السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    إبراهيم شقلاوي يكتب: يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تراجع المعارضة وتكريس استقطاب الشمال- الجنوب
الانتخابات السودانية 2010 (1)
نشر في الصحافة يوم 09 - 12 - 2010

صدرت هذه الدراسه فى سلسلة كراسات استراتيجية الصادرة عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام تحت رقم 211 لسنة 2010 .
حظيت الانتخابات السودانية التي أجريت في أبريل 2010 باهتمام واسع النطاق على المستويين الإقليمي والدولي، فضلا عن الاهتمام الداخلي غير المسبوق، حيث كانت بمثابة الشغل الشاغل لكل المواطنين وللقوى السياسية على اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها، سواء في الشمال أو في الجنوب. هذا الاهتمام الخاص لم يكن مستغربا، إذ تعد هذه الانتخابات أول انتخابات تعددية ديمقراطية خلال أكثر من عشرين عاما، منذ وصول نظام الإنقاذ إلى السلطة عبر انقلاب 30 يونيو 1989، بالإضافة إلى الطبيعة الاستثنائية لهذه الانتخابات من حيث الاتساع والشمول، ومن حيث التوقيت، وكذلك من حيث الآثار المترتبة عليها، مما جعلها الأكثر أهمية في تاريخ الحياة السياسية في السودان منذ حصوله على الاستقلال في الأول من يناير عام 1956. فقد جرت هذه الانتخابات في لحظة حرجة وفاصلة فيما يتعلق ببنية الدولة السودانية وبحدود ترابها الوطني، وبطبيعة النظام السياسي القائم وآلياته ومصدر شرعيته، كما تأتى قبل بضعة أشهر فقط من استفتاء جنوب السودان على حق تقرير المصير.
هذه الانتخابات أجريت طبقا لما قررته اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) الموقعة في 9 يناير 2005 التي تم تضمينها بالكامل في الدستور الوطني الانتقالي للسودان الذي تم إقراره في نفس عام توقيع الاتفاقية، والتي نصت على إجراء انتخابات عامة في النصف الثاني من المرحلة الانتقالية. كما نصت المادة (216) من دستور السودان الانتقالي لسنة 2005 على أن تُجرى انتخابات عامة على كل مستويات الحكم في موعد لا يتجاوز نهاية العام الرابع من الفترة الانتقالية، أي في موعد أقصاه 9 يوليو 2009، على أن تكون هذه الانتخابات تحت رقابة دولية، حتى تتمخض عنها حكومة منتخبة، تقود البلاد إلى الاستفتاء على حق تقرير المصير لجنوب السودان المقرر له أن يتم في 9 يناير 2011.
غير أن التحديات العديدة التي واجهت تطبيق اتفاقية نيفاشا، بالإضافة إلى الخلافات العديدة حول جملة القوانين والإجراءات المنظمة للعملية الانتخابية، أدت إلى إرجاء الانتخابات أكثر من مرة حتى استقر الأمر على إجرائها في الفترة من 11 إلى 18 أبريل 2010، الأمر الذي يعنى أن الحكومة التي سوف تفرزها هذه الانتخابات لن تكون أمامها فرصة كافية للتأثير على مجريات الأمور قبل الاستفتاء على تقرير المصير، إذ سرعان ما سوف يدهمها الاستفتاء على حق تقرير المصير، الذي تدل كل المؤشرات على أنه سيكون لمصلحة الانفصال بنسبة عالية، ومن ثم فسوف يكون هناك وضع دستوري جديد يقتضى بالضرورة إعادة النظر في تكوين المجلس الوطني وكذلك مجلس الولايات الذي يمثل الغرفة الثانية من البرلمان، طبقا لنيفاشا.
