تأتي الانتخابات التنفيذية والتشريعية في مرحلة مفصلية من عمر السودان الحديث كانت تتطلب التمهيد لها بتوافق كبير بين مختلف القوى السياسية وتفعيل مواثيق الشرف الانتخابي والالتزام بقانون الانتخابات وسد ما يطرأ من ثغرات في القانون أو عثرات في تطبيقه، بخلق أجواء تسودها الثقة بين المتنافسين وتوضع فيها مصلحة البلاد العليا فوق المزايدات والمكاسب الحزبية الرخيصة. ورغم ما بذله شريكا نيفاشا من جهود مضنية في التوافق على آليات تطبيق استحقاقات السلام إلا أن روح المشاكسة الغالبة لدى الشريكين أفضت لاستقطاب سياسي حاد في ظل وضع فريد للحركة الشعبية الشريكة في الحكم والفاعلة في تحالف المعارضة . وبدا أن تحالف جوبا المتماسك بمعارضته لحكم الإنقاذ قد خلف التجمع الوطني الديمقراطي الذي يعيش حالة موت سريري بعد قدوم رئيسه مولانا السيد/ محمد عثمان الميرغني لأرض الوطن إثر وفاة شقيقة السيد/ أحمد الميرغني يرحمه الله حيث ضمت الحركة الشعبية حليفها الجديد المؤتمر الشعبي بزعامة عراب نظام الإنقاذ الأول الشيخ/ حسن الترابي إلى تحالف المعارضة مع حزب الأمة والحزب الشيوعي في حين امتنع الاتحادي الديمقراطي «الأصل» عن المشاركة في تحالف جوبا ربما تمسكاً بالتجمع الوطني أو لتقارب مع المؤتمر الوطني لاحت بعض مظاهره من خلال ترشيح القيادي الشاب الأستاذ/ حاتم السر علي لرئاسة الجمهورية في ظل وجود قيادات تاريخية ذات وزن سياسي كبير وتجربة طويلة في العمل الوطني ودور فاعل في المعارضة بالداخل . ثم جاء انضمام الحزب الاتحادي الديمقراطي «الأصل» لتحالف جوبا المعارض لظروف فرضها التضامن بين مرشحي الرئاسة لتحقيق مكاسب سياسية بالضغط على المفوضية القومية للانتخابات وتسجيل نقاط على حزب المؤتمر الوطني تحد من قوة حملته الانتخابية من خلال المطالبة بإتاحة الفرص المتساوية للأحزاب في أجهزة الإعلام ومناشط الدعاية الانتخابية، ومن المؤسف أن العقل الجمعي ساق المعارضة إلى الاستجابة لأطروحات قوى اليسار التصعيدية دون استظهار لحسابات الربح والخسارة واستصحاب المشورة والآليات الديمقراطية في اتخاذ القرارات المصيرية بشأن المقاطعة أو المشاركة في الانتخابات . وكانت الخطوة الانفرادية التي اتخذها المكتب السياسي للحركة الشعبية بسحب مرشحها للرئاسة ياسر عرمان وقبول خوض الانتخابات العامة في موعدها بالشمال عدا دارفور هي بمثابة إعلان طلاق الحركة الشعبية لتحالف جوبا المطالب بالتأجيل وذلك بتمزيق الحركة لوثيقة زواج المتعة بعد قضاء الوطر واستلام مهر قانون الاستفتاء على تقرير المصير بمساندة قوية من الأحزاب المعارضة تماماً كما فعل الراحل جون قرنق الذي لعب على تناقضات الشماليين وفاوض الإنقاذ بقبعتي الحركة الشعبية والتجمع الديمقراطي، وعندما حصل على قسمة مقدرة من السلطة والثروة واعتلى مقعد النائب الأول للرئيس عبر عن تضامنه مع التجمع المعارض !! .