على متن طائرة مارسلاند كان الأمين العام للمؤتمر الشعبي الشيخ حسن الترابي يراجع بعض الآيات القرآنية من مصحف يحمله في حقيبة السفر، وتلك عادة لا تفارقه، وقد جلس بجواره مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية «عبد الله دينق نيال» يقرأ في بعض الصحف اليومية، وقد ترك مقعده لمواصلة القراءة، فاستأذنت في أن ألقي على الترابي بعض الأسئلة حول المشهد الانتخابي الحالي وهو صاحب خبرة سياسية ويمتلك ناصية التغيير بحسب الحسابات التي يضع معادلتها في كثير من الأحيان إن لم أقل غالبها. تحولت من المقعد وجلست إلى جواره، كانت الطائرة على ارتفاع (26) ألف قدم فوق سطح أزمات السودان التي تتجدد بين الحين والآخر، وكانت المضيفة (سلمى) والمضيف (زرياب) و(ابتهال) يراقبون حركتي لإجراء الحوار قبل نصف ساعة من هبوط الطائرة بمطار الخرطوم.. تحذيراتهم المتكررة لي بربط حزام الأمان لم أنتبه إليها بعد أن بدأ الشيخ الترابي في الإجابة على الأسئلة حول الواقع الحالي، ولم يقف من الحديث إلا وعجلات الطائرة تلامس مدرج مطار الخرطوم الدولي بعد أن وصلنا من مطار الفاشر عاصمة شمال دارفور، وبعد أن فتحت أبواب الطائرة للنزول.. وكانت هذه الإجابات: { الشيخ الترابي، هنالك بعض الناس يعتقد أن انسحاب مرشح الحركة الشعبية ياسر عرمان جاء باتفاق بينك وبين رئيس الحركة «سلفاكير» عند لقائكما في باريس في ظل علاقة ثنائية متميزة مع بعضكما، بالإضافة الى تأويلات أخرى بهذا الخصوص من بينها وحدة السودان؟ - ما كانوا يقصدون ذلك عيناً، تختلف الرؤى وبعض الناس يرون أنه استيأس من الشمال أصلاً لأنه شمالي - ياسر عرمان - وقد اقتصروا نحو ذاتهم حول مصيرهم هم، الذي يقرر بعد حين وهو انفصالهم في غالب الرأي الآن، وربما تنفتح الساحة للجنوبي الوحيد عبد الله دينق نيال مرشح الرئاسة، وربما ينتهي بعض أهل السودان إلى أن القضية الآن هي قضية انشطار البلد بعد أن كانت واحدة، ولكن ما يزال الناس تحركهم رواسب عرقية متخلفة وقيادات الأحزاب أيضاً غشيها حب السلطة والتنازع فيها، وعلى الأقل إنّ ترشح عبد الله دينق نيال سيحدث تغييراً اجتماعياً في السودان، قد يكون بالغاً جداً ويكون له أثر، والتطورات إنماً لا تأتي كاملة بل تأتي درجة درجة، وهذه هي رؤانا لخطة المستقبل، وكل مرة نحمل الناس، وقد دخلت المرأة والحمد لله منذ أن طالبنا بذلك في ثورة أكتوبر الى أن أدخلناها في الانتخابات بنصيب مقدر، وأن يخرج الناس من ولاءات العرق والمحلية وضيق الأفق ويخرجون الى ما يجمع البلد ويخرجون من المجاملات إلى مناهج الأحزاب والخيارات بينها، والبلد به جوانب تتقدم. { على الرغم من قلة الأموال إلا أن المؤتمر الشعبي طاف على كل الولايات في حملته الانتخابية حتى شك البعض بأن لكم أهداف أخرى! - غالب هذه الحملات يحملها الناس من أموالهم الخاصة ، لا أموالهم هم، ولكن أموال المجموعة القليلة، وكثير المال قد يذهب رشاوي يأكلها بعض الناس - قالها ثم ضحك - وبعض الناس