أصبح العالم الإسلامي اليوم بسبب سياسات الغرب الماضية والحاضرة بين المطرقة والسندان بعد أن أحكموا عليه الحصار جواً وبحراً وبراً بتدابير خططوا لها من قبل والقائمة على فكرة العداء للإسلام والذي أسموه مؤخراً بالعدو الأخضر الذي يجب مواجهته وتحجيمه وبعد انتهاء الخطر الأحمر وهو الشيوعية. وهذه المواجهة والعداء لم يكن جديداً لكنه قديم قدم التاريخ منذ الحروب الصليبية التي رسبت في النفوس ما رسبت ومنذ ذلك التاريخ لم يتوقف العمل الثأري الذي يتشكل ويتلون حسب مقتضى الظرف وبصورة ممرحلة ومدروسة، لكنه بلغ ذروته بعد سقوط المعسكر الشيوعي الذي كان سبباً في إخفاء كثير من عيوب الغربيين وأفكارهم الاستعمارية والانتقائية وذلك بسبب التنافس بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي. فوجد الغرب الساحة خالية لإعلان سياسته وإعمالها فاستغلوا ضعف الشعوب والحكومات الذي صنعوه هم بإثارة الفتن الإثنية والدينية، فظهرت الأقليات المطالبة بهويتها وثقافتها ومشاركتها في الحكم، فتحرك الأكراد في العراق وتركيا وسوريا، كما ظهر الأمازيغ في المغرب والبربر في شمال أفريقيا ومشكلة الصحراء الكبرى وجنوب السودان ودارفور والنوبيون في جنوب مصر وغيرهم، وساعدهم على ذلك اعتقاد كثير من حكام المسلمين أن بقاءهم في السلطة مرهون بولائهم للغرب فأصبحوا أدوات لتنفيذ السياسة الغربية وتسلطوا على شعوبهم وقمعوا كل من يرفع صوته ضد الظلم والاستبداد أو ينتقد السياسات الغربية في العالم العربي والإسلامي، مما أحبط الشعوب وجعلها لا تعي ما يُراد بها بسبب غسيل العقول الذي يمارسه الغربيون بآلاتهم الإعلامية مدعوماً بالإعلام الرسمي لتلك الدول. ولهذا أصبحت الشعوب والحكومات معاً لا حول لها ولا قوة، فبدل أن تكون قادرة على قراءة الأزمات التي تمر بعالمهم والعالم أجمع قراءة إسلامية صحيحة من خلال إعلام راشد، وبدل أن تكون قادرة على توظيف الأحداث لمصلحتها، نرى أن الأحداث توظفهم ليخوض غيرهم المعركة بإعلامهم، وتصفي الحسابات بدمائهم، وتمول الحروب التي تنشب في بلادهم بأموالهم، ويتقاتلون بالنيابة عن الآخرين كما هو الحال في فلسطينوأفغانستان والصومال والعراق واليمن وباكستان، وما تقوم به المعارضة في إيران ويفعلون ذلك ويعجزون عن الوقوف على ثوابت صلبة وعلى تأصيل الرؤية الإسلامية البديلة بعد أن سقطت الرؤية ذات النزعات القومية والعرقية والعلمانية والطائفية، وبعد سقوط الشيوعية وانهيار الرأسمالية أو في طريقها إلى ذلك. فلما علم الغربيون كل صفات الضعف والهوان هذه في المسلمين صاروا يقبلون على كل ما يريدون فعله في العالم الإسلامي دون تحفظ أو حساب لأي احتمال أو ردة فعل لأنهم ضمنوا هذا الجانب في المسلمين وحكامهم فأصبحت لا تخيفهم السعودية وما تنتجه من بترول يساوي «10» ملايين برميل يومياً، ولا مصر أم الدنيا وصاحبة النصر في حرب أكتوبر، ولا الجزائر التي قدمت مليون شهيد في سبيل استقلالها، ولا السودان الذي هزم بريطانيا بثورته المهدية، ولا باكستان الدولة النووية، فضلاً عن الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي اللتين لم تخرجا عن إطار السياسة الرسمية والتي يغلب عليها الانبطاح والانفراش. فكل ذلك كان نتيجة حتمية لما قام به الغرب من حصار جوي وبحري وبري فبدأ الحصار البحري بغزو العراق وإقامة قواعد عسكرية في الخليج ثم تطور إلى سيطرة كاملة على البحر الأحمر ولم يكن البحر الأبيض استثناءً الذي لم يكن هناك كيلومتراً واحداً منه إلا وتتحرك فيه بارجة أو زروق أو غواصة، أما الحصار الجوي فيتمثل في الأقمار الصناعية التي ترصل كل شيء. وعندما علموا أن ليس في البحر والجو ما يهدد مصالحهم أو يخيفهم على الأقل في الوقت الحاضر ركزوا على الحصار البري، فاختاروا أن تكون أرضه أفغانستانوباكستان، ووجودهم العسكري في كل منطقة بحراً أو براً أو جواً له أهدافه ولكنها كلها تجتمع لتكون هدفاً واحداً وهو محاصرة الإسلام ذلك العدو الأخضر، فتواجد حلف الأطلسي في باكستانوأفغانستان. كان الهدف المعلن هو القضاء على القاعدة وطالبان ولكن المنطق والعقل يقولان غير ذلك لأنه ليس من المعقول المقنع أن تجيّش تلك الجيوش وتجلب كل هذه الآلة العسكرية لمحاربة جماعة مهما يقال عنهم وعن إمكانياتهم فإنهم ليسوا بدولة ولا بجيش نظامي يستطيع مواجهة حلف الأطلسي والمنطقة تبعد عن أمريكا وأوربا آلاف الأميال، فليس هناك ما يستدعي كل هذا القلق الغربي لكن تحت الرماد وميض نار. فهم يريدون أن يكونوا على مقربة من المفاعل النووي الإيرانيوالباكستاني حتى يأتي الوقت المناسب للإجهاز عليهما وإبطال مفعولهما بافتعال بعض المبررات وهذا لا يتأتى لهم إلا بخلق فوضى عارمة في باكستانوإيران حتى تضعف الدولة ويعم الهرج والمرج الذي يخلق مناخاً مناسباً لأية خطوة قادمة يكون هدفها المفاعلين النوويين. فبدأوا تلك الفوضى في باكستان بالتفجيرات وبمواجهة الجيش للمواطن حتى تحصل جفوة بين الجيش والحكومة وبين المواطنين فيفقدون السيطرة على أوضاع البلاد وتنهار الدولة مما يبرر لهم ما يتخذونه من خطوات لاحقة ضد المفاعل الباكستاني. وفي إيران حركوا المعارضة المغيّبة أو الغائبة لتقوم بنفس الدور الذي يجعل إيران في حالة فوضى مماثلة لما يحدث في باكستان فتسقط الدولة وتفقد هيبتها ومقدرتها على إدارة البلاد، مما يجعل الفرصة مواتية لحلف الناتو ليفعل ما يريد. هذا كل ما يجري ويسعى إليه الغربيون من وجودهم في باكستانوأفغانستان، فعلى الشعوب المسلمة عامة أن تعي ذلك وشعب باكستانوأفغانستان بصفة خاصة عليهم أن يحقنوا دماءهم ويوفروا رجالهم ليوم ما، وأن ينتبهوا لما يراد بهم، وأن يأخذوا حذرهم وأسلحتهم (ودّ الذينَ كفَروا لو تغفَلون عن أسلحَتِكم وأمتِعَتكم فيمِيلون عليْكُم ميلةً واحِدةً) فانتبهوا قبل فوات الأوان ولات ساعة مندم.