محي الدين عبد الرحمن المبارك أقول وبكل الفخر والإعزاز إن الشعب السوداني كالعهد به قدم درساً بليغاً للشعوب من حوله وللعالم أجمع وهو يمارس حقه الديمقراطي في الانتخابات، وجسّد بأدائه صورة حضارية نادرة. والمهتمون بالشأن السوداني إقليمياً ودولياً وجدوا أمامهم صورة فريدة إبان أيام الانتخابات جسّدت وعي هذا الشعب المرتكز على حضارة عريقة ضاربة جذورها في القدم أفرزت إنساناً فريداً احتضن تراث الشعوب الإفريقية جغرافياً وتشرّب بالعروبة تراثاً وديناً ولغة. هذه الخصائص وهذا الهجين أخرج هذا الإنسان السوداني المتفرِّد والعظيم. هذه السمات التي تميّز بها الشعب السوداني برزت بصورة واضحة في الأسابيع الماضية وأفرزت نهجاً حضارياً أبهر المراقبين الدوليين والإقليميين مما دفعهم ولا نقول أرغمهم على الإشادة بايجابية الانتخابات السودانية. ونحن نطوي صفحة هذه المرحلة والسودان يلج مرحلة مفصلية في تاريخه الحديث لابد أن نُثبت المؤشرات المهمة التي صاحبت الملحمة الانتخابية ونوجزها في المؤشرات التالية: ٭ الحكومة نجحت نجاحاً باهراً في إفساد المخطط الذي برزت ملامحه واضحة على الساحة السياسية والذي كان يهدف لتقويض العملية الانتخابية. ٭ اكتساح المؤتمر الوطني لغالبية الدوائر كان متوقعاً للمراقبين المحايدين لأسباب عديدة أهمها الدينماكية التي يتميز بها الحزب والعلمية التي ظلت تحكم أدائه والخبرة التراكمية التي اكتسبها طيلة العقدين الماضيين. ٭ وفي المقابل كان أداء الأحزاب ضعيفاً خاصة الحزبين الكبيرين الاتحادي الديمقراطي والأمة القومي، بل كست أداؤهما الكثير من السلبية ويكفي أن نقول أنهما لم يحاولا الإلتحام بقواعدهما طيلة الخمسة أعوام الماضية مع علمهما بما ورد في إتفاقية السلام بإجراء انتخابات عامة في نهاية الفترة الانتقالية في أبريل عام 2005م كما أنهما وهذا مهم للغاية تعاملا مع مرحلة التسجيل بكثير من العفوية مستندين على اللغط الذي كان يسود الساحة السياسية بالتشكك في إجراء الانتخابات. ٭ الإمام الصادق المهدي خزله ذكاؤه المفرط وانفضاض أصحاب التجربة من قادة حزبه من حوله وتغييب الموت لعدد منهم كان له الأثر الكبير في الأداء الضعيف للحزب إبان الملحمة الانتخابية وانسحابه المفاجئ من المنافسة على رئاسة الجمهورية قضى على جزء مقدر من وهج الحزب على أدائه في المنافسة على الدوائر على امتداد السودان. ٭ مولانا محمد عثمان الميرغني ولج حزبه ملحمة الانتخابات بعنفوان مستنداً على ثقله الديني الكبير وعلى رصيده السياسي الذي بناه معارضاً للإنقاذ ولكن حزبه غفل عن التغييرات الكبيرة التي حدثت خلال الأربعين عاماً الماضية حقبتي مايو والإنقاذ والتي أفرزت شريحة كبيرة ومهمة من المجتمع السوداني أغلبها انفك من أسر الطائفية وشق طريقه في اتجاه آخر. ٭ المؤتمر الوطني بذكاء عُرف به خاطب الناخب السوداني بالأسلوب الذي يهواه وهو الحديث عن الخدمات والتنمية ومحاربة الفقر ونأى بنفسه عن الحديث عن السياسة التي نفر منها المواطن طيلة السنوات الماضية. وظهر هذا النهج بجلاء في حملة الفريق أول صلاح قوش في مخاطبته لمواطني دائرة مروي والتي عايشتها عن قُرب. هذه محاولة تقويم مبتسرة للانتخابات وما صاحبها من ظواهر والمهم الآن أن المؤتمر الوطني وهو يتصدى لقيادة مسيرة البلاد بتفويض شعبي كبير يواجه تحديات كبيرة ومسؤوليات تاريخية تفوق التحديات التي عايشها عبر مسيرة حكمه طيلة العشرين عاماً الماضية فهو يواجه مسؤولية تاريخية مطلع العام القادم موعد الاستفتاء على تقرير المصير. وهو يواجه مستحقات الانتخابات وفوق هذا هو يواجه جفاء القوى السياسية التي تنظر لنتيجة الانتخابات بكثير من الريبة، هذه التحديات الجسام وغيرها تتطلب من المؤتمر الوطني الكثير من المرونة في أدائه السياسي وتتطلب أن يعمل بتجرُّد ومسؤولية وتوفير المناخ المناسب لتحقيق وحدة وطنية مع القوى السياسية لمواجهة التحديات الجسام التي يواجهها الوطن.