شهدت الساحة السياسية السودانية عبر تاريخها الطويل منذ استقلال وحتى الآن العديد من التحالفات السياسية المختلفة، سواء في فترات الديمقراطية أو الانظمة العسكرية. واليوم تعج هذه الساحة بالتحالفات الجديدة أو مشاريع لهذه التحالفات أو انقسامات قديمة قد تمهد لتحالفات أخرى جديدة. ويرى علماء السياسة أن التحالفات تكون مبنية دائما على ثلاثة مرتكزات هي التقارب الفكري والعدو المشترك والظرف السياسي المتحول ، وأن التحالف من الخيارات المتاحة بالنسبة للأحزاب السياسية. وفي بلد مثل السودان الذي يعيش نظام الأسرة الممتدة وتتجذر فيه كثير من قيم التعاون والتواصل يصبح التحالف من الامور الممكنة والمجربة كما حدث في تحالف جبهة الميثاق الاسلامي بعد ثورة اكتوبر 1964م وتحالف جبهة الهيئات التي شكلت حكومة اكتوبر، ثم تحالف طرفي حزب الامة في انتخابات 1965م، وهنالك صيغة الجبهة الاسلامية من جبهة تضم الشمال والجنوب والحركات الاسلامية والحركات الصوفية وحركة انصار السنة المحمدية من أجل البرنامج الاسلامي، وفي عهد الانقاذ نشأ تحالف بين المؤتمر الوطني وأحزاب البرنامج الوطني. ولكن انتخابات أبريل المقبل تختلف كثيرا عن الانتخابات السابقة لان الصيغة التي ستجرى بموجبها تختلف كثيرا، إذ بها انتخابات رئاسة الجمهورية والتي يتنافس عليها (11) مرشحاً، خمسة منهم يتبعون لمايعرف بتحالف جوبا وهم مرشح حزب الأمة القومي الامام الصادق المهدي، مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان ياسر سعيد عرمان، مرشح المؤتمر الشعبي عبد الله دينج نيال، مرشح الحزب الشيوعي السوداني محمد ابراهيم نقد، ومرشح التحالف الوطني السوداني عبدالعزيز خالد عثمان، وهؤلاء المرشحون اتفقوا على برنامج حد أدنى في مؤتمر جوبا وتواثقوا على أن يدعموا المرشح الذي يكسب اعلى الاصوات في الجولة الأولى في حالة عدم حصول أحد المرشحين على نسبة (50%+1) من الأصوات الا ان هنالك أحد مكونات هذا التحالف أعلن مقاطعته للانتخابات وهو حزب البعث العربي الاشتراكي والذي برر لمقاطعته بعدم تنفيذ الاشتراطات التي اتفق عليها التحالف في جوبا، الأمر يجعل المراقبين للشأن السياسي ينظرون لهذا التحالف بأن به خلافات وعدم تماسك، بينما هنالك مرشح حزب المؤتمر الوطني المشير عمرحسن أحمد البشير والذي يحظى بدعم (22) حزبا سياسيا من أحزاب حكومة الوحدة الوطنية. ويرى مراقبون للشأن السياسي ان المرشحين الآخرين مثل مرشح الحزب الاتحادي الديمقراطي حاتم السر والذي لم يكن حزبه جزءا من تحالف جوبا في حالة سقوطه في سباق الرئاسة يمكن أن يدعم مرشح حزب المؤتمر الوطني المشير عمر البشير، علاوة على الدعم الذي يمكن أن يجده من مرشح الحزب القومي الديمقراطي الجديد منير شيخ الدين ومرشح حزب الاتحاد الاشتراكي فاطمة عبدالمحمود والمرشحين المستقلين كامل ادريس ومحود جحا، الأمر الذي يجعل حظوظ مرشح حزب المؤتمر الوطني المشير عمر البشير اقرب الى الفوز. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تمتد التحالفات الى أكثر من ذلك. أما في المستويات الأخرى ففي حكومة الجنوب يتنافس على رئاسة حكومة الجنوب مرشحان هما رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان الفريق سلفاكير ميار ديت ورئيس الحركة الشعبية التغيير الديمقراطي د.