مما هو بديهي؛ أن قيام جامعة الدول العربية في مارس 1952 لم يكن بأي حال من الأحوال يمثل حدثاً جديداً على صعيد العلاقات العربية العربية. فالثابت أن فكرة الوحدة العربية كانت مطروحة منذ قرون عدة، وكانت دوماً طبقاً للمراقبين تأتي على قائمة الطموحات الكبرى التي تحمَّس لها من اصطُلح على تسميتهم في القاموس السياسي (بالإصلاحيين العرب) على اختلاف أفكارهم. فلم يكن من قبيل المبالغة التأكيد من قبلهم على حقيقة أن قيام هذه الجامعة يمثل تتويجاً لحركة القومية العربية، والفكر القومي العربي، منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ومنذ ذلك التاريخ نالت حظاً وافراً من الالتفاف حولها، وكذلك الالتفاف عليها، فنالت نصيبها من (الشتيمة) في ظل ثقافة جلد الذات، التي اتسم بها العرب في أعقاب أزماتهم المتكررة. لكن ما يدخل في مضمارالقديم المتجدد؛ هو أن تظل الدول العربية متقاصرة حتى الآن عن تحديد الكيفية التي يُختار بها أمين جامعتها العربية، إذ عاد موضوع تدوير منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى الواجهة من جديد، على خلفية قيام بعض الدول العربية من بينها الجزائر، سوريا، قطر، موريتانيا، والسودان بالمطالبة بتدوير منصب أمين عام جامعة الدول العربية، منذ القمة العربية بسرت الليبية، نهاية مارس 2010م، ربما سعياً منها لوضع حد للسيطرة المصرية على المنصب، فرشح مؤخراً اسم الممثل الخاص لرئيس الجمهورية الجزائرية عبد العزيز بلخادم مرشحاً لخلافة الأمين العام الحالي للجامعة، المصري عمرو موسى . وتقول سيرة بلخادم الذاتية إنه ولد في 8 نوفمبر 1945م، وشغل منذ حصوله شهادة الدراسات العليا منصب مفتش المالية لمدة ثلاث سنوات 1964-1967 قبل أن يخوض مشواراً مهنياً كأستاذ بين 1968 - 1971م، والتحق برئاسة الجمهورية ليشغل بين 1972 و 1977 منصب نائب مدير العلاقات الدولية. و في سنة 1977 انتخب السيد بلخادم نائباً في المجلس الشعبي الوطني عن حزب جبهة التحرير الوطني لولاية تيارت. كما تم انتخابه مجدداً في ذات المنصب لعدة مرات وكان مقرراً للجنة «التخطيط والمالية» ثم رئيساً للجنة «التربية والتكوين والبحث العلمي» ثم شغل من سنة 1988 إلى سنة 1990 منصب نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني، وعقب استقالة رابح بيطاط من رئاسة المجلس الشعبي الوطني تم تعيين السيد بلخادم على رأس هذه الهيئة حتى حلها سنة 1992 كما كان عبد العزيز بلخادم عضواً في المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني من 1991 إلى 1997 م، وعند انتخاب السيد عبد العزيز بوتفليقة رئيساً للجمهورية سنة 1999 تم تعيين السيد بلخادم وزير دولة، ووزير الشؤون الخارجية في 2000، وبعد أن جددت عهدته لعدة مرات في ذات المنصب (مايو 2001، يونيو 2002، مايو 2003، أبريل 2004م) عين بلخادم في مايو 2005 وزيراً للدولة ممثلاً شخصياً لرئيس الجمهورية. ثم عاد في 2005 أميناً عاماً للهيئة التنفيذية لحزب جبهة التحرير الوطني في أعقاب مؤتمر ذات الحزب. لكن مصر التي قدمت عبد الرحمن عزام من 1945 حتى 1952، ومحمد عبد الخالق حسونة من 1952 حتى 1971م، ومحمود رياض من 1971 حتى 1979م، وأحمد عصمت عبد المجيد من 1990حتى 2001، وعمرو موسى من 2001 وحتى الآن؛ أمناء عامين للجامعة العربية، قالت إنها توصلت مع السعودية إلى اتفاق غير معلن على اختيار الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، لشغل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، في حال تعذر احتفاظ مصر برئاسة الجامعة. لا سيما أن عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي تنتهي عهدته الثانية على رأس الهيئة في شهر مايو 2011، أعلن نهاية العام الماضي 2009، أنه لن يترشح لفترة جديدة لأسباب شخصية، قال المراقبون إنها تتمثل في عدم رضا موسى عن الأداء العربي في الآونة الأخيرة. واعتبرت مصادر من القاهرة طبقاً لصحف عربية أن نقاشاً جرى أخيراً بين القاهرة والرياض حول قضية رئاسة الجامعة العربية، واتفق الطرفان على التعاون معاً لحل ما أسمياه بالأزمة، إذ وضعا خطتين، الأولى تتعلق، سواء عبر الإقرار، أم الاتفاق، على مرشح مصري جديد، تختاره القاهرة، وتسوق له المملكة العربية السعودية لدى دول الخليج وبقية الدول العربية في الشرق الأوسط، لتزكيته أو اختياره. وفي حالة تعذر ذلك، يلجأ الطرفان إلى الخطة الثانية، وهي ترشيح الأمير سعود الفيصل، كأداة لمواجهة المعارضة القطرية والجزائرية الحالية التي برزت للسطح. في وقت أشار فيه أكثر من تقرير صحفي إلى أن الجزائر تلقت وعوداً قطرية وسورية وحتى موريتانية. لكن في كل الأحوال فإن الجانب المصري واع حتى اللحظة لكل التحركات، وما زال هنالك تمسك مصري بتولي مصر رئاسة وأمانة الجامعة العربية، طالما أنها داخل الأراضي المصرية، ولن تألو جهداً في الاستعانة بحلفائها من الدول العربية التي تؤيد مصر، خصوصاً المغرب والعراق والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء قطر. وفي كل الأحوال فإن نذر الانقسام بين الدول العربية بسبب منصب الأمين العام لجامعتها، باتت تطل برأسها، الأمر الذي يعد موتاً جديداً للجامعة العربية يضاف إلى موتها الإكلينكي الذي تكابده في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري السابق الراحل أنور السادات في 1987م، التي بموجبها انكفأ الدور المصري للداخل، من القومية إلى القُطرية، على حد تحليل المفكر السوداني الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد، في كتابه الموسوم ب (السعودية: قدر المواجهة المصيرية وخصائص التكوين - لا حرب دون مصر - لا سلام دون سوريا - لا تطبيع دون السعودية)، فاضمحل طبقاً لذلك دور الجامعة العربية التي تتخذ من جغرافية مصر مقراً لها، ومن مثقفيها أمناء عامين، وصل عددهم إلى (6)، لم يشاركهم في المنصب إلا التونسي الشاذلي القليبي 1979 -1990م. ورغم إلحاح مصر وتمسكها بمنصب الأمانة العامة؛ إلا أن مراقبين من ضمنهم الباحث السوداني في الشأن العربي عامر أحمد محمد حسين، يرون احتمالات تنازل مصر عن المنصب؛ شريطة أن تضمن لها بقية الدول مجيء شخصية بمواصفات مصرية تمتلك مضاداً سياسياً لاحتمالات التماهي مع الملف النووي الإيراني، وذات مقدرة على التعامل مع القضايا ذات الصلة بالمصالح المصرية الداخلية، وفي كل الأحوال لن تكون تلك الشