{ السيد «محمد أحمد الطاهر أبو كلابيش» والي شمال كردفان السابق، سياسي قدير، وقديم، يعرف ماذا يفعل، وكيف، ومتى. ليس وحده، فقد سبق أن ردَّدتُ في هذه الزاوية أن أغلب سياسيي حقبة «مايو» - مع رأيي السالب في ذلك النظام - مميَّزون بقدراتهم التنظيميَّة واجتهاداتهم السياسيَّة، وقد كان الراحل «جعفر نميري» يصطفي خياراً من خيار، و(الإنقاذ) استفادت من بعض قيادات الصف (الأول) في مايو والكثير من قيادات الصف (الثاني) و(الثالث)، وكان أداؤهم ومازال أفضل من كوادر المؤتمر الوطني (الأصيلة)..!! ولست في حاجة لأدلِّل بالعديد من النماذج، فرئيس مفوضية الانتخابات ونائبه مولانا «أبيل ألير»، والبروفيسور العالم «عبد الله أحمد عبد الله» من كوادر «مايو» القيادية. { وفي السلك الدبلوماسي فإن أفضل ثلاثة سفراء مثَّلوا (الإنقاذ) - على الإطلاق - خلال السنوات العشرين الماضية هم الراحل الكبير «أحمد عبد الحليم» في سفارتنا بالقاهرة، ويكفي أن الرئيس مبارك كان يناديه بمودَّة (يا عم أحمد..)!! وكل من خلفه في المقعد عانى وسيعاني. { والثاني السفير «عثمان السيد» في «أديس أبابا»، وكان يدخل على رئيس الوزراء الأثيوبي «مليس زيناوي» في أي وقت، وبدون برتوكولات. وسيرة «عثمان السيد» في أثيوبيا معروفة منذ أن كان مديراً للأمن الخارجي في عهد مايو، مشرفاً على قادة الثورة الأثيوبيَّة، ومنهم «زيناوي»، و«سيوم مسفن» وزير الخارجية الحالي. { السفير الثالث هو الفريق «الفاتح عروة»، وقد شهد العالم بأسره معاركه ومجاهداته في «نيويورك» سفيراً ومندوباً دائماً للسودان لدى الأممالمتحدة، في أقسى فترات الهجمة الامبريالية الصهيونية على السودان. { وعندما تم تعيين «أبو كلابيش» والياً على شمال «كردفان» كنت أظن - وليس كل الظن إثماً - أن (ناس المؤتمر الوطني) يفكِّرون، وينظرون إلى (بعيد)، إلى الانتخابات، ولهذا فقد جاءوا بالرجل ليستفيدوا من ما تبقى من طاقته، وما توفّر من خبراته وفطنته ودهائه، للفوز بمقعد والي شمال كردفان، ولكن خاب ظنِّي عندما جاءت لجنة الانتخابات لتختار آخر هو الدكتور «فيصل حسن إبراهيم»، وهو رجل مهذب وأكاديمي ناجح، ولكن أواخر فترة حكمه في الولاية شهدت مشكلات معقّدة تحول دونه والمقعد بالانتخابات. { لكن اللجنة العليا أصرَّت عليه، ثم اكتشفت لاحقاً، أو اكتشف من هم فوقها، أنهم أخطأوا مثلما أخطأوا في ولاية النيل الأزرق، فعادوا إلى الصواب وعالجوا الخطأ في كردفان، والنيل الأزرق، رغم آثار التشوُّهات والدمامل التي تركها قرار لجنة الانتخابات، وما أكثر أخطائها في كل مكان..!! { المهم ذهب «أبو كلابيش» صامتاً، إلى أن تناوشه البعض، محمِّلاً إياه مسؤولية (تمرُّد) مجموعة من شباب كردفان أطلقت على نفسها (حركة العدل والمساواة - قطاع كردفان).. { عادت المجموعة فجأة بعد أن علمت أن «خليل إبراهيم» وأعوانه على وشك التوقيع على اتفاق مع الحكومة!! جاءوا من القاهرة ولسان حالهم يقول: (فلنلحق المولد)!! { الأغرب أن الذي تحدث باسمهم في مؤتمر صحفي قال إنهم عادوا بعد أن رفض الوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي «جبريل باسولي» الاستماع لهم، لأن تفويضه لا يتجاوز حدود إقليم (دارفور) ولا شأن له بكردفان. { وأحسن «باسولي»، فلو أنه استمع ووعدهم، لما عادوا إلينا سالمين مسالمين!! { إن تضخيم أمر الحركات من دارفور إلى كردفان مضرٌ بمصلحة البلاد والعباد، وتخسر الحكومة - ولا تكسب شيئاً - إن أوهمت نفسها بأنّها تحقق مكاسب بتوقيعها كل يوم على اتفاقيات سلام لا تُسمن ولا تغني من جوع.. ولا تحقق سلاماً، فالحركات تتناسل كل يوم من رحم ولود..!! { الحركات الموجودة في «الدوحة» بفندق «موڤنبيك» جمعيات غير مسجلة، تعمل من أجل التكسُّب السياسي والمتاجرة باسم شعب دارفور المسكين. { «أبو كلابيش» كان جاداً وصادقاً، وحازماً وحاسماً، فليتمرَّد من أراد أن يتمرَّد، وعلى القوات المسلحة السودانيَّة أن تؤدي واجبها في كردفان ودارفور وغيرها، فليس باستطاعة حكومة - أي حكومة على وجه الأرض - أن تفاوض مائة حركة وحركة، وكلما وقَّعت اتفاقاً مع حركة نقضته (99) حركة!!