قد يبيعون ذممهم ولكن لا يصدقون خلف (ستارة الاقتراع) ولكن نحن حزب مضايق مالياً وسياسياً وقد دخل في هذه الانتخابات ليثبت أن الإرادة الصادقة للمجتمع حتى وإن غشيته غاشية الحصار المالي مقارنة بالفيض المالي للآخرين يمكن أن يحقق ما هو أهل له وما هو حق له، على الأقل أن يحدث وقعاً أكثر مما يتوهم الآخرون. { مفاوضات الدوحة في طريقها إلى التعليق إلى ما بعد الانتخابات انتظاراً للنتائج، كيف تقرأ مستقبل أزمة دارفور؟ - نحن لدينا سابقة في الجنوب، كان ينبغي أن نعتبر بما جرى في الجنوب من إنهاك للطاقات والقتل والتخريب ولكننا لم نعتبر أصلاً والعظة لم تنفع، والآن قد يكلفنا ذلك الخطأ في الجنوب شطراً من البلد - يقصد الانفصال - والآن دارفور مضت وكأننا لا نعتبر ولا نتعظ أصلاً، نؤجل ونعطل ونفاوض ونماطل ويبدو إنه لابد من وجوه جديدة وسياسات جديدة ولربما نحظى بذلك لتعالج قضية دارفور بغير ما وقت يطول، لأن الناس يعذبون ودارفور كلها معطلة ومشلولة، وهو خسران لكل البلد وللوطن وليس لأهلها فقط، والوقت قصير للوجوه الجديدة والسياسات الجديدة حتى تستدرك غضبة أهل الجنوب من أنهم ظلموا وأن علاقتهم مع الشمال دائماً تشوبها الريبة وأنهم لا يصدقونهم بالوعود معهم، لربما يحدث شيء يبدل حتى إذا خرج الجنوب فيخرج بالحسنى ويعود مرة أخرى، والعالم كله هكذا، أوروبا قطعت واحتربت وسفكت دماؤها وعادت مرة أخرى لتتحد، ولربما يعود الجنوب مرة أخرى لا بالحروب، وذلك غير بعيد إن شاء الله. { كيف ستكون نتائج الانتخابات بحسب القراءة السياسية وهذا ليس تنجيماً؟ - الناس يضيقون بالنظام ولذلك يضربون حتى في الخيال بكل وسائل الزور التي يمكن أن يبتدعها النظام لإبقائه في السلطة، لأنه يخشى من مخاطر دولية ومحلية أن يفقد السلطان، ولكن إذا اجتهد الناس في مراقبة الانتخابات ورصد التصويت في كل مراكز الاقتراع، لا أقول بأنها ستخرج كاملة ولكن سيخرج شيء محتمل، ونحن دخلنا في انتخابات الحرية لم تكن عادلة والموازنة لم تكن عادلة، أموال البلد كلها تنفق في جهة واحدة والآخرون محاربون في أموالهم وليس هذا بعدل أصلاً، ولكن نفتحم معركة لا نحتمل فيها الجنوح والظلم، والنيل فيها خير من أن نبقى أو أن ننتظر حتى تنفجر البلاد، والبلاد هذه يمكن أن تنفجر وإذا انفجرت هذه المرة فلن تكون مثل أكتوبر، الانتفاضة غالباً ما تتفجر مرة واحدة. { أسباب الخلاف ما بين المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني في طريقها إلى الزوال وقد تحققت بعض المطالب التي أدت الى الانقسام قبل (10) سنوات، هل يمكن أن يتوحد الإسلاميون بعد نتائج الانتخابات؟ - لم تتحقق، في أحزاب صادرة من دواعي أجنبية وتؤمن بحقوق الإنسان من الغرب والديمقراطية تصادقنا، وأحسب الإخلاص أكبر بإعطاء الحريات للناس وبمدى أوسع وشورى ولا مركزية بين الناس وقد التقينا بها في الطريق ونحن لدينا مقاصد في الحياة، وقد التقينا بالشيوعيين وهذه لقاءات في الطريق وليس لقاء سلوك الطريق الواحد الهادي الي ذات المعاني التي تنبعث من مبادئنا، والتوحد بين الإسلاميين سيكون عندما ينهزم المؤتمر الوطني في الانتخابات لأن الولاء فيه لا ينبني على توالي في الأفكار والمبادئ وسيكون مثل الاتحاد الاشتراكي، إذا سقط عمود السلطان سينفض السامر وسيعود كثيرون الى أصولهم عندئذٍ سيقولون بأنها كانت اجتهادات فكرية وخلافية بين المدارس الفقهية، وآخرون يرون أن هذا الأخ قد غره المال فلا يؤتمن على المال العام، وآخرون يرون هذا الأخ به نزعة من الخوف فلا يستطيع أن يصبر بقوة ويتوكل على الله، ولكن البشر كلهم هكذا في الإسلام وغير الاسلام، فيهم وفيهم وفي كل ابتلاء جديد يتم امتحانه وإذا جاء ابتلاء البأس نقدم أصحاب البأس وإذا جاء ابتلاء الادارة والفنون نقدم من أهل الادارة وقد يكون من الجبناء وغير مأمون على المال، وهكذا الناس يجتمعون إن شاء الله. { هل حققت الحركة الإسلامية بعد (50) عاماً مبتغاها؟ - طبعاً لم تنجح في الخطوة الأولى بعد (14) قرناً من السقوط في الخلافة، النموذج الصادق في الحكم الإسلامي، فأول من يأتي مرة أخرى في العالم الإسلامي ليس غريباً جداً وفاجعاً أن يسقط ويفشل، ولكن استلهم العبرة، فهو اليوم أعلم وأحكم وأبصر بفتن السلطة وأكثر اجتهاداً في تجلي ما هي الأحكام والأحلام التي يستطيع أن يستنبطها من العبر الإنسانية في العالم، فرق كبير بينه اليوم وبين أمس وهذه عظة كبيرة له وللحركات الإسلامية في العالم، الجولة القادمة سيكون وضعه خير مما سبق. { أنت إذن تتوقع نهضة المشروع الإسلامي مرة أخرى في السودان؟ - نعم، نعم، مامن شك في ذلك أصلاً لأن المشروع الاسلامي الآن في كل العالم الاسلامي التاريخي وفي وجود كل المسلمين شمال الكرة الارضية وأغلب هذا الدفع الديني لا يدري طريقاً للسياسة والفن والرياضة والاقتصاد وطريقة الحكم وهكذا لأنها لم تكن في التراث الذي ورثناه، لذلك هذه تجربة ستظل إن شاء الله تتقدم مرة أخرى وتكون أحد النماذج التي تقود الآخرين إن شاء الله ولا نيأس. { رسالة أخيرة ونحن سنهبط بعد دقيقة الى مطار الخرطوم (كان صوت الكابتن يأتي لينبه الركاب الى أن طائرة مارسلاند القادمة من الفاشر تلامس إطاراتها مدرج مطار الخرطوم عاصمة البلاد المركزية ومقر القصر الجمهوري)؟ - أسأل الله أن ينزل عليكم رحمة بعد الانتخابات لأنه بعد الانتخابات يقلب الأمور ونرى السودان خيراً مما سبق ولا يكون شراً مما سبق، ولو تقدم حتى اذا كان تقدماً بطيئاً خير من أن يكون جامداً. -أسأل الله سبحانه وتعالى ونحن نقبل على الانتخابات بعد بضعة أيام وفي نتائجها بعض البشريات لمستقبل السودان إن شاء الله وبعض أمن من نذر المخاطر التي نخشاها على السودان إن شاء الله. { من المحرر: وبعد قليل فتحت أبواب الطائرة وكان في استقبال الشيخ الترابي وعبد الله دينق نيال قيادات من المؤتمر الشعبي منهم محمد الأمين خليفة وكمال عمر ومدير مكتبه تاج الدين بانقا بالإضافة الى مرافقي الترابي الذين يعملون خلف الأضواء.