فريق أول ركن حسن يحيى محمد أحمد المنشور العام للحركة الشعبية «المنفستو» الصادر في 31 يوليو/1983 الذي جاء في أحد عشر فصلاً حدد بوضوح تام أهداف الحركة الشعبية، كما حدد من هم أصدقاؤها ومن هم أعداؤها الحقيقيون، وما هي خططها المستقبلية. الهدف الذي تسعى الحركة لتحقيقه كما جاء بالمنشور هو «إقامة سودان اشتراكي موحد وليس جنوباً منفصلاً». حصر المنشور أعداء الحركة في الصفوة الشمالية البرجوازية والصفوة الجنوبية البرجوازية. أما أصدقاء الحركة فحددهم المنشور في أولئك الثوريين والتقدميين من العمال والمزارعين والطلاب والمثقفين وكل العناصر الثورية والتقدمية في القوات المسلحة والشرطة والسجون وحرس الصيد. أما الأصدقاء في الخارج فحددهم المنشور وحصرهم في الدول الاشتراكية والتقدمية في أفريقيا والدول الاشتراكية والتقدمية في أوروبا والدول التقدمية في آسيا والدول التقدمية والاشتراكية في أمريكا اللاتينية. من الملاحظ أن المنشور العام للحركة يعتبر وثيقة شيوعية إذ أن كل المصطلحات المستخدمة فيه عبارة عن مصطلحات شيوعية «برجوازية- بروليتاريا - تقدمية- اشتراكية- الرفاق.. إلخ». يمكنني القول بكل ثقة ويقين إن الحركة في بدايتها كانت حركة شيوعية تأتي في إطار التوسع الشيوعي العسكري في العالم في تلك الفترة. في تقديري إن المنشور العام للحركة قد استهوى ياسر عرمان لأنه يعبر عن أشواق الحزب الشيوعي كما إنه يحمل في طياته برنامج الحزب الذي ينادي بإقامة دولة اشتراكية بالسودان ولهذا انضم ياسر عرمان للحركة لتحقيق أحلامه. الجدير بالذكر أن المنشور العام للحركة لم ترد فيه أي إشارة للولايات المتحدةالأمريكية صديقة اليوم للحركة كما لم ترد فيه أي إشارة إلى مشروع السودان الجديد، كل هذا يعتبر مؤشراً على أن الحركة لا تعمل وفق أهداف ومبادئ ثابتة وإنما أهدافها دائماً متحركة في كل مرحلة تبعاً لمصادر الدعم هذا بالإضافة إلى أن الحركة في كثير من الحالات تتبنى مشروعات الدول الداعمة لها مثل تبنيها لمشروع السودان الجديد الذي هو في حقيقته مشروع صهيوني يهدف إلى تمزيق البلاد إلى دويلات صغيرة عبر تنفيذ اتفاقية نيفاشا الكارثة. استطاع قرنق بذكائه الخارق وخطابه السياسي الوحدوي أن يكسب دعم المعسكرين الشرقي والغربي في وقت واحد وهذا لم يحدث لأي حركة تمرد في العالم من قبل. في خبث شديد أشارت الإدارة الأمريكية إلى إمكانية تطبيق نموذج اتفاقية نيفاشا على مشكلة شرق السودان ومشكلة دارفور وبحسن نية لا تعبر عن رؤية إستراتيجية أشار مهندسو اتفاقية نيفاشا أيضاً إلى إمكانية تطبيق نموذج نيفاشا على كل الأقاليم التي حملت السلاح في وجه الدولة ولكنهم سرعان ما كفوا عن ذلك بعد أن تبينت لهم خطورة اتفاقية نيفاشا على الأمن القومي السوداني. فكرة السودان الجديد ظهرت في الأدبيات السياسية للحركة الشعبية خلال مرحلة الانشقاقات التي حدثت في صفوف الحركة، التي قادها د. رياك مشار ود. لام أكول حيث شكلا حركة تحرير جنوب السودان ومن هنا انتابت ياسر عرمان نوبة عودة الوعي فقال مشيراً للاسم الجديد« تحرير جنوب السودان»، قال «لقد انضممنا للحركة