محيي الدين عبد الرحمن المبارك بدأ العد التنازلي لملحمة جديدة من ملاحم الشعب السوداني في مجال الممارسة الديمقراطية التي خاضها مراراً عبر مسيرته السياسية خلال الخمسين عاماً الماضية. والساعات تتلاحق الآن بسرعة حيث يتنادى أبناء الوطن صباح غدٍ لصناديق الاقتراع لممارسة حقهم الدستوري لاختيار ممثليهم في المواقع الدستورية والتشريعية والتنفيذية للمرحلة المفصلية المهمة التي تدخلها البلاد. والملحمة الانتخابية يتنافس فيها (14.510) مرشحاً من بينهم (3357) يمثلون العنصر النسائي. هذه الكوكبة من أبناء وبنات الشعب السوداني يمثلون كافة ألوان الطيف السياسي وكافة شرائح المجتمع السوداني. هذه الملحمة السياسية تؤكد من جديد عظمة هذا الشعب وتفرده عن الشعوب من حوله؛ فهو يدخل هذه الملحمة بكل القوة والعنفوان رغم تجاربه المريرة مع الأنظمة الشمولية التي جثمت على صدره لأكثر من (70%) من فترة استقلاله. بعد هذه التجارب السياسية التي تمّ خلالها تغييبه عن الممارسة الديمقراطية وحرمانه من ممارسة حقوقه برز المواطن السوداني على الساحة بكل قوة يمارس حقوقه في مسؤولية أذهلت المراقبين. وكمراقب لما يجري على الساحة السياسية رصدت الظواهر التالية: المواطن رغم التزامه الحزبي وانحياره المعهود للأطر السياسية إلا أن أطروحات الأحزاب لم تعد تستهويه كما كان في السابق، بل أضحى يهتم بالخدمات ويبحث عن المرشح الذي يتوسم فيه المقدرة على تقديم الخدمات بغض النظر عن التوجه السياسي للمرشح. الليالي السياسية خلت من الغوغائية التي كانت سائدة في السابق وأُضفى عليها المنطق، ونأى المرشحون عن إطلاق الوعود احتراماً للوعي السياسي الكبير الذي يتسم به الناخب السوداني. دخول شريحة كبيرة من المستقلين لحلبة الانتخابات ووجدوا تجاوباً كبيراً من المواطنين لأن أغلبهم أظهر جدية في تعاطيه لهموم وآمال المواطن. بادرة مهمة اتسمت بها هذه الانتخابات وذلك بولوج عدد من الشباب حلبة الانتخابات وأبلوا بلاءً حسناً في حملاتهم الانتخابية وأرسو مفاهيم جديدة للعمل السياسي منطلقين من تحررهم من إسار القيود الحزبية الضيقة. وهذه الشريحة سيكون لها دور فاعل في المرحلة القادمة. وهذه الشريحة الشبابية التي برزت بقوة وعنفوان على الساحة السياسية يتصدرها الصحفي الهندي عزالدين الذي سطع نجمه بكل قوة وجسّد أقدام وجسارة الشباب السوداني. الحملة الإنتخابية جسّدت الدور السياسي الكبير الذي يتصف به الشعب السوداني وخبرته التراكمية في المجال السياسي التي اكتسبها عبر مسيرته السياسية الطويلة، وبرز هذا بصورة واضحة في مشاركته الفاعلة في الحملة الانتخابية بفكره وجهده بل وبماله. رغم أن الكثيرين كانوا يخشون ظهور الجهوية والقبلية في حلبة الانتخابات خاصة بروزها في بداية الحملة الانتخابية في بعض الولايات إلا أن وعي المواطنين وقف ضد هذا الاتجاه، وتسير الحملة الآن في مناخ صحي وفي وعي جماهيري مفعم بحب الوطن الواحد المتطور بعيداً عن الجهوية. وأنا الذي ظللت أتابع عن قرب ما يدور في دائرتي مروي والدبة، بحكم انتمائي لمنطقة المنحنى، أشعر بالغبطة والسرور لأداء مرشحي الدائرتين السيدين صلاح قوش وطه علي البشير اللذين أدركا بذكائهما المعهود التغييرات الكبيرة التي حدثت بالمنطقة بدخول شريحة كبيرة لم تشهد التجارب الانتخابية السابقة، واتسم أداؤهما بالواقعية والنموذجية والتصدي بجرأة لقضايا المنطقة بهدف انتشالها من وهدة التخلف. وتناول السيدان قوش وطه قضايا المنطقة بواقعية، وشددا في حملتهم الانتخابية وهذا هو المهم على أهمية دور مواطني المنطقة في المساهمة في تحقيق تنمية المنطقة والعودة بها إلى سيرتها الأولى. وتحقق مقصدي عندما كتبت قبل أسابيع عن المرشحين السيدين صلاح قوش وطه علي البشير وكذلك السيد محمود عابدين مقالاً بعنوان: «هؤلاء مرشحون متميزون».