من مصلحة أية منظومة سياسية كما يقول الأستاذ حاتم السر أن توجه الدعوة لكل منشط صحافي أو إعلامي ، وهو يهتم بمثل هذه الأمور كثيرا من الناحية المهنية والسياسية البحتة ، وكم رأينا حاتماً يسعي جاهدا حين كان ناطقا رسميا أن يدعو كافة الصحف ووسائط الإعلام حتي الرسمية منها ، كتابيا، لحضور مؤتمرات الحزب الصحافية دون كلل أو ملل ، وبالتالي كان لابد من أن أعتذر للزملاء الذين تخطتهم الدعوة بأسفي الشديد ، وهم لايدرون ما أصابني شخصيا من تجاهل ، لكنني قادر على تحمله لأنني صاحب قلم وفكرة ومعتقد سياسي ، وأعرف جيدا كيف أخدم معتقدي السياسي خير خدمة في كافة أشكال الميديا دون مَنّ ٍ أو أذى ، فنحن لسنا مثل الآخرين بالخرطوم الذين يضعون العراقيل أمام أبنائنا وبناتنا في الحزب الاتحادي الذين خرجوا من أزقة الطبقات المتواضعة وشقوا الصفوف بجدارة وليس بالواسطة من أجل قضايا الحزب والوطن، برغم أن بعض محدودي الفهم والإدراك السياسي بالحزب يضعون العراقيل في طريقهم خوف الانطلاق بالحزب نحو آفاق رحبة. وهكذا سعدنا وسعد شباب الحزب حين خاطبهم السيد الميرغني بجنينة السيد علي قبل عدة أيام خلت بأنه لابد من إعادة بناء الحزب من جديد بعد الانتخابات ، حتى تتاح المجالات لأصحاب العطاء من شبابنا وشاباتنا ، وهنا فقط ، قد ارتجف الكسالى ، واضطرب القوم من أصحاب البيع والخيانة المبدئية ، لأن أصحاب المبادىء لايرمون بالاً للعدائيات.. هكذا توارثنا عشق الحزب وعشق الطريقة الختمية منذ نعومة أظافرنا، كما أننا لا نتعامل مطلقا بردود الأفعال ، ذلك أننا لانزاحم ولا نتكالب ، فنحن مثل عنترة بن شداد : نعفًّ عند المغنم، بل ونصرخ في آذان شبابنا وشاباتنا بألا يهتموا بالمكائد مطلقا وألا يتركوا حزبهم وزعيم حزبهم الحسيب النسيب لمثل هذا النوع من أصحاب ادعاء النضال الوهمي ، والريادة المغشوشة من أصحاب الوجاهات الذين لا يعرفون الشارع الجماهيري من شرفات أبراجهم العالية في أرقى الأحياء ، وأن تتواصل حماستهم بمثلما ظلوا يعملون تحت أصعب ظروف العمل وظروف الحياة المتواضعة الضاغطة ، وسط الأحياء المتواضعة والمؤمنة بتراث ونضال حزبهم التاريخي ليشحذوا الهمم نحو الفوز المحقق داخل أواسط مجتمعاتهم ذات الحراك العالي وسط الجماهير الوفية الكادحة، مثل التي رأيناها في كسلا وما حولها. وهنا كان لزاماً علينا في إعلام الحزب أن نحترم رغبة قراء (الأهرام اليوم) ، ونساهم بهذا النذر اليسير عن زيارة زعيمنا لأهل الشرق في كسلا الصمود والتحدي والصبر بلا حدود، التي كان أهلها قد عانقت أعناقهم اطلالة السيد الميرغني بعد غياب شارف ربع قرن من الزمان، فها هي عجلة الزمان تدور دورة كاملة ، وأهل الشرق وواسطة عقدهم كسلا الوريفة التي كم أنشد لها الشعراء وتغنى بجمالها المطربون، منذ أن عرف أهل السودان فن الغناء، ليأتي الحسيب النسيب مولانا السيد محمد عثمان الميرغني في اطلالته البهية من باب