السعي لقيام الحكم الراشد والمحاسبة والشفافية والديمقراطية وحكم القانون على مستويات الحكم كافة لتحقيق سلام دائم؛ مبادرة أرستها اتفاقية السلام الشامل، وتأتي الانتخابات كأحد تمثلات التحول الديمقراطي المنشود، وهو الأمر الذي كانت تعوِّل عليه القوى السياسية المعارضة لإحداث تغيير في بنية الحكم، إلا أن آليات هذا الاتجاه تجمدت مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات، بالنظر إلى رفض المؤتمر الوطني لأطروحاتها المتعلقة بتهيئة المناخ للتحول الديمقراطي، بدءاً من مطالبتها بتعديل ما اصطلح عليه بالقوانين المقيِّدة للحريات، وانتهاءً باحتجاجها على قانون الانتخابات والإجراءات التي رسمت خطوات انعقادها، والمطالبة بحكومة قومية تتولى أمر الانتخابات. لتأتي الانتخابات بنتائجها المعلنة وسط مقاطعة معظم القوى السياسية المعارضة، وتفرز وضعاً مشابهاً للوضع الذي أسسته اتفاقية نيفاشا من حيث قسمة السلطة. فالمؤتمر الوطني والحركة الشعبية حازا على معظم المقاعد التنفيذية والتشريعية بحسب ثقل السلطة لكلٍّ شمالاً وجنوباً. فهل سيمهد الوضع الحالي لتحول ديمقراطي، بالنظر إلى أن الأمر جزء من اتفاقية السلام؟ يقول القيادي بالمؤتمر الشعبي المحبوب عبد السلام ل«الأهرام اليوم» إن التحول الديمقراطي له مراحل وخطوات لم يتحقق منها شيء حتى الآن، ذلك أن الاتفاقية تتحدث عن وثيقة للحريات والحقوق والمصالحة الشاملة ومن بعد ذلك تأتي الانتخابات، والآن وصلت للانتخابات ولا شيء تحقق من كل ذلك. ويرى المحبوب أن تركيبة البرلمان القومي الذي تتكون غالبيته من المؤتمر الوطني لن يكون فاعلاً في هذا الاتجاه، بل سيكون أسوأ من البرلمان الانتقالي السابق، وربما يأتي التوازن في هذا السياق من الجهاز التنفيذي الذي سيتفوق على التشريعي في ما يلي مخاطبة قضايا البلاد في دارفور والجنوب التي تحتاج لمعالجات من النواحي التشريعية، خاصة في دارفور. ويقلل المحبوب من دور الحركة الشعبية باتجاه توطيد الممارسة الديمقراطية ومخاطبة قضايا البلاد العامة، ويقول إن من الواضح في سلوك الحركة أنها تجنح لإيثار السلامة وستمضي الأمور حتى وصول مرحلة الاستفتاء بدون معارضة لسياسات الوطني في إدارة شؤون البلاد، ومن ثم فصل جنوب البلاد. غير أن القيادي بالمؤتمر الوطني ونائب والي جنوب كردفان السابق عيسى بشرى يرى أن التحول الديمقراطي ماضٍ وفق ما أقرته الاتفاقية بإتاحة الحريات للجميع والمشاركة بالرأي والتنظيم وأن وجود الأحزاب خارج أطر الأجهزة التنفيذية والتشريعية لا يقدح في هذا الأمر. ويشير إلى أن وجود مقاعد للأحزاب وإن كانت في حدود مقعد واحد أو اثنين من شأنه أن يمكنها من طرح رؤاها. ويقرن بشرى ماهية التحول الديمقراطي بالرجوع للشعب. إلا أنه يرى أن ما أفرزته الانتخابات «من تفويض الشعب لحزب واحد، مدرسة جديدة». ويضيف بشرى أن الانتخابات التي أفرزت تسيّد الوطني للساحة ليست نهاية المطاف، فهناك دورات قادمة. ويرمي بشرى باللائمة على الأحزاب في إخراج الوضع الحالي برهانها على عدم قيام الانتخابات والحكم عليها بالتزوير، ويقول إن الأحزاب قاطعت بمحض إرادتها وعليه فإن هناك نواباً يحملون هموم المواطنين، وفي القضايا العامة مساحة لممارسة العمل الديمقراطي للقوى السياسية. رئيس جبهة الإنقاذ الديمقراطية فاروق جاتكوث يقطع بأن: ما جرى منذ مبتدأ تنفيذ نيفاشا لا يمت للديمقراطية بصلة، كل السنوات الماضية من عمر الاتفاقية كان مقرراً أن تكون عملاً لإرساء دعائم التجربة الديمقراطية، ولكننا لم نر شيئاً من ذلك كل ما هنالك انتخابات تفرَّد المؤتمر الوطني بنتائج الفوز فيها بولايات الشمال، والحركة الشعبية بولايات الجنوب، وفي تقديري لم يكن هناك من داعٍ لإقامة انتخابات معروف سلفاً تكريسها للوضع القائم. الأحقاد هي نتاج الانتخابات، وليست الديمقراطية، وإن الترتيبات التي جرت بها أبعد ما تكون عن فلسفة الديمقراطية. غير أن جاتكوث يدعو للتعامل مع الواقع الذي أفرزته التجربة والتسليم به باعتبارها خطوات أولى نحو تحول ديمقراطي حقيقي. ويقدم ضرورة الوصول لمرحلة الاستفتاء ووجوب وجود الشروط اللازمة لانعقاده المتمثلة في الحكومة المنتخبة، مبرراً لذلك باعتبار أن الاستفتاء نص أصيل في نيفاشا ولا بد من الوفاء به. على الجانب الآخر تتحفز أحزاب المعارضة للتعبير عن رفضها ضياع الحلم الديمقراطي بالخطوات التي أعلنتها لمناهضة نتائج الانتخابات باجتماعاتها التي ما زالت ترتب للأمر رغم تشكيك المؤتمر الوطني في حشد أنصارها لمثل هذا العمل ومحاولة إدراجه ضمن سلسلة المحاذير التي تمس أمن البلاد وسلامتها كما ألمح إلى ذلك والي الخرطوم حينما قال إنه لن يسمح بأن تكون الخرطوم كطهران. وعليه فإن الأيام ستكشف عن ماهية تعامل الحكومة مع ردود أفعال المعارضة وهي تحاول التعامل مع واقع ما بعد الانتخابات.