أكد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي أن السودان كان مؤهلاً لنموذج انتخابي مختلف، ولكنه قدَّم نموذجاً معيباً. مبيناً أن حزبه بصدد إصدار كتابٍ أسود عن الأخطاء اللوجستية والقانونية لمفوضية الانتخابات. معلناً أنه سيتحرك دولياً، وأن الأمة سيطرح أفكاراً متنوعة من أجل التغيير في المرحلة المقبلة، موضحاً أن لديه استعداد للتعاون مع الحكومة الجديدة، شريطة الاعتراف بالمشاكل، وضرورة تعاون الجميع في حلها. وقال المهدي في حوار خاص ل«الأهرام اليوم» إن اليمين الأمريكي القريب من إسرائيل يسعى لتفتيت السودان، وأن سياسات المؤتمر الوطني تساعد هذا الاتجاه. في ما يلي نص الحوار. سيِّد صادق، في البداية ما تعليقك على العملية الانتخابية التي جرت في السودان؟ - حوَّلوا العرس إلى مأتم، وفاتت فرصة كبيرة على البلاد، وكنا نقول إن هنالك ضرورة لانتخابات حرَّة نزيهة، وكان سبب اتفاق التراضي الوطني بيننا وبين المؤتمر الوطني هو إزالة العقبات أمام الانتخابات، ولكن هذا المشروع أُجهض، واتفقت أحزاب المعارضة في جوبا على معالجة مشاكل معينة مثل الإحصاء السكاني والحريات العامة، وغيرها من المطالب الضرورية، ولكنها رُفضت أيضاً. وما سبب مقاطعتك للانتخابات قبل قيامها بعد دخولك في كل إجراءاتها الأولية؟ - كانت لنا تحفظات منذ البداية على إجراءات مفوضية الانتخابات، التي كان بها انحياز واضح للمؤتمر الوطني، ولكننا شاركنا للنهاية، ولأهمية العملية عرضنا 8 شروط مخففة على المؤتمر الوطني، وكان بها تنازل كبير من جانبنا، وذلك لإيماننا بضرورة إكمال الانتخابات، وقبلوا 80 %من هذه الشروط، ورفضوا تأجيل الانتخابات لمدة أربعة أسابيع، وانقسم المكتب السياسي في الحزب حول المقاطعة، فهناك نسبة طالبت بالمشاركة، ونسبة طالبت بالمشاركة الجزئية، وأخرى طالبت بالمقاطعة، وأنا رأيت أن نوحد الكلمة، وعرضت على المكتب السياسي إما أن نشارك أو نقاطع، وقررنا المقاطعة. وما هو تقييمكم للعملية الانتخابية برمتها؟ - في بداية الانتخابات ظهرت عيوب لوجستية كبيرة، منها عدم وصول أوراق الترشيح، أو تبديلها بين المراكز وبعضها، أو أخطاء في أسماء ورموز المرشحين، وبعض الذين كانوا يُحسبون على المؤتمر الوطني انسحبوا من الانتخابات، ونحن الآن بصدد عمل كتاب أسود عن الأخطاء اللوجستية والقانونية للمفوضية، بالإضافة إلى أنه كانت هنالك أمور سيئة حدثت، مثل ظهور بعض الجماعات التي كانت تدعو لتكفير من يرشح امرأة أو مسيحياً، وهؤلاء كانوا يؤيدون المؤتمر الوطني، وكذلك منبر السلام العادل الذي يدعو للكراهية، والقانون يمنع ذلك. والأساليب الفاسدة التي مورست في الانتخابات أدت إلى تدني مستوى النزاهة، وقلنا بوضوح إن فرصة انتخابات حرة نزيهة قد ضاعت، وكنا نعتقد أن السودان مؤهل لنموذج مختلف، ولكنه قدَّم نموذجاً معيباً، وخلَّف مناخاً سيؤثر سلبياً على الاستفتاء، وكنا نأمل أن يأتي بعد انتخابات نزيهة، لنشعر بفرحة الوحدة أو الجوار الأخوي، ولكن للأسف المناخ الذي أسفرت عنه الانتخابات سيخلق توتراً كبيراً بين الشمال والجنوب. وما تعليقك على انتخابات الجنوب؟ - ممكنٌ أن تكون هناك تشويهات في اتهام الحركة الشعبية بالتزوير في الجنوب، ولكننا سواء أفي الشمال أو في الجنوب؛ سنجري دراسة شاملة وسنقيِّم الأمر بعد الانتخابات. هنالك من يرى أن التصريحات المتضاربة لقادة الحركة الشعبية ما هي إلا توزيع أدوار. ماذا ترى في ذلك؟ - لا أعتقد أن موقف الحركة به توزيع أدوار، ولكن هناك انقسام بالحركة، ومنهم من استعدوا للانفصال، وهم غير معنيين بما يحدث في الشمال، وهناك تيار في الحركة لديه رسالة أوسع وهي رسالة السودان الجديد، التي تفرض عليهم خط الإصلاح في السودان، بما يحافظ على الوحدة في إطار جديد، وسوف نساعد على تغلب الأفكار التي تتطلع للوحدة. المبعوث الأمريكي سكوت غرايشن صرَّح بأن الانتخابات نزيهة. ما رأيك؟ - كلام غرايشن متناقض وبه مجاملات، ونحن نحتاج لمن ينصح المؤتمر الوطني، فهو لا يحتاج لمؤيدين، وعموماً أمريكا ليست مهتمة بالانتخابات، فهم يريدون تقرير المصير، ويرون أنه الأهم، وهناك رأي آخر في أمريكا مشغول بالانتخابات، ومستعد لقبولها، المهم تقرير المصير، ومستعدون أن يتغاضوا عن أي تشويهات في سبيل الاستفتاء، وغرايشن يمثِّل هذا التيار، وهناك رأي أمريكي بأن المنطقة العربية أصلاً غير مؤهلة لديمقراطية، ولا يمكن أن تأتي تجربة السودان مختلفة، وهناك رأي اليمين الأمريكي القريب جداً من إسرائيل، ويرى هذا التيار أن إسرائيل لا يمكن أن تنعم بالسلام، إلا إذا اشتعلت الحرب في الدول العربية، حتى يتسنى لهم تفكيك الجسم العربي، وهم متحمسون جداً، وهناك منظمات منهم مستبشرة باستمرار المؤتمر الوطني، فهو أقرب مشروع لتفتيت السودان، وسيؤدي للانفصال، وإغلاق السلام في دارفور، وهو بالنسبة لهم الأفضل، وهناك تيار يرى معاقبة الشمال ومكافأة الجنوب، وهناك عقلاء في أمريكا، لكن سياسة المؤتمر الوطني أغلقت الطريق أمامهم، وهم يرون أن السودان يجب أن يظل موحداً، حتى لا يؤدي تقسيمه إلى وجود حركات انفصالية في المنطقة تطالب بالانفصال، لأنه إذا فُتح هذا الباب فسوف تقوم حركات مماثلة كبيرة في إفريقيا. هناك مجموعة كبيرة من حزب الأمة شاركت في الانتخابات، ما تعليقك على هذا الأمر؟ - هم مجموعة محدودة، وهم معذورون، لأننا جهزنا أنفسنا إلى آخر لحظة للمشاركة، وكان لدينا برنامج قوي، وكان قرار مقاطعتنا مفاجئاً، ولكنه لاقى استحساناً كبيراً من قواعدنا، في ما عدا هذا، الانفلاتات البسيطة التي شاركت. هل أثرت هذه التجربة على حزب الأمة؟ - هذه التجربة زادتنا قوة، ولم تضعفنا كما يتصور البعض، وزاد التأييد الشعبي للحزب، وحزب الأمة، هذا الفيل العملاق، لا يمكن تجاهله، وكنا نمارس نفوذاً ونحن خارج البرلمان، فداخل البرلمان أو خارجه لا يؤثر على قدراتنا في التحرك، وسوف نستمر في تحركاتنا الدولية والإقليمية. وما هي خطتكم في المرحلة المقبلة؟ - ستكون لدينا خطوة تنظيمية للاستفادة من التجربة للمرحلة المقبلة، طرح فكرة نتعامل بموجبها مستقبلاً، وطرح مشروع في إطار الاتفاق الوطني، وسيكون لدينا طرح إقليمي وعربي ودولي وإسلامي، وسنتحدث لأمريكا، وسنتحدث معهم عن الحل في إطار التغيير، على الرغم من أن أوباما مكبَّل (بلوبيهات) في الحكم، ولكن إذا استمرت السياسة الأمريكية بالمفاهيم القديمة؛ فسيؤدي ذلك إلى كراهيتها في المنطقة، وستكون لدينا محاولة كبيرة، في ماذا يجب أن تفعل أمريكا، وإلا فكلامها عن التغيير سيكون غير صحيح. هنالك أقاويل عن نيَّة المؤتمر الوطني في تشكيل حكومة قومية. هل لو عُرضت عليك المشاركة ستوافق؟ - إذا أدركت هذه المجموعة أن لنا وجود كبير خارج المؤسسات، واعترفت بذلك، وتحاول إيجاد موقف مشترك لمواجهة قضايا البلاد، لأن الحكام الذين ستفرزهم هذه الانتخابات سيواجهون مشاكل كبيرة، منها تنفيذ الاستفتاء، وضرورة زيادة فرص الوحدة، والعمل في حالة عدم قيامها على انفصال أخوي، وإمكانية النجاح فيه تعتمد على التوافق الوطني، لإيجاد برامج بين القوى السياسية داخل وخارج المؤسسات، وهناك مشكلة دارفور، وهناك حركات بها ترفض الانتخابات ونتائجها، ويجب أيضا ضرورة الاتفاق على حل سياسي لهذه الأزمة، والإيمان بأن يجري هذا الحل بالتعاون بين الجميع، ولا بد من حماية الحريات، وهذا تحد كبير للحاكم الجديد، وكذلك الوضع الاقتصادي، فهناك إهمال كبير لقطاعي الزراعة والصناعة، ويعتمدون على البترول، وبعد الانفصال سيضيع جزء كبير منه، وحتى إذا كانت هناك وحدة فسيكون هناك جزء كبير سيذهب للجنوب، وهناك قضية أساسية وهي المحكمة الجنائية الدولية والتعامل معها، وسيكون تحرك البشير مشلولاً، فالقرار مستمر، وهو قرار مجلس الأمن أيضاً، وليس المحكمة بمفردها، والسودان في المرحلة القادمة يحتاج لتحرك دولي، وعلينا 34 مليار دولار ديون، وعندنا استحقاق للإعفاء من هذا الدين، وهذا يحتاج تحركاً نشطاً من رأس الدولة، وهناك أيضاً أهداف الألفية التي تستوجب إقامة شراكة بين الأغنياء والفقراء في العالم، وهذا أيضا يحتاج لتحرك، وكذلك مفهوم العدالة البيئوي، وفيه تحويل كل الأنشطة المنزلية إلى الأشعة الشمسية، والزحف الصحراوي، وغرس تريليون شجرة لمواجهة هذا الزحف، وقرروا دفع 100 مليون دولار لهذه الأمور، وهذا يستوجب التحرك، وهناك اتفاقية مشتركة بين أفريقيا وأوروبا، ولنا فيها مليار ونصف دولار، ولن نستطيع الصرف إلا بعد التوقيع على الاتفاقية، ولكن الدول المشاركة بها تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية، ولذلك فإن السودان سيكون مشلولاً ما لم تعالج هذه القضايا. ما زال سؤالي قائماً، هل ستشارك في الحكومة الجديدة إذا طلبوا منك؟ - هناك طريقان، إما الاعتراف بالمشاكل وضرورة التعامل من داخل الأجهزة أو خارجها، وإذا حدث الاعتراف سنتعامل معهم بالأمر الواقع، وسنكون واقعيين، ولا بد أن نتفق على انتخابات جديدة بعد الاستفتاء وسلام دارفور، ولا بد أن نتحاشى الأخطاء في إطار السلام، هذا هو السيناريو الممكن، إذا حدث سنكون معارضة إيجابية، وإذا لم يحدث سيكونوا أخذوا التصويت من الشعب، وسيحدث استقطاب، وفي هذا المناخ ستجد الحكومة نفسها محاطة بأشياء كثيرة من السلام، ودارفور، وإتاحة الحريات وغيرها، وكلها تصب لصالح المعارضة، وموقفنا هو التعاون من أجل حل هذه المشاكل. على أي حال سيكون لدينا استعداد للتعاون لمواجهة المرحلة المقبلة وليس لزيادة التعقيدات. كيف ترى الدور المصري في المرحلة المقبلة في السودان؟ - الدور المصري مهم، واقترحنا على المصريين أنه يجب تكوين مجموعة عمل من الأطراف المصرية المعنية بالسودان، لتشخيص كامل للحالة السودانية، وكلنا مستعدون لهذا النوع من التعاطي، خصوصاً ونحن ندرك أن مصر معنية بالسودان، وكل مشاكل السودان ستضر مصر في المقام الأول، وهناك أزمة كبيرة يجب أن يتحرك السودان فيها وهي أزمة مياه النيل، ويجب أن يكون للسودان دور فيها، ولكنه مشلول ولن يستطيع القيام بهذا الدور، في ظل وجود رئيس لا يستطيع الحركة خارج البلاد.