لم يأتِ اختيار اسم (الأهرام اليوم) لصحيفتنا الغراء هذه إعتباطاً، ولكن كان خلاصة بحث وتداول وبعد العديد من الاقتراحات حتى خرج هذا الاسم للنور بعد أن تأكّد للجميع أنه الأصلح من حيث المضمون وليس مجرد اسم والسلام..، ولما كان عدد الصحف السودانية السياسية والمتخصصة يربو عن ال40 صحيفة بأسماء مختلفة تحمل كل المعاني والدلالات والإشارات التي أرادها أهلها، كان لابد أن نبحث عن التميُّز في كل شيء لأن رهاننا كان كبيراً وخطيراً، وقد ربحناه بفضل من الله وجهد الرجال والحرص التام على الجديد والمبتكر. أما ما يتعلق بهذا الاسم فقد أفردنا مساحة مقدرة في العددين الأول والثاني لتأكيد المعلومة وشرح الأسباب النبيلة لاختيار هذا الاسم وقد أشرنا إلى أن خبير وعالم الآثار العالمي (شارلي بونيه) السويسري الجنسية الذي ظل لأكثر من أربعين سنة في بحث دائم بمنطقة مروي التاريخية قد أكد لنا تماماً أن جميع الدراسات المتخصصة قد خرجت بنتيجة واحدة، ألا وهي أن الحضارة النوبية هي أقدم حضارة على وجه التاريخ وأن الأهرام السودانية المسكينة التي لا تجد الإهتمام والرعاية والترويج السياحي الكافي، هي أم الأهرامات قاطبة. إذن.. لم نكُ نسعى لتقليد أعمى أو نبحث عن مجدٍ زائف، ورغم قناعتي المطلقة بعظمة الشعب المصري الذي يفوقنا في العديد من المجالات لا لذكائه ونبوغه وقوة اقتصاده، ولكن لإحساسه الكبير بالوطنية وحبه العظيم ل(مصر). وأنا كنت ولازلت واحدة من عُشاق مصر الشقيقة والمبهورين بكل ثقافتها وموروثاتها وأسواقها ومدنها. ولكن هذا لا يمنع أن أفتخر بأن حضارتنا السودانية هي الأصل حتى وإن كنا قد توقفنا عند هذا الحد من الإنجاز ولم ننطلق نحو فضاءات أرحب ربما لأننا منشغلين بالانقسام والحسد والمناوشات ومعاداة النجاح أكثر من انشغالنا بالبحث التاريخي والإبداع الأدبي والثقافي. إن المعضلة الأساسية هي أن معظم السودانيين لا يعرفون شيئاً عن تاريخ السودان، ومعظم المعلومات التي وصلتنا مغلوطة أو موضوعة، ولم نبادر نحن لتصحيح الأوضاع والمعلومات لأننا استسلمنا لجهلنا وسذاجتنا التي تجعل بعضنا يُمعن في استنكاره لاستخدام اسم (الأهرام اليوم) لإصدارة صحيفة وُلدت عملاقة بدلاً من أن يفتخر بهذا الاكتشاف، وهذا يؤكد مقولة أعزاءنا المصريين الشهيرة: (ما لقوش في الورد عيب فقالوا يا أحمر الخدين)!، فماذا يستفيد القارئ الذي يبذل ماله لشراء كلماتنا عساها تعود عليه بالفائدة من مثل هذه الحرب الباردة التي يشنها البعض في (اللحظة الأخيرة) على صحيفة كسائر الصحف لا يمت لها بصلة وهي قد لمع اسمها في السوق وفرضت نفسها على قرائها المميزين ولم تعد في حاجة لقادح أو مادح يتحدث عن (الاستلاب الثقافي) ولا يعلم أن كتابات مثل كتابات الروائية والكاتبة العربية العالمية التي ترفع الرأس (أحلام مستغانمي) هي كتابات صالحة لكل زمان ومكان، وأن معظم، إن لم يكن جميع، قراء (الأهرام اليوم) يستمتعون بمواضيعها القومية السلسة والشائقة دون أن يحدث لهم أي استلاب، وإلا لكان علينا أن نرمي كل من يتحدث الإنجليزية أو الفرنسية ويتداول الكتابات العالمية ويطالع الاصدارات غير السودانية بتهمة الاستلاب الثقافي غير المفهوم هذا!! والمؤسف في الأمر أن مثل هذه الأحاديث الجوفاء تخرج من أصحاب أقلام لهم علاقة بدنيا الثقافة والمنتديات الثقافية وأدعياء رعاية الابداع وأنصار الآداب والفنون في بلادنا.. بلاد المليون ميل مربع.. ونهر النيل العظيم.. وسد مروي الذي اقترح أن يتضمن برنامج الرحلات إليه جولة سياحية ضافية وزيارة الأهرام النوبية في مروي حتى تتأكد للجميع المعلومات التاريخية القيِّمة التي تحقق للسودان بعض المجد (المُستلب) بأيدي أبنائه وجهلهم بالدور المنوط بهم من أجل رفعته وسموّه بدلاً عن المحاولات التي يبذلونها لاسترضاء (الأسياد) وتأكيد الولاء على حساب الناجحين الذين إتخذوا الأهرامات السودانية شعاراً، فالصورة التي تتصدر الصحيفة صورة حقيقية لإحدى البوابات بالبجراوية للعلم. تلويح: الخطأ الحقيقي الذي ارتكبناه أننا لم نطلق على الصحيفة اسم (الأهرام... الغد).