لقد تجاوزر الأمين العام للمؤتمر الشعبي، حسن الترابي، السبعين عاماً لكنه على الرغم من ذلك مصمم على أن يقود الحملة الانتخابية الولائية الى قرى الجزيرة، لم تفارقه معاني آيات القرآن الكريم (إذا فرغت فانصب)، فجعلها علامة وسمة لرحلته لمناطق ودراوة والسيال خاطر وودعشيب والهلالية ويلتقي بالرموز الاجتماعية والسياسية ويشرح مقاصد تفسيره التوحيدي الذي لا يفصل الإيمان والتقوى في شعائر الدين عن كافة مناشط الحياة، وله في ذلك سند رباني يستمده من كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن سنة الرسول «صلى الله عليه وسلم» الذي صادف ذكرى ميلاده أول جولة للترابي وهو يؤصّل لمعاني الانتخابات ومنح المُرشّحين أصوات الفوز للمقاعد التشريعية والتنفيذية. وكعادة بيته بضاحية المنشية في استقبال الزوار ومنصة الانطلاق لمناطق السودان الأخرى، جلست سكرتارية الترابي ومرافقوه ومحمد الأمين خليفة في انتظار الساعة الخامسة مساءً من عصر يوم الجمعة الماضي ليخرج عليهم بجلباب الإمام والقائد بعد اكتمال الترتيبات اللازمة والاتصالات ودواعي التأمين. وعند ودراوه ألقى وفد المؤتمر الشعبي عصا الترحال في ندوة سياسية تناول فيها بابكر عمر نور الدائم، أحد قيادات الحزب بالمنطقة، واقع التعليم المتردي، قبل أن يشير الى حالة الفقر التي ضربت مناطق شرق الجزيرة، ويضرب مثلاً بمنطقة ودعشيب التي انتهت ثروتها الحيوانية فلم يتبقَ فيها سوى مائة من الشياه بحسب قوله. وللتأكيد على تعاضد المؤتمر الشعبي ووقوفه مع الأحزاب السياسية المكونة لتحالف جوبا أعطى فرصة للحركة الشعبية ليتحدث نيابة عنها عصام رحمة الله، ومن بعده محمد الجاك من حزب الأمة القومي، قبل أن يتحدث مُرشّح المؤتمر الشعبي عن الدائرة (9) محمد أحمد الصديق رحمة عن برنامجه الانتخابي، وجاء بعده أمين الحزب بالولاية عبد الرحمن عامر، الذي أكد وقوفهم مع المُرشّح المستقل لمنصب والي الجزيرة مالك حسين، ودعا المؤتمر الوطني الى أن يحفر شبراً له في طرف المقابر وكفناً من السوق ليواري به سواءات نفسه، بعد أن أكد أن الرؤية واضحة بذلك الخصوص لخوض الانتخابات. أما أمين أمانة منظومة الأمن والدفاع بالمؤتمر الشعبي محمد الأمين خليفة فقد دعا الناخبين الى التصويت لمُرشّحي الأحزاب السياسية لتغيير الحال والواقع المتردي، مشيراً الى أن جوال السكر يخرج من المصنع بسعر (24) جنيهاً ليباع في السوق بمبلغ (124) جنيهاً. ولم يذهب الأمين العام للمؤتمر الشعبي، حسن الترابي، بعيداً عن كلمات من سبقوه غير أنه أضاف بلغته الحادة في انتقاد الأوضاع ما لا يمكن أن يجد طريقه للنشر خاصة وأنه ما بات يخشى أحداً غير الله. وسرد الترابي أسباب الخلاف مع المؤتمر الوطني وحذرهم من أن يصير مصيرهم كالاتحاد الاشتراكي بعد زوال نظام الرئيس الأسبق الراحل جعفر نميري، مستدلاً بالآية القرانية التي تلاها النبي الكريم (نوح) ليدعو ابنه ليركب معهم اجتناباً للغرق غير أنه قال بأنه سيأوي الى جبل يعصمه من الماء فكان من المغرقين. ووجّه الترابي سهامه الى التردي الاقتصادي وتدهور المشاريع الزراعية في الجزيرة وكوكر وجبال النوبة