لام أكول أجاوين اضافة الى انتخابات برلمان الجنوب الذي به (170) مقعداً وانتخاب (25) والياً وانتخاب مقاعد المجلس الوطني الذي به (450) مقعداً علاوة على انتخابات المجالس التشريعية الولائية التي يصل عددها إلى (1333) مقعداً. من خلال هذا يتضح جليّاً ان الانتخابات القادمة معقدة للغاية والتحالفات فيها كذلك قد تكون معقدة. وعلى الرغم من أن الدستور الانتقالي لسنة 2005م لم يتحدث عن التحالفات الحزبية الا انه وارد في مثل هذا الجو من العراك والحراك السياسي أن تحدث تحالفات بين القوى المختلفة، واذا كانت هذه التحالفات مبنية على برامج سياسية أو على تنسيق بين القوى المختلفة فهذا وارد ويخدم هذا الوطن وذلك ربما يأتي بالتنسيق والاتفاق على برنامج يتطور الى حزب سياسي، وهذا يمكن أن يكون مَخرجاً من كثرة الاحزاب التي لن تكون في مصلحة الوطن. أما اذا كانت التحالفات أو التنسيق بغرض الكيد السياسي مثل ماحدث في دائرة الصحافة في العام 1986م فبالتأكيد هذا لن يكون في مصلحة الوطن لان الإقصاء السياسي يؤدي الى تعقيد مشكلة السودان، وهذا نوع من الاقصاء لايختلف عن الاقصاء العسكري باستخدام القوة فكل اقصاء بالتأكيد لن يكون في مصلحة الوطن. ويرى مراقبون ان التحالفات قبل الانتخابات لن تكون في مصلحة الأحزاب الكبيرة وذلك لان الاحزاب الصغيرة النشطة ذات الصوت العالي ربما تبتز الأحزاب الكبيرة وتأخذ أكبر من حجمها، وإن كان لابد من تحالفات قبل الانتخابات فهناك معايير يمكن على أساسها اختيار التحالف الأفضل للسودان وهي أن يكون التحالف بين قوى كبيرة ومؤثرة وذات قاعدة جماهيرية ومتقاربة في برامجها، اضافة الى ألا يقوم هذا التحالف على أساس عرقي أو ديني أو جهوي، علاوة على أن يقر ويعمل على إنفاذ الاتفاقيات التي أدت الى وقف الحروب في السودان. وهنالك معيار آخر وهو أن يهدف التحالف الى الدفاع عن هوية السودان (الاسلام والمسيحية والعروبة والزنوجة) والاهتمام ببرامج التنمية. وهنالك معيار آخر وهو أن يطرح برنامج انتخابي عملي يحقق الأماني القومية والاستقرار والتنمية ولعله من الأفضل أن تتم التحالفات بعد الانتخابات فذلك أمرمقبول ديقراطيا وبعد أن يعرف كل حزب حجمه الحقيقي حتى لاتسعى المجموعات النشطة والتي تعرف أن حجمها ووزنها السياسي ليس كبيرا ولكنها تجيد المكايدات السياسية وقد يجد مسعاها هذا استجابة من بعض القوى السياسية المؤثرة. وبحسب مراقبين للشأن السياسي فإنه اذا حدث تحالف بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية فسيقوم بكسر الحاجز الديني والعرقي في السياسة السودانية والذي أصبح مؤثرا وليس في مصلحة السودان ويسهل تطبيق اتفاقية السلام الشامل وربما ينعكس على مسألة الاستفتاء، ولكن التضارب الفكري يعمق الشقة بين الحزبين ويؤدي الى عدم تحالفهما بسبب تناقض المشروعين (المشروع الحضاري ) و(مشروع السودان الجديد) ولكن هذا الاحتمال فشل بسبب صراعات الشريكين. وأصبح كذلك احتمال قيام تحالف على أساس قوى التجمع الوطني الديمقراطي سابقا والذي يشمل (حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي والحركة الشعبية والحزب الشيوعي السوداني) لكن هذا التحالف تواجهه مجموعة من العقبات منها عدم وجود الثقة بين أطرافه، والتي حدثت بسبب خروج حزب الأمة القومي من التجمع الوطني ومصالحة الحركة الشعبية للمؤتمر الوطني بتوقيع اتفاقية (نيفاشا) علاوة على توقيع اتفاق التراضي الوطني الذي تم توقيعه بين (الأمة والوطني) و لم يجد قبولا من الحركة الشعبية والحزب الشيوعي، إضافة الى الغيرة التقليدية بين الحزبين التاريخيين (الأمة والاتحادي) الأمر الذي يجعل امكانية التحالف بينهما عسيرة.