أدى اتفاق «الدوحة 2» الذي وقعته الحكومة مع حركة التحرير والعدالة - إحدى الجماعات التي تقود التمرد في دارفور - الخميس الماضي، لوقف إطلاق النار وتمهيد الطريق أمام التوصل إلى تسوية تنهي الصراع في الإقليم، الذي تم بعد أقل من شهر على توقيع الحكومة اتفاقاً إطارياً مماثلاً مع حركة «العدل والمساواة» - كُبرى جماعات التمرد في دارفور.. أدى توقيع الاتفاق إلى نشوب خلاف جديد بين الحكومة و«العدل والمساواة» التي رفضت الاتفاق الجديد وصبّت جام غضبها على الحكومة، مما يشير إلى أزمة مكتومة بين الحكومة و«العدل والمساواة» بدأت معالمها منذ مطلع الأسبوع الماضي، وفشلت كل المحاولات التي قادها مستشار رئيس الجمهورية مسؤول ملف دارفور الدكتور غازي صلاح الدين، مدفوعاً بضغط متواصل من الرئيس التشادي إدريس ديبي على زعيم العدل والمساواة «خليل إبراهيم»، في تقريب وجهات النظر بين الطرفين الذين اتسعت شقة الخلاف بينهما. وكان زعيم «التحرير والعدالة» التيجاني سيسي دعا إلى مخاطبة جذور مشكلة دارفور بشمولية، باعتبار ذلك الحل الوحيد للمشكلة، مضيفاً أن السلام الحقيقي يتطلب إرادة ومعالجة لمظاهر اللجوء والنزوح، والعودة الطوعية، وتقديم وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، كما أشار إلى أن عودة العلاقات السودانية التشادية لطبيعتها تشكل ركيزة أساسية لاستتباب الأمن، وإعادة التعمير، وبسط العدالة والمصالحة في دارفور. غير أن حركة العدل والمساواة رأت في اتفاق الدوحة الجديد «مسرحية هزيلة سيئة الإخراج، ولايرتب أى أثر سياسي أو عسكري على الأرض لأن المجموعة التى تم التوقيع معها ليست حركة، ورئيسها موظف دولي لم تكن له أي مشكلة مع الحكومة، معتبراً الاتفاق سابقة خطيرة في تاريخ حل النزاعات المسلحة، وأكدت الحركة أنها تدرس الآن الموقف برمته، وستحدد رد فعلها قريباً بعد تشاور مع مواطنيها وأصدقائها، ونفت حدوث أى تقدم فى المفاوضات الجارية بين حركته والحكومة فى تشاد، بسبب أن مداخل الطرفين لحل الأزمة مختلفة، وبسبب تباين وجهة نظريهما بشأن الإنتخابات والقضايا الأخرى الرئيسية». انتهى حديث «العدل والمساواة»، وهو حديث بقدر ما يستبطن مرارات متراكمة يعزز فرضية عمق الخلافات بين الحكومة والحركة التي ترى في «العدالة والتحرير» تنظيماً مدنياً سياسياًً أكثر منه حركة مسلحة يتطلب الاتفاق معها ترتيبات أمنية مثل وقف إطلاق النار وغيره، والحديث يفارق أيضاً ما ذكره التيجاني سيسي الذي يتركز خطابه في القضايا المطلبية والتريبات الخدمية، ولم يجر ذكر الانتخابات أو تقاسم السلطة أو توازن التنمية أو غيرها من الترتيبات التي كانت الغالب في أحاديث قادة «العدل والمساواة» وأشراطها للتفاوض. في المحصلة، وبقدر ما حقق اتفاق «الدوحة 2» اختراقاً جديداً وأعاد عدداً مقدراً من أبناء دارفور إلى طاولة التفاوض، إلا أنه عزز التباعد بين «العدل والمساواة» والحكومة، ما يشير إلى خطر آخر مقبل على الوسطاء التنبه له والعمل على تجفيف منابعه حتى لا تتكرر عمليات إعادة إنتاج الأزمة.