والدمازين وغيرها من المناطق، وعقد مقارنة ببلايين الجنيهات التي يصرفها المؤتمر الوطني في الدعاية الانتخابية ولا ينفقها لإصلاح حال المزارعين، وللترابي لغته الخاصة في توصيل الرسالة. ودعا الترابي الى إسقاط مُرشّحي المؤتمر الوطني خوفاً عليهم من وزر (5) سنوات قادمة حال فوزهم، بعد أن حكموا السودان لعشرين عاماً لم يستمعوا فيه للنصائح ولم يرسوا فيها دعائم الشورى والحكم الرشيد بحسب ما أشار الترابي . توجّه الترابي ووفده الى منطقة ودعشيب وبات فيها ليلة السبت قبل أن يخاطب عند الساعة الثامنة صباحاً لقاءً نوعياً لرموز المنطقة حشد فيه الترابي معاني إيمانية عن رمزية الصلاة وتقديم الإمام طوعاً من جموع المصلين من دون إكراه أو انقلاب عى منهج وروح وقيم الصلاة وميثاقها. من بعد ذلك اجتمع الترابي بمدينة رفاعة بالقوى السياسية المعارضة، وكانت كلماته كلها تنصب حول الإسراع بالتحالف لهزيمة المؤتمر الوطني خاصة بعد أن تلقت الأحزاب ضوءاً أخضرَ من رئيس الحزب الاتحادي الأصل محمد عثمان الميرغني للتنسيق معهم في المراحل الانتخابية القادمة، وخاطب ندوة سياسية بالهلالية. يعلم الأخوان المسلمون بأن للدكتور الترابي مودة خاصة يمنحها لإخوانه من دون وضع في الاعتبار لمكانتهم الاجتماعية أو أعمارهم ومناصبهم، يصلهم في مناسباتهم ويتفقدهم حينما لا يراهم، ويسأل عنهم ويكاد يحفظ أنسابهم، لذلك فلم يكن غريباً أن يزور أسرة الزميل الصحفي مجاهد عبد الله بالسيال خاطر، ويتناول معه (طعام الغداء) ويخاطب أهل المنطقة، وذلك بعد أن زار أسرة الشريف بركات بالشرفة. وقد زار الترابي كذلك أسرة الشيخ محمد الشيخ عيسى بمنطقة (العيدج)، وأسرة المرحوم حبيب الفكي حمد، وفي ودراوة زار أسرة صديق درار والأمين الصديق، وفي رفاعة أسرة أحمد علي جابر وخصّ أستاذه محمد إبراهيم أبوسن بزيارة خاصة احتراماً للمعلمين وتقديراً لدورهم، وكذلك زار أسرة الجيلي سعيد. وقد فاضت مشاعر بكري أحمد علي جابر « نيابة عن أسرة المرحوم أحمد جابر» بكلمات أثنى فيها على الترابي والقيادات في معيته قائلاً: لقد حققتم لنا حلماً عظيماً وما من شك أنه وفاء ووفاء نادر، جعل سعادتنا تختلط بالدم وتمتزج بالنفس والروح وأنني لا أقوى هنا على إخفاء ذلكم الشعور الكريم الطيب لزيارتكم الكريمة لنا، لقد وجدت زيارتكم أثراً كبيراً في نفس كل أفراد الأسرة، وأعطت معنى جديداً من معاني نفوسكم الحرة الكبيرة ولكن البحر تثيره القطرة، وتهبط على سطحه فتضطرب لها أرجاؤه، والنفس تلتفت لأي سبب فيثير ذلك الالتفات ما يجيش به من ضروب المشاعر الصادقة. لقد امتزجت حقاً الأرواح بهذه الزيارة العظيمة، التي صرنا بها أسعد الناس وأكثر الناس شاكرين بهذا الوفاء الذي ترجمنا به عما تكنّه قلوبنا، ووصل بنا الى درجة من الارتياح لا يعرف الفردية ولا التمايز. في الختام، نيابة عن أسرة المرحوم أحمد علي جابر نشكر لكم سوالف أيادٍ في نعيكم للوالد، كما نشكر لكم لواحق أياديكم في زيارتكم لنا» قبل أن يختم بكلمات من نظم شاعر النيل حافظ إبراهيم: شكرت جميل صنعكم بدمعي ودمع العين مقياس الشعور لأول مرة ذاق جفني، على ما ذاقه، دمع السرور