بدايتي الحقيقية كانت في منصب نائب مدير مستشفى المستقبل في جدة @@@@@@@@@@@@ كنتُ عضوة باللجنة الاقتصادية بالمؤتمر الوطني وكنت أسعى لتحسين السياسات أن تحاور سيدة أعمال، وهي أصلا لا تحب الاقتراب من الإعلام لأنها تعمل في صمت شديد ودون ضوضاء، يعتبر من رابع المستحيلات، غير أن الصدفة وحدها جمعتني بها داخل منزل مولانا الميرغني بدار أبوجلابية بالخرطوم بحري قبل عدة أسابيع، فقد لاحظت أن هناك سيدة تدخل الى صالون الاجتماعات الكبير بالدار برفقة الشقيق الاتحادي والختمي العريق الأستاذ أحمد الأموي «مدير أملاك السادة المراغنة بالسعودية ومصر والسودان»، وقد كنا بالدار منهمكين في العمل لعدة أيام بلياليها في مسألة الاختيارات للمرشحين للانتخابات القادمة، حيث كنا ننقل أسماء المرشحين للصحف أولاً بأول، ودار أبوجلابية كانت تعج بالوفود من شتى أصقاع السودان من قيادات العمل بالحزب الاتحادي الأصل، وذات نهار، وأنا جالس في باحة دار مولانا الميرغني، رأيت المهندس السيد محمد الحسن الميرغني رئيس اللجنة العليا للانتخابات بالحزب الاتحادي يدخل الى الصالون الملاصق لقاعة الاجتماعات ومعه الأستاذ احمد الأموي، كما رأيت سيدة تأتي من القاعة الكبيرة إلى هذا الصالون، فناداني الأستاذ أحمد حسن الأموي للدخول معهم حيث يوجد السيد محمد الحسن، وقد أفهمني بأن هذه هي السيدة «أم أحمد»، كوثر ابراهيم حسن النعيم، زوجة رجل الأعمال المعروف ورئيس نادي الهلال الأخ الأستاذ صلاح إدريس، عضو المكتب السياسي للحزب الاتحادي، وقد أتت لتعلن انضمامها للحزب أمام مولانا السيد الحسن عضو هيئة القيادة مشفوعاًً بيمين الولاء لدستور الحزب ولمبادئه. وعندما حضرتُ ذلك اللقاء القصير، جالت بخاطري أن أجري معها عدة حوارات عن تجربتها بعد أن أصبحت تشكل رقماًً مهماً في قطاع الاقتصاد السوداني الخاص، حيث تبوأت مقعد نائب رئيس اتحاد سيدات الأعمال السوداني فضلاً عن عضويتها في العديد من الأنشطة التجارية كالغرفة التجارية وغيرها، والآن تلج بكل ثبات تجربة العمل السياسي النيابي بعد أن رشحها المكتب التنفيذي للحزب الاتحادي بولاية نهر النيل بقائمة المرأة للبرلمان القادم في المجلس القومي بالعاصمة، وهي من أصل ثلاث نساء من الولاية لقائمة الحزب، هن كوثر والدكتورة الطبيبة المناضلة آمنة محمد المكي من عطبرة، والأستاذة مريم الحاج من المتمة، وبعد جهد شديد أقنعنا السيدة كوثر لتتحدث للصحافة، فكانت هذه الحوارات التي بدأت من دار أبو جلابية وتواصلت لاحقاً في دارها العامرة بكافوري بضاحية الخرطوم بحري، وقد اكتشفت من خلال تلك الساعات أنها سيدة متواضعة وسودانية أصيلة «بنت بلد»، ما دعاني لمباغتتها بسؤال خارج النص حين كانت في طريقها خارج دار السيد الميرغني للعودة إلى منزلها، فقلت لها: كيف يقولون بأنك المرأة الحديدية وأنت بمثل هذا التوازن في الطرح والخجل الممزوج برجاحة عقل اقتصادي له أبعاده في مسيرة القطاع الخاص السوداني؟ } سألنا السيدة ( أم أحمد) كيف كانت بداية ولوجها إلى دنيا الأعمال ؟ في الواقع ، أن زوجي أبو أحمد ، وبسبب أنه يساهم بمعدلات كبيرة في بعض المؤسسات التجارية التي عرفت تحت اسم شركة النيلين القابضة ، وأيضا كعضو في مجالس إدارات العديد من الشركات التي يساهم فيها ، ويمتلك ايضا مستشفى المستقبل المعروف بمدينة جدة ، وبسبب إنشغاله بمهام كبيرة تقبض عليه من تلابيبه ، ولا تترك له متسعا من الوقت للعديد من تلك الأنشطة التجارية ، فقد إستقر رأيه ، وقد كنت وقتها طالبة بالجامعة في جدة بعد وصل أبنائي لسن المدارس بالمراحل المختلفة ، أن ألج هذا المجال ، أي أن أصبح ذات مسؤولية لإدارة العديد من تلك المؤسسات . فالبداية الحقيقية في جدة كانت منصب نائب