قد يوحى ذلك بعدم أهمية نتائج هذه الانتخابات، غير أن ذلك غير صحيح، حيث كان من المفترض طبقا لاتفاقية السلام الشامل أن ترعى هذه الحكومة عملية تطبيق الاتفاقية، وأن تقوم بتحسين أو إيجاد الظروف التي تجعل الوحدة بديلا جاذبا، وأن تمثل أيضا الخطوة الأساسية في مسار التحول الديمقراطي في السودان. فإذا كانت الانتخابات، بحكم تأخرها عن موعدها المحدد، قد حادت عن الهدف الأول، أو لن تتمكن من الإسهام بقدر وافر في تحقيقه، فإنه كان من المنتظر أن تبقى لها أهميتها الخاصة والمركزية في إحداث نقلة في مسار التفاعلات السياسية في السودان عبر تكريس التحول من الاحتكام للسلاح لحسم الخلافات أو المنازعات السياسية، إلى الاحتكام للأداة السلمية من خلال العودة إلى صاحب الحق الأصيل، وهو المواطن، عبر الانتخابات التي تنظمها مجموعة من القواعد والضوابط المحددة والمتفق عليها سلفا.
الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بهذا المعنى، ليست سوى تتويج للمشروع السياسي الذي أفرزته اتفاقية نيفاشا والذي يمثل أهمية خاصة بالنسبة للحياة السياسية السودانية. وهو قيام السودان على أساس مشروع تعاقدي، وعلى التراضي والقبول بالخيارات الشعبية، لاسيما أن الاتفاقية نفسها تقول بوجوب أن تتم هذه الانتخابات في ظل وجود رقابة دولية، ومن ثم فقد كان من المفترض أن تفرز هذه الانتخابات حراكا واسعا يهز كل مكونات الحياة السياسية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن ما زاد من أهمية هذه الانتخابات وجود اتفاق عام على أن ما سيتمخض عنها من نتائج سيلعب دورا رئيسيا في القضايا والتفاعلات المفضية إلى الاستفتاء على حق تقرير المصير لجنوب السودان، وتلك التي قد تنتج عن اختيار الجنوبيين للانفصال، مثل قضايا الحدود، والنفط، والمياه، والديون، والأصول المشتركة، وأوضاع الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب.. إلخ، وغير ذلك العديد من القضايا والتحديات التي سوف يحدد طريقة التعامل معها نمط العلاقة بين الدولتين الشمالية والجنوبية، وهل ستأخذ هذه العلاقات نمطا تعاونيا أم صراعيا، وهل سينتج عن الانفصال سلام واستقرار أم أنه سيكون بداية لمرحلة جديدة من الحروب المباشرة أو غير المباشرة.
في هذا السياق، من المهم أن نبدأ بتحديد الملامح العامة للإطار الدستوري والقانوني الذي أجريت في ظله هذه الانتخابات، لنناقش بعدها هذه الانتخابات بالتفصيل وتداعياتها المحتملة بالنسبة لمستقبل النظام السياسي السوداني.
أولا: الإطار القانوني والتنظيمي للانتخابات
استندت العملية الانتخابية من الناحيتين الدستورية والقانونية(1) إلى مجموعة من المرجعيات الأساسية، تمثلت في دستور السودان الانتقالي لسنة 2005، واتفاقية السلام الشامل الموقعة بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان بنيروبي في يناير 2005، وقانون الانتخابات لسنة 2008. وبعد الكثير من المناقشات والحوارات بين القوى السياسية المختلفة تم التوافق على النظام الذي سوف تجرى على أساسه هذه الانتخابات، على أساس صيغة تجمع بين التمثيل الجغرافي والتمثيل النسبي. ونشير فيما يلي إلى أهم عناصر الإطار القانوني والتنظيمي الذي جرت فيه هذه الانتخابات.
1- الجمع بين أكثر من نظام انتخابي
اتسم النظام الانتخابي السوداني بدرجة ملحوظة من التعقيد والتركيب، فقد أخذ القانون بقاعدة الأغلبية، حيث يفوز المرشح أو الحزب الذي يحصل على أغلب الأصوات بالمقاعد المطروحة للتنافس، جنبا إلى جنب مع قاعدة التمثيل النسبي، حيث تفوز الأحزاب السياسية بعدد من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي حصلت عليها.
وحتى فيما يتعلق بقاعدة الانتخاب بالأغلبية، فقد جمع النظام الانتخابي بين قاعدتي الأغلبية المطلقة والبسيطة، حيث تم الأخذ بقاعدة الأغلبية المطلقة في انتخابات رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب. ووفقا لهذه القاعدة يصبح المرشح فائزا في حالة حصوله على أكثر من نصف عدد الأصوات الصحيحة. أما في حالة عدم حصول أي من المتنافسين على أكثر من نصف الأصوات، تقوم مفوضية الانتخابات بإجراء «جولة ثانية» من التصويت بين المرشحين الاثنين الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات الصحيحة، حيث يفوز المرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات. كما تم الأخذ بقاعدة «الأغلبية البسيطة» في انتخابات ولاة الولايات، والمقاعد الجغرافية في المجالس التشريعية (60% من إجمالي مقاعد هذه المجالس). ووفقا لتلك القاعدة يصبح المرشح فائزا في حالة حصوله على أعلى الأصوات بغض النظر عن حصوله على أكثر من نصف الأصوات من عدمه. وهكذا، فإن الانتخاب وفقا لتلك القاعدة لا يحتاج لجولة ثانية من التصويت.
أما قاعدة التمثيل النسبي فقد صُممت أساساً لاختيار المجالس التشريعية بهدف تمثيل كل الآراء السياسية في المجتمع، لا رأي الأغلبية فقط، كل وفق وزنه وثقله السياسي. وقد اشتمل قانون تنظيم العملية الانتخابية على تحديد دوائر للمرأة وللأحزاب على أساس التمثيل النسبي لأول مرة في تاريخ السودان، وذلك في انتخابات المجالس التشريعية (المجلس الوطني، مجلس تشريعي جنوب السودان، المجالس التشريعية للولايات). وتجرى الانتخابات وفق تلك القاعدة في الدوائر التي تتنافس فيها القوائم الحزبية، حيث يشارك كل حزب بقائمة من المرشحين بحد أقصى يساوي عدد المقاعد المطروحة للتنافس. ويصوت الناخبون هنا للقائمة، وتقسم المقاعد على الأحزاب التي تحصل على أصوات أكثر من الحد الأدنى الانتخابي بما يتناسب مع مجاميع أصواتها. ويتم توزيع عدد المقاعد التي يحصل عليها الحزب وفقا لتسلسل المرشحين داخل القائمة.
وهكذا، جمعت الانتخابات السودانية بين صيغتي الأغلبية والتمثيل النسبي في نفس العملية الانتخابية. وقد تم تطوير هذه الصيغة المركبة على خلفية الواقع السوداني، من حيث المساحة الشاسعة، واختلاف مستويات الوعي والتعليم. فإذا نظرنا إلى انتخابات المجلس التشريعي الوطني، على سبيل المثال، نجد أن 60% من المقاعد مخصصة لما يعرف بالدوائر الجغرافية ويتم فيها الانتخاب بالنظام الفردي، بينما تتم الانتخابات في المقاعد المتبقية (40%) وفقا لنظام التمثيل النسبي، حيث تُخصص 15% منها للأحزاب المسجلة قانونا، و25% للمرأة.
والهدف من التمثيل النسبي هو تقوية الأحزاب السياسية، حيث يتم التصويت للقوائم على أساس البرنامج الانتخابي أو الولاء الحزبي. ويشترط لتمثيل الحزب في الهيئة التشريعية أن يحصل على 4% من الأصوات الصحيحة. أما الهدف من تخصيص مقاعد للمرأة فيتمثل في توفير فرص أفضل لها للفوز بنسبة ربع المقاعد كحد أدنى، مع ملاحظة أن هذه النسبة قد تزيد لأنه ليس هناك ما يمنع من ترشح المرأة في المقاعد المخصصة للدوائر الجغرافية أو على قوائم الأحزاب .
