{ يجد الكُتّاب هذه الأيام حرجاً شديداً فيما يكتبون، فهم لا يستطيعون أن يكتبوا عن غير الانتخابات، موضوع الساعة، في المقابل يجدون مشقة في الكتابة عنها، تتملكنا حيرة الشاعر العربي عنتر بن شداد وهو يدخل إلى ديوانه (المعلقة).. هل غادر الشعراء من متردم... أم هل عرفت الدار بعد توهم وحسب ما نحفظ من تفسير لهذا البيت، منذ عهد الدراسة الثانوية، يقول الرجل العبسي (هل ترك لي الشعراء موضعاً لم يطرقوه)؟. والمدهش في أمر الكُتّاب، وأمر ابن شداد أنه بعد ذلك كتب ديواناً شعرياً هائلاً ظل مُعلقاً على ذاكرة الزمان وجدران المعرفة. لكن دعوني أدخل إلى هذا الموضوع من طرف أخف، وفكرة هذا المقال (ورأس خيطه) ألتقطه من (مجنون عاقل)، أي والله، وإلا بماذا ستقيِّمون هذا الموقف؟!، طابور من السيارات يزحف بشارع الجمهورية الخرطوم نهار أمس الأول، أمس الأول الذي يصادف بداية ظهور النتائج الانتخابية، هنالك مجموعة سيارات تود أن تعبر شارع الجمهورية من الشمال إلى الجنوب، ولكنها لا تجد طريقة لهذا العبور، إذ أن جبروت حركة المرور يقرر السير فقط لسالكي شارع الجمهورية، وهو يومئذ شارع رئيس، وبدا أن فرص السيارات التي تود عبور (جمهورية السيارات) كانت أقل من فرص اليسار في الانتخابات، وربما كان الأمل في هذه الحالة هو وجود شرطي مرور، إلا أن هذا التقاطع الذي يأتي بالسيارات من شارع البرلمان إلى شارع البلدية، كان ساعتها خالي الوفاض، خالٍ من شرطة المرور، وكانت المفاجأة أن نهض رجل (مُختل العقل) إلى منتصف الطريق، وسط انتباه المارة، ثم أوقف حركة السير، ثم قام بتمرير تلك السيارات في الاتجاه التقاطعي، وحتى إذا ما عبرت آخر سيارة أمر الحركة بأن تواصل سيرها، ثم انصرف بهدوء من منتصف الطريق وذهب في حاله، والرجل بالمواصفات المتعارف عليها يعتبر مجنوناً، وهو كث شعر الرأس، يلبس ثياباً غير متناسقة، حافي القدمين حاسي الرأس، لكنه في المقابل بمقاييس العقل الذي فعله، فك اختناق حركة المرور، يُعتبر أكثر عقلانية من كل أهل المدينة، حتى قلت لمرافقي، عجب لبلد (مجانينها عقلاء) و(عقلاؤها مجانين)!. وأحيلكم إلى حركة سير أخرى، حركة سير الانتخابات، ألم ينهض في المقابل أُناس (بدرجة زعماء) في وجه عمليات سير الانتخابات لأجل توقيفها تارة، وتخريبها والتشكيك فيها تارة أخرى؟، وحتى حالات الانسحاب التي قام (بعض العقلاء) بها لم تكن لصالح إفساح الطريق ليمر موكب الانتخابات بسلام، ولكنها كانت لأجل تشويهها، لتُزج كما لو أنها (انتخابات فاقدة الشرعية)، وكنا يومئذ نحتاج إلى (رجل مجنون) بمواصفات رجل شارع الجمهورية، ليتدخل لصالح سير حركة مرور الانتخابات، ليفسح الطريق أمام هذه الأحزاب التي تقف عند التقاطع، الأحزاب المقاطعة، ثم بعد أن تعبر طريق الانتخابات، يأتي بالتي لم تمر لتمر وتعبر الطريق بسلام، إلا أننا لم نعثر على (مجنون عاقل) في الوسط السياسي ليصنع قدراً من التصالح لأجل أن يعبر الوطن طريق هذه المرحلة المعقدة. هذه الأحداث المتشابكة في الطرقات المرورية والسياسية، ربما تزلزل الأرض تحت بعض المفاهيم، وعلى الأقل مفهوم (الجن والعقلانية)، فهل يعتبر (رجل الجمهورية) مجنوناً، ورجال تلك الأحزاب، ممن يسعون لارتباك حركة مرور الوطن، هم عقلاء؟، وحتى هؤلاء السائقين، ممن تعطلت عقولهم وتجمدت عند هذا التقاطع المروري، هل بإمكاننا أن نمررهم من أي (شُبهة خبالة)؟! فلماذا لا نعطي فرصة (لهؤلاء المجانين) ليرسموا لنا بعض (ملامح عبور) المرحلة المقبلة، لعل في رسوماتهم هذه (ما يفك أسر حركة السير السياسي)؟! والله أعلم..