المدير العام لمستشفى المستقبل هناك ، وبالتالي فقد أحسست بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقي ، وبدأت تلمس طريقي في البحث عن مكامن الخلل التي تصيب العمل في مقتل ، وبالتالي فقد ساعد إصراري مع مشورة الآخرين في أن يبدأ التركيز في توفير كافة إحتياجات المستشفى من معدات وعلاجات ولوازم أخرى كالتغذية وغيرها ، والتي تشكل أسباب النجاح للمستشفى ، فضلا عن دفعنا لحماسة العاملين بالإدارة كلهم حيث كانت لدينا فلسفة لايجاد بيئة عمل جماعية ، وقد أعطى ذلك الأمر للعاملين بالإحساس بأن هذا المستشفي ملك لهم جميعا . مع إتباع صرامة محددة تجاه العناصر غير المنتجة حتى لا يحدث خلل يصيب جهودنا في مقتل ويعطل مسيرة النجاح للمستشفى . } رأيناك خلال السنوات الأخيرة تستقرين بالخرطوم وتديرين العديد من المؤسسات والشركات والمصانع التابعة لكم ، ماهي أسباب العودة لتحمل هذا الهم الكبير ؟ كانت عودتي إلى السودان بسبب دراسة الأبناء بالخرطوم ومرافقتهم للعناية بهم ، وكانت تلك العودة في العام 2006م . لكنني لم أفكر في الدخول لإدارة أعمال أبو أحمد ، حيث كانت عندي إهتمامات أعمال تنسيق الحدائق Land Scaping . فبدأت هذا العمل لوحدي وسجلته وجلبت له عمالة متخصصة من أندونيسيا ، وأيضا لأعمال الديكور Out Door . كما قمت بعمل شراكة مع شركة (وثبة) لذات الأغراض حيث كان من أهم منجزاتها في مجال الحدائق هي حدائق السلام في بري مع بداية جسر القوات المسلحة (بري) . وقد كنت أشعر باعتزاز عجيب وفخر عالي المقام بعملي في شركة وثبة هذه قبل عدة سنوات . } هنا .. سألناها عن كيف وجدت نفسها تتوغل في إدارة أعمال زوجها العديدة؟ كانت شركة (سابحات للنقل) هي أول شركة يوكل لي إدارتها ، وهنا فقد عملنا شغلا كبيرا جدا في نقل البضائع المتكدسة بميناء بورتسودان ، وبعد إنجازات عديدة في شركة سابحات ، إنتقلت إلى العمل في إدارة مجموعة شركات بيطار وهي تحتوي على عدة صناعات كما يعلم الجميع . } قلت لها مقاطعا .. يا سيدة كوثر ، الصناعة في السودان نراها قد تدهورت ، بل لقد توقفت العديد من الصناعات وتشردت العمالة ، وتأثر الإقتصاد بالطبع وحلت السلع المستوردة محل الإنتاج الوطني ، ماهي في نظرك الأسباب الأساسية لهذا التد هور برغم سياسة الخصخصة والتحرير ؟ بعد أن أطرقت برأسها طويلا ، وقد بدا على ملامح وجهها بعض الأسى ، قالت السيدة أم أحمد : يا أستاذ الباشا الأسباب كثيرة ، ربما لا تحصى ، لكني ومن واقع تجربتي الخاصة يمكنني أن أجملها في عوامل داخلية وأخرى خارجية . الداخلية تختص بإدارة الشركة ، اما الخارجية فمنها الأزمة الدولية التي إنعكست آثارها في كل العالم ، والعالم الثالث من ضمنه بالطبع . ومن أهم أسباب التدهور الداخلية بالمصانع المحلية هو سوء الإدارة ، والترهل الإداري ،وعدم توفر المواد الخام ، وغياب التخطيط السليم للعملية الإنتاجية ، وهي في النهاية مسؤولية الإدارة الداخلية لكل صناعة سواء كان ذلك بسبب غياب المالك أو عدة ملاك . أما أسباب التدهور الخارجية ، تدخل من ضمنها سياسة الدولة والتشريعات ، بما في ذلك حجم تحصيل الضرائب والذي كانت آثاره واضحة جداً في تعطيل مسيرة الصناعة السودانية لو تابعتم الأمر جيدا . أما في مجال عدم توفر المواد الخام ، خذ مثلا قطاع النسيج والذي كان يشكل نسبة كبيرة من حجم الصناعات السودانية التحويلية ، فقد توقف مشروع الجزيرة منذ عام 2005م الذي كان ينتج القطن الذي تحتاجه تلك المصانع في قطاع النسيج ، وتسبب بكل آثاره المباشرة في انتشار البطالة بعد أن تشردت العمالة ، وتوغل أصحاب المصانع في مسألة سداد مستحقات العاملين في هذا القطاع ، وما صاحب ذلك من آثار مدمرة أضرت بأصحاب الأعمال بسبب هذا التوقف الذي أتي خارج إرادتهم . وهناك عامل خارجي مهم ، وهو الأزمات السياسية وعدم الاستقرار السياسي وما تبعه من ضغوط دولية عديدة ، كل تلك الأشياء أثرت تأثيرا مباشرا وألقت بظلال قاتمة في توقف التطور الاقتصادي السوداني . } وهل لديك أي إحساس بالتفاؤل بعد هذه الانتكاسة في موقف الصناعة السودانية بأن تتحقق نجاحات، من جديد، في مسيرة الاقتصاد السوداني بمجال الاستثمار الواسع أو المتوسط ؟ أقول لك يا أستاذ صلاح ، أنا إنسانة متفائلة جداً ، لم يصبني الياس في أي يوم من الأيام برغم تراكم الإحباطات ، فنحن مؤمنون وموحدون بالله ، وبالتالي على المؤمن أن يتفاءل بالخير ، وسيناله في نهاية المطاف ، فإن كانت عزيمة الإنسان قوية فإن كل النجاحات ستتحقق و ستتغلب على جميع الصعاب مهما كان حجمها . فبلادنا موعودة وأيضا واعدة جداً ، فقط ينقصها الاستقرار السياسي ، وفي تقديري هنا فإن الاستقرار السياسي سوف يأتي ، فشعبنا قادر على ذلك ، فضلا عن أن هناك ثوابت في الوطن العزيز لا تتأثر بالتقلبات السياسية بسبب توافر عوامل النجاح الأساسية ، كالأرض والمياه والقوى العاملة ، ومؤخرا فقد توفرت الطاقة بسبب قيام سد مروي ، فضلا عن اكتشافات النفط والمعادن ، ولنا أن نحمد الله على ذلك . وبسبب تلك الثوابت في قواعد الإقتصاد السوداني ، أقول لك أنا متفائلة ، بل متفائلة جدا والله . لكن لا بد من القول أن تأخر التطور الاقتصادي الذي يعطل استغلال تلك الموارد المشار إليها آنفا في حديثي كان بسبب المشكلة الوطنية العامة التي تنحصر في الصراع حول مقاعد السلطة بطريقة تؤدي إلي تعطيل كل أشكال الاستثمار الاقتصادي . وهنا أعطيك مثالاً ، لقد لاحظتُ وأنا بالسعودية أن الخطط الاقتصادية التي تضعها الدولة في كافة المجالات تتحقق بالكامل لديهم ، للدرجة التي تجعل المواطن نفسه يخطط لمستقبله الخاص حسب تطورات الخطة ، ويعرف ماذا سيتم إنجازه هنا؟ ، وماذا يتم هناك في المجال المحدد ، وبناء عليها يبني خططه . لذلك فإن عمل تخطيط إستراتيجي وتوافر آليات تنفيذه بالكامل هو الذي يحقق التنمية المتوازنة في كل المناطق . أما أن نضع الخطط بدون أن نعرف كيفية وآليات ومعينات تنفيذها ، فإن الأمر يصبح وكأنه تجزية لوقت الخبراء والاقتصاديين. } مقاطعاً ... قلت لها ، وكأنك يا سيدة كوثر تخلطين الاقتصاد بالهموم السياسية الموجعة ... فنراك الآن تلجين إلى العمق السياسي بكل قوة ، فقد أتى ترشيحك للمجلس الوطني ضمن قائمة المرأة للحزب الإتحادي الأصل بولاية نهر النيل ؟ من قناعاتي التامة ، أن الإقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة ، فكان في تقديري أن نشارك بالرأي الاقتصادي الذي يسهم في تحسين السياسات الاقتصادية ، وأظنك تذكر ما تم نشره حين انضممت إلى المؤتمر الوطني في باديء الأمر قبل أكثر من عام ، فقد أتت الفكرة وفق إتصالات عديدة من عدة أطراف تدعوني إلى الانضمام ل(الوطني) بوصفي نائبة رئيس إتحاد سيدات العمال وعضوة في إتحاد أصحاب العمل ، وأيضا عضوة في الغرفة التجارية ، فكل ذلك دعاهم لطلب انضمامي للمؤتمر الوطني الذي يحوي تلك الأطر التي ذكرتها لك، خاصة من جانب سيدات الأعمال . وحدث أن أعلنت إنضمامي للمؤتمر الوطني وقد كنت عضوة باللجنة الاقتصادية بالمؤتمر الوطني. وهنا يتوقف حوارنا لهذه الحلقة الثانية مع السيدة كوثر النعيم في محطة المؤتمر الوطني ، وحتى نلقاكم في الحلقة الثالثة والأخيرة ، و التي لا بد أن نتناول فيها تداعيات وأسباب انضمامها للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وقد أحدث الأمر ضجة كبرى في الوسطين السياسي والاقتصادي والصحافي معاً ، فضلا عن الفرحة التي غمرت قطاع المرأة الاتحادية في حزبها الجديد. نواصل ..