2- تعدد مستويات الانتخابات
على صعيد آخر، يمكن القول إن هذه الانتخابات كانت هي الأولى من نوعها في تاريخ السودان منذ استقلاله من حيث الشمول والحجم، حيث أُجريت الانتخابات في ستة مستويات:
- ثلاث مستويات تنفيذية، وتشمل انتخاب رئيس الجمهورية، ورئيس حكومة الجنوب، وولاة الولايات (يتكون السودان من 25 ولاية). وفي هذه المستويات الثلاث يتم انتخاب شخص واحد ذو صلاحيات تنفيذية في كل موقع من هذه المواقع، وتتم طبقا للدائرة الانتخابية للمنصب. حيث تكون الدائرة هي السودان كله بالنسبة لرئيس الجمهورية، وإقليم جنوب السودان بالنسبة لانتخاب رئيس حكومة الجنوب، أما الوالي فدائرته الانتخابية هى الولاية.
- ثلاثة مستويات تشريعية، وتشمل المجلس الوطني (البرلمان)، ومجلس الجنوب التشريعي، ومجلس الولاية التشريعي.
بهذا المعنى، جرت الانتخابات السودانية على عدد كبير من المواقع التنفيذية والتشريعية، شملت، بالإضافة إلى موقعي رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب، التنافس على 450 مقعداً للمجلس الوطني، و 25 موقعا لولاة الولايات (15 ولاية في الشمال، 10 ولايات في الجنوب) و170 مقعدا للمجلس الإقليمي التشريعي في الجنوب، و 48 مقعدا لكل ولاية من الولايات (عدا ولايتي الخرطوم وجنوب كردفان، بسبب الوضعية الخاصة للخرطوم العاصمة وتأجيل الانتخابات في ولاية جنوب كردفان بسبب الخلافات المستعصية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على صحة سجلات الناخبين).
وقد أدى تعدد مستويات هذه الانتخابات من ناحية، وكثرة عدد المواقع والمقاعد موضوع المنافسة من ناحية أخرى، إلى وجود عدد كبير من الصناديق التي يتوجب على الناخب التعامل معها؛ ففي شمال السودان كان على الناخب التعامل مع ثمانية صناديق انتخابية، هي: صندوق انتخاب رئيس الجمهورية، ثم صندوق انتخاب الوالي، وثلاثة صناديق لانتخابات المجلس الوطني (البرلمان) أحدهم للدوائر الجغرافية، والثاني لمقاعد القوائم الحزبية، والثالث لمقاعد المرأة. هذا بالإضافة إلى ثلاثة صناديق مماثلة للمجلس التشريعي للولاية.
أما الناخب الجنوبي فقد كان عليه التعامل مع اثني عشر صندوقاً، فبالإضافة إلى الصناديق الثمانية السابقة، كان عليه التعامل مع أربعة صناديق أخرى، الأول لانتخاب رئيس حكومة إقليم جنوب السودان، والثلاثة الأخرى لانتخاب أعضاء المجلس التشريعي لإقليم الجنوب (صندوق لمقاعد الدوائر الجغرافية، وآخر لمقاعد القوائم الحزبية، والأخير لمقاعد المرأة).
كما اتسمت هذه الانتخابات أيضا بكثافة المرشحين، واللذين بلغوا أكثر من 14 ألف مرشح (حزبي ومستقل)- من بينهم 10 مرشحين على مقعد رئيس الجمهورية وحده- مثلوا 73 حزبا سياسيا من إجمالي 83 حزبا، تنافسوا على نحو ألفى منصب تنفيذي وتشريعي. وقد أدى هذا الكم الكبير من المرشحين، والأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات، والمواقع المتنافس عليها، إلى ارتباط هذه الانتخابات بأكبر حملات انتخابية من نوعها في تاريخ التطور السياسي في السودان، وهو ما أضاف أعباء على مفوضية الانتخابات التي أعلنت عن إنشاء 21 ألف مركز اقتراع (14 ألفا في الشمال، 7 آلاف في الجنوب)، و139 ألف صندوق اقتراع، وطباعة 208 ملايين بطاقة اقتراع(2).
