معلوم أن السودان كان في مقدمة الدول الأفريقية التي نالت استقلالها، بل ومن أجودها تجربة في عملية الحكم اللامركزي، فقد مارس السودان تطبيق نظام الحكم المحلي إبتداءً من عهد الإدارة البريطانية لتوسيع المشاركة وتقديم الخدمات. وما أن تعددت الحكومات بعد الاستقلال من عسكرية ومدينة إلا وتعرضت تشريعات الحكم المحلي لعمليات جراحية عديد تنشد في مجملها التعديل والتطوير في مواجهة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولكن يبقى السؤال هنا قائماً وربما لم تكتمل إجابته بعد، هو هل كانت حصيلة التعديلات والتضحيات وإعادة الصياغات التي أدخلت في كل التجارب والحقب السياسية منذ فترة الاستقلال وحتى الآن قد حققت ماهو مطلوب من قسمة للثروة والسلطة بما يرضي في ذلك أهل السودان في الولايات والمحليات؟ ولعل هذا السؤال مرتبط أيضاً بسؤال جوهري واستراتيجي ومهم لكل زمان ومكان سياسي ألا وهو هل صمدت الولايات والمحليات أمام التحدي الحقيقي الذي إجابته بالضرورة واضحة هنا هي تحقيق أشواق وطموحات المواطنين نحو توفير الخدمات والتنمية وتطلعاتهم ورغباتهم المشروعة للمشاركة في السلطة، ومن كل هذا يبرز سؤال كبير جداً هو هل مكنّا الحكم المحلي ووضعناه في زاوية أن يكون ناجحاً ممارسةً وتطبيقاً وإنزالاً لغايات على أرض الواقع، أم سندخل على مرحلة جديدة متناسين كل ذلك؟ الواقع الراهن يقول إن المناصب والوظائف العديدة التي دخلت المحليات أتت بأعباء ومنصرفات إدارية وهذه جميعها من المواطن ورغماً عن هذا لم تخرج المحليات عن الموارد التقليدية. من هنا فنحن محتاجون وبشدة إلى إعادة النظر في بنية وهيكلية الحكم المحلي حتى لا نجعله معلقاً في الهواء، وهو أساس الحكم فهو يحتاج لمراجعة شاملة قبل أن تبدأ الحكومة المنتخبة القادمة عملها. ولكن عندما نطرق هذه القضية وندق أبوابها التشريعية نقول أين الضابط الإداري الذي كان هو حلقة الوصل وركيزة بناء الحكم المحلي وبعد أن كان ركيزة التنمية أين هو الآن وسط الزحام الإداري وأين هو الآن من العملية الانتخابية هل غابت سلطاته؟ مع العلم أنه موجود على مستوى التشكيلات الانتخابية ولكن هل حجم الاستفادة منه وقدرها هي ذات الحجم في التاريخ السياسي والإداري الطويل؟ إذن نحن نحتاجه في تطوير الفكرة وترشيدها حتى تكون التجربة (تجربة الحكم المحلي) ناصعة ومستفيدة من تراكم السنين وتعدد التشريعات.