باعتبار أنها حركة تقدمية ولكننا نرى الآن أنكم تسلكون طريقاً آخر» خوفاً من أن يتطور حديث ياسر عرمان هذا إلى تيار عريض داخل صفوف الشماليين العاملين في صفوف الحركة فكر قرنق بسرعة في إنشاء لواء السودان الجديد الذي تجمعت فيه كل العناصر الشمالية التي حملت السلاح ودعم قرنق هذا اللواء بعناصر من الحركة الشعبية التي تولت القيادة وانفتح هذا اللواء في منطقة شرق السودان وتم الإعلان عن إنشائه من أسمرا التي كانت في تلك الفترة تهدد بأن هدفها هو إسقاط نظام الخرطوم. تلك هي باختصار شديد فكرة تبني قرنق لمشروع السودان الجديد كمشروع تكتيكي. وصف قرنق هذا المشروع بقوله «السودان الجديد متعدد الأعراق والأديان والثقافات والعادات والتقاليد سودان المساواة والعدل .. الخ» أما السودان الجديد الذي نادت به الصهيونية العالمية فهو ذلك السودان الذي أشارت إليه الورقة الثانية لمركز الدراسات الإستراتيجية الأمريكي وهو ذلك السودان المجزأ والمفكك إلى دويلات صغيرة. هكذا تبنى قرنق فكرة السودان الجديد ليتجاوز بها مرحلة الانشقاقات الحادة التي كادت أن تعصف بحركته، كما استطاع بتبنيه لهذا المشروع الحفاظ على الشماليين الذين انضموا إليه كما استطاع أيضاً بتبنيه لهذا المشروع أن يضمن دعم الصهيونية العالمية لحركته الشيء الذي مكنه من تحقيق هدفه الإستراتيجي وهو انفصال الجنوب، الذي جاء في إطار إستراتيجية شد الأطراف ثم قطعها هذه الإستراتيجية التي تبنتها الصهيونية العالمية لتمزيق وحدة البلاد. هكذا خدع قرنق ياسر عرمان كثيراً، أولاً من خلال المنشور العام للحركة، وثانياً من خلال خطابه الإعلامي السياسي الوحدوي الذي سخَّر له ياسر عرمان كوجه عربي ولسان عربي فصيح مما ساعد قرنق كثيراً في خطة الخداع الإستراتيجي التي اتبعها لإخفاء الوجه الحقيقي لحركته الانفصالية، وثالثاً من خلال مشروع السودان الجديد ذلك المشروع الصهيوني. وهكذا استطاع قرنق بذكائه ودهائه أن يخفي نواياه الحقيقية عن أقرب المقربين إليه. لقد كشف قرنق شخصياً عن حقيقة مشروع السودان الجديد الذي كان ينادي به من خلال مؤتمر رمبيك المشهور الذي انعقد قبل توقيع اتفاقية نيفاشا بأيام قليلة حيث قال «من أكاذيب العدو التي يطلقها فإنه قد وصفني بأنني وحدوي أقود انفصاليين». وهكذا يكون قرنق قد كشف بنفسه عن أنه انفصالي يقود انفصاليين وأن مشروع السودان الجديد عبارة عن مشروع تكتيكي!! حقيقة من الحب ما قتل، كان ياسر عرمان بوقاً أجوف يروج لمشروع السودان الجديد ولا يدرك حقيقته وهكذا يمكن أن نقول إنه سعى إلى حتفه بظلفه!! ياسر عرمان لم يدرك بأن العالم تغير بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كما أنه لم يدرك بأن الحركة الشعبية تغيرت بعد وفاة قرنق حيث أن البوصلة السياسية للحركة تحولت 180 درجة في الاتجاه المعاكس. إن كان قرنق خدع ياسر عرمان وجعله يقوم بدور المغفل النافع فإن سلفاكير قد واجهه بالحقيقة المرة وهكذا جنت على نفسها براقش!! ختاماً أسأل الله حسن الخاتمة للجميع وأدعوه أن يجنبنا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وبالله التوفيق.