الطائر الميمون الذي تعطل لعدة ساعات صباحية بمطار الخرطوم صباح الاثنين الماضي ليجد المواكب الهادرة في انتظاره في مشهد لا يضاهيه إلا عودة سيادته مرافقا لجثمان السيد الرئيس الراحل احمد الميرغني في نوفمبر 2008م. وهنا تزدحم الذاكرة ، ذاكرة أهل الشرق وأهل مدينة السيد الحسن أبوجلابية التي كم عانى أهل الاتحادي وأهل الطريقة الختمية الكثير حين أبعدت جائرات الزمان أنبل الرجال وأكثرهم وطنية ممزوجة بعشق غريب لتراب هذا الوطن الغالي الذي كم ضحى السيد الميرغني من أجله طويلا حتى تتحق أماني شعب السودان في الحرية والديمقراطية، ولتغادر السحب الداكنة بعيدا بعيدا في الفضاء اللانهائي ، فكان انفعال كسلا مجذوب أبو موسى وأشقائه الاتحاديين كبيرا حين شرف كسلا الباسلة سليل الدوحة النبوية الشريفة فعاشت المدينة أسعد أيام حياتها وهي تعلن تدفق الجماهير بالملايين في الشوارع كالسيول... يدك زاحفها قلاع الكبت والظلم الطويل .. والمجد للشرفاء. نعم ... دار الزمان دورته كاملة، وطريق الحريات كاملة الدسم أصبح أقرب إلى إنسان السودان من حبل الوريد ، لتعود الابتسامة لتلك الوجوه الطيبة لتحل مكان العبوس الذي ظل يغطي ملامح وجهها حينا من الدهر. ثم تتمدد الزيارة إلى حلفاالجديدة التي كان نجمها الراحل خير من يمثلها في كل البرلمانات السابقة ، إنه المرحوم المناضل والسياسي الساخر ، صاحب الجمرات محمد توفيق احمد الذي وُوري جثمانه الثرى في أقدس بقاع الأرض ، مكةالمكرمة، وقد كان يقود النضال لسنوات طوال مضت ، ثم كانت مدينة وقر في قلب دلتا القاش ليتمدد اللقاء المحبب طويلا ويأتي أهلها على سنام الإبل وصهيل الخيول ليسطروا لوحة رائعة الأداء عند استقبال الحسيب النسيب ، ثم كان أهل خشم القربة وريفي نهر عطبرة يدقون الدفوف والنحاس فرحا بالزيارة ، ليعلن السيد الميرغني من هناك أن إشكالية حلايب سيتم حلها بالطرق السياسية والانسجام الأخوي ، لأنها قد أتت نتاجا لظروف شد سياسي في زمان مؤلم مضى. الخيال يزدحم ... والقلم لا يستطيع وصف روعة المشهد عبر صفحات (الأهرام اليوم) والتي لها في وجدان الاتحاديين خاصة وأهل السودان عامة معزة خاصة تستوجب الاهتمام بها وبكوكبتها الواعدة. وهنا كان لابد من أن نعيد إنشادنا القديم الذي سطره خيال ابن حي القلعة بأم مدرمان الراحل والشاعر المجيد توفيق صالح جبريل ، وأمطرنا به لؤلؤاً كابلي السودان في زمان جميل مضى حين أنشدا لنا أجمل الكلام عن درة الشرق: كسلا ... أشرقت بها شمسُ وجدي فهي في الحق ِ... جنة الإشراق كان صبحا طلق المُحيّا نديّاً إذ حللنا حديقة العشاق ِ نغم الساقيات حرك أشجاني وهاج الهوى أنين السواقي نعم.... كان لقاء السحاب بين الزعيم وبين أهل الوفاء في كسلا ، فكان مشهدا يظل محفورا في الذاكرة لعقود طويلة قادمة ، لتنداح الزيارات القادمات تحمل البشرى والبشريات ... فيصبح الأمر بين يدي أهل السودان الشرفاء ولو بعد حين.