مستحيل شبيه بمزج الزيت بالماء، حيث سوف يعلو (الأثقل كثافة) على الأقل، وهذا بدوره سيجعل من مستقبل السودان رهينة أبدية في يد قوى خارجية اشترت مسبقاً أسهم المستقبل السياسية ممن لا يملكون حق التصرف فيها. ومما يؤسف المرء في هذا الصدد أننا وفي حين كنا نتوقع ثورة عارمة من هذه القوى، وابراء لذمتها واظهارها لما تملكه من حال ومصادر تمويل قبل أن تخوض الاستحقاق الانتخابي فإننا لم نلمس ذلك، ولعل حزب البعث الذي كشف عن هذه الحقيقة المريرة ظل يداريها، ويحاول عبثاً تجاوزها علّ بقية القوى ترعوي وتتراجع عن هذا الطريق المهلك ولكنه لما وجدها سادرة في غيها غير عابئة اضطر للكشف عنها، ومن الضروري أن يحدد الناخب السوداني موقفه صراحة من هذه الأحزاب التي يدعي بعضها أنهم هم من أخرجو الأجنبي المحتل من البلاد وهاهم يأخذون ماله ويستمعون الى (توجيهاته) كما التلاميذ في فصول الدراسة بحسبما قال حزب البعث!!