وبالنظر إلى المساحة الشاسعة والحدود المفتوحة للسودان، وعدم توافر بطاقات تحقيق شخصية لكثير من المواطنين، فقد حَدّدت المفوضية القومية للانتخابات، إجراءات التحقق من شخصية الناخب في الانتخابات استنادا على المادة (22 ب) من قانون الانتخابات، والمادة (44) من القواعد العامة للانتخابات، بما سمح بإسناد مهمة التعرف على الناخب إلى القيادات الشعبية والأهلية المحدد تواجدها داخل اللجنة الانتخابية. ومن جانبها، أعلنت وزارة الداخلية عن نشر أكثر من 100 ألف جندي لتأمين مراكز الاقتراع، وتشكيل غرفة مركزية للشرطة بالتنسيق مع المفوضية القومية للانتخابات والولايات لتوفير أية معلومات حول سير العملية الانتخابية.
كما بلغت التكلفة الأولية المقدرة لهذه الانتخابات حوالي 312 مليون دولار، ساهمت العديد من الهيئات والدول المانحة بتوفير 43% منها (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوربي، المعونة الأمريكية وبعض الدول الأخرى)، الأمر الذي عكس حجم التأييد الدولي الواسع لإجراء هذه الانتخابات في الموعد المعلن عنه، وحرص الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص التي أولت اهتماما ملحوظا بتطبيق اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) إلى نهاياتها، طبقا لتصريحات المبعوث الرئاسي الأمريكي «سكوت جريشن» الذي أكد أكثر من مرة أن حكومته تقف مع إجراء كل من الانتخابات العامة في السودان في موعدها المحدد انتهاء بالاستفتاء على حق تقرير المصير في الجنوب.
3- خضوع الانتخابات للإشراف المحلي والدولي
خضعت الانتخابات لإشراف هيئة مستقلة، هي المفوضية القومية للانتخابات، ضمت شخصيات وطنية معروفة بعدم انتمائها الحزبي واستقلاليتها الفكرية. ورأس المفوضية السياسي الجنوبي والقاضي السابق «أبيل ألير»، الذي عمل رئيسا سابقا للإقليم الجنوبي في ظل اتفاقية أديس أبابا الموقعة في عام 1972، ونائبا لرئيس الجمهورية في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميرى.
وبالإضافة إلى الإشراف الداخلي، فقد نصت اتفاقية السلام الشامل على أن تُجرى الانتخابات تحت مراقبة دولية، حيث وضعت المفوضية القومية بالفعل مجموعة من القواعد التي تحكم تنظيم عملية المشاركة في هذه المراقبة عبر توقيع اتفاقية بين المفوضية وكل جهة راغبة في متابعة ومراقبة الانتخابات. وقد أعلنت الكثير من الجهات والمؤسسات رغبتها في مراقبة الانتخابات، وتم بالفعل توقيع العديد من الاتفاقيات مع المفوضية (75 مراقبا)، كان أبرز هذه الجهات الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، بالإضافة إلى العديد من المنظمات والمؤسسات المستقلة، ومن بينها مركز الرئيس الأمريكي الأسبق جيمى كارتر، الذي ذهب إلى السودان واستُقبل بحفاوة في الشمال والجنوب، وبعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات. وهذه الأخيرة تعد الأكثر أهمية لما يتوافر لديها من إمكانيات وخبرات واسعة في هذا المجال، فضلا عن استقلاليتها عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء.
ثانيا: مواقف قوى المعارضة
استحوذت قضية استعادة الديمقراطية على الاهتمام الأكبر من جانب القوى السياسية المعارضة لنظام الإنقاذ، باعتباره نظاما انقلابيا (وصل نظام البشير إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في 30 يونيو 1989)، ومن ثم فهو نظام غير شرعي من الأساس، فضلا عن سياساته الداخلية القمعية، وسياساته تجاه دارفور والجنوب التي تعرض البلاد لخطر الانقسام، والتي أدت في النهاية إلى تدهور علاقات السودان مع المجتمع الدولي. وقد تأسس خطاب المعارضة على أن استعادة الديمقراطية وإقامة انتخابات ديمقراطية نزيهة سوف تؤدي حتما إلى إزاحة نظام البشير، أو أن هذا ما ينبغي أن يكون. غير أن المعارضة أغفلت، في ظل تركيزها على مسألة استعادة الديمقراطية، أن الواقع الاجتماعي والاقتصادي في السودان قد شهد تغيرات جوهرية خلال العقدين الماضيين، مما انعكس بدوره على الواقع السياسي وعلاقات وتوازنات القوى، واتجاهات الولاءات والتحالفات، حيث فقدت بعض القوى التقليدية الكثير من نفوذها من مناطق نفوذها التقليدي، وتغيرت الأوضاع في الجنوب وفى دارفور، وبرزت متغيرات جديدة. أضف إلى ذلك أن أكثر من نصف الناخبين المسجلين في هذه الانتخابات من الشباب الذين يصوتون لأول مرة، ولم يعاصروا فترة الديمقراطية الثالثة التي تتشبث بها أحزاب المعارضة، وتتخذ منها معيارا أساسيا.
في المقابل، تبنى حزب المؤتمر الوطني الحاكم خطابا آخر ركز فيه على ما وصفه بإنجازاته غير المسبوقة في مجال التنمية، مدللا على ذلك باستخراج البترول وتدفقه إلى موانئ التصدير، بعد أن ظل رهنا للامتياز الأمريكي بعد رحيل شركة شيفرون الأمريكية من السودان في سنة 1983، وإنشاء العديد من السدود (خاصة سد «مروى» الذي يطلق عليه في السودان «مشروع القرن»)، والجسور و»الكباري»، وشق الطرق، وإدخال السودان عصر التصنيع...إلخ. وفي المجال السياسي يركز هذا الخطاب على ما وصفه بتحقيق السلام الداخلي عبر توقيع اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية. وقلل خطاب المؤتمر من أهمية مشكلة دارفور حيث اعتبرها نوعا من الاستهداف الخارجي للسودان وثرواته.
في هذا السياق، كان من المفترض أن تكون هذه الانتخابات بمثابة الفرصة التي انتظرتها المعارضة، الأمر الذي كان يقتضى الاستعداد المبكر لها، لاسيما أن موعدها (في منتصف الفترة الانتقالية) كان قد تحدد منذ يناير 2005 مع توقيع اتفاقية نيفاشا. فضلا عن تأجيلها أكثر من مرة، حيث كان من المفترض إجراؤها في سبتمبر 2009، ولكنها تأجلت إلى فبراير 2010، ثم إلى أبريل 2010 بسبب عدم اكتمال المراحل الإجرائية والتجهيزات اللوجستية. ومع ذلك، فقد ساد المشهد السياسي السوداني قدر كبير من الارتباك قبيل الانتخابات، فضلا عن حالة الضبابية التي غمرت مواقف القوى السياسية إزاء العملية الانتخابية، ولم تحسم المعارضة أسئلة أولية ورئيسية من قبيل: هل تشارك في هذه الانتخابات، أم تقاطعها، أم تشارك فيها جزئيا؟ ثم جاءت المحاولات الفاشلة لاتخاذ موقف موحد يجمع قوى «تحالف جوبا» المعارض، حيث تم الإعلان عن مواقف محددة، سرعان ما تم العودة عنها قبل أن يجف الحبر الذي كُتبت به. كل ذلك أوحى بأن أحزاب المعارضة لم تكن مستعدة أو مهيأة بالقدر الكافي لخوض هذه الانتخابات، فضلا عن غياب الحد الأدنى من الثقة اللازمة لنجاح أي تنسيق بين هذه الأحزاب، فباستثناء اجتماعها على معارضة حزب المؤتمر الحاكم والسعي إلى إسقاط نظام البشير، لم تستطع هذه الأحزاب الوصول إلى توافق بشأن إستراتيجية العمل السياسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.