محلات الاتصالات انتشرت في جميع الأماكن.. في الأسواق والأحياء.. حتى صارت أكثر من البعوض هذه الأيام، وأقل قليلاً من المرشّحين في انتخاباتنا القادمة. فبالإضافة إلى المواقع المخصّصة لها ذات الكروت الممغنطة وغيرها، فقد اتسع فيروسها ليشمل كل مكتبة أو بقالة أو استديو، ففي أثناء سيرك تحاصرك لافتات «تلفون عمومي، محلي وإقليمي وعالمي» ممّا يؤكد أننا شعب يعشق «الكلام» وخاصة أن وتيرته قد ازدادت مع برامج مرشحينا. أيّام كنّا صبية كان كبارنا يردِّدون «هو الكلام بقروش»؟ أمّا الآن فقد تحقّق المستحيل آنذاك وأصبح الكلام بحق وحقيقة «بقروش»، كلام في الفاضي والمليان، وبالصوت العالي بلا أي سريّة. نحن عشنا زمان ال «كول بوكس» وهو في تصميمه أقرب إلى ثلاجة (20) قدم، وحينما تدخل تلك الكابينة المصمتة لتجري محادثة، فإن الجن الأحمر لن يسمع ما يدور بينك وبين الطرف الآخر، أما الآن فإن الحديث داخل كابينات الاتصالات أصبح مشاعاً يسمعه القاصي والداني. لقد اقتحمنا الحضارة من أوسع أبوابها وأسلاكها، وبدون أسلاك أيضاً، ويبدو أن بعض مواطنينا لديهم توصيلات داخل أدمغتهم أسلاكها عارية أيضاً، وإلا بماذا نفسّر الذين يتحدثون مع أنفسهم؟ وبارك لنا في شركات الاتصالات التي قرّبت المسافات وملأت برامج الفضائيات بالمكالمات، وعقبال التلفون المرئي «لتتم الناقصة»!! إنّ من يردّد «إن السكوت من ذهب» فهو متخلّف .. و«الرغي» هو الذي من ذهب وماس أيضاً، وعلى كل منّا أن ينظف أذنيه جيّداً ويجعل سعتها في الاستقبال عالية، وكل من يُضبط متلبّساً بثقب في طبلة أذنه فلا يلومنّ إلا نفسه، إذ ستُوجّه إليه تهمة معاداة «الحوار»، حتى لو كان «حوار الطرشان»..! يُقال والعهدة على الراوي أن أحدهم شاهد مواطناً وأمامه صاج طعمية و«طشت» - «الطشت» زمان كان للحمام وغسيل الملابس، الآن توضع بداخله الطعمية .. زمن !! - وبالقرب من ذاك الطشت هناك جردل «مقلوب» وعليه جهاز تلفون، وقد كُتب على الجردل: «مكالمات محلية فقط» .. ويبدو أن المواطن صاحب «صاج الطعمية» أراد أن يقول إن الحوار بين اثنين لا يكون له طعم إلا مع الطعمية ورائحتها النفاذة لأنّها حبيبة الشعب. فلماذا لا يستغل مرشحونا هذه «الحبيبة» ويوزعون «طعمية» على الناخبين لاستعادة ثقة «أصواتهم»، لأن حناجر الناخبين تعوّدت فقط على «الطعمية»!! ولنهتف جميعنا «ميّه ال ميّه.. طع .. ميه!!» { «حاجّة جات لدكتور رباطابي في المركز الصحي، قالت ليهو: دايراك تحوّلني للمستشفى عشان يكشفو عليّ بالسماعة هناك.. رد عليها الدكتور: نان الشايفاها مدروعة في رقبتي دي قايلاها نبلة»؟!