الإنسان ابن البيئة، هذه المقولة تتجسد وتتحول إلى واقع في كثير من المواقف. إذ نجد أن أغلب القاطنين على شواطئ الأنهار لا يعرفون غير الصيد وسيلة لكسب الرزق. الشاب أوكيلو برمة أوشلا من غرب بحر الغزال، قرية «أبول» الصغيرة. فرضت عليهم ظروف الطبيعة أن يقتاتوا ويتعايشوا مع الصيد نسبة لوقوع القرية على خط سير الحيوانات الوافدة من أفريقيا الوسطى في رحلتها الموسمية بحثاً عن العشب والماء في موسم الأمطار، أضف إلى ذلك أن المنطقة ينتشر فيها شجر «اللولو» الذي يستخرج منه الزيت، كما أنه الغذاء المحبب للأفيال والغزلان والجواميس السمينة. أوكيلو قال: عندما نخرج للصيد نرتدي زي الصيد ونحمل الحربة وما يعيننا في طريقنا من غذاء وماء وبحكم أن منطقتنا تكثر بها الأفيال؛ فمعرفتنا بها كبيرة، فنعرف ماذا تكره وماذا تحب فهي تكره الضفادع والنمل خوفاً من أن تدخل في خراطيمها وتكره الإنسان في حال اعتدى عليها فتقوم بالانتقام وهي تستطيع معرفة الإنسان من مدى بعيد ويكون ذلك عبر حاسة الشم. ويضيف قائلاً: للأفيال مواقف حزينة معي، إذ في كل مرة أفقد فيها إنساناً عزيزاً لا سيما عندما نتعرض لهجوم من أحد الأفيال، تكون نهايته موت أحدنا، وموت الفيل معه، ثم بعد ذلك يتم تقسيمه على المجموعة على حسب أول من طعن إلى آخر من طعن، وبعدها نقوم باستخراج الدهن والكبد وهي وجبة محببة للصيادين لأنها تمنحهم طاقة وتسمى «دهن وعسل وكبدة» فهي تتكون من كبد الفيل التي توضع على النار حتى تتفحم ويصبح لونها بنياً ثم تدق في (الفندك) وتصبح مثل الدقيق وتخلط بعسل النحل الأصلي والدهن المستخرج من الفيل. وعن طقوس آكلي لحوم الأفيال من شباب وشابات قرية «أبول» قال: تختلف القرية عن المناطق من حولها في مسألة الزواج فاعتمادهم على الصيد جعل هناك بعض الطقوس التي تمارس في حالة الرغبة في الزواج وهذا يتوقف على المقدرة المادية فلذلك يخرج العريس إلى الصيد «لاستكمال مراسم الزواج» ففي عام 78 عندما أردت الزواج قمت باصطياد تمساح كاد أن يقطع رجلي وما زالت آثار عضته عليّ بادية للعيان «وكشفها لنا». وأضاف: الصيد في القرية يعد نوعاً من أنواع الشجاعة ورمزاً للقوة والمقدرة على مجابهة الحياة. وأخذ «حرابه» ووضعها فوق كتفه وأشار مودعاً بيده اليمنى وقصد طريقه نحو الغابة الكثيفة حتى تلاشى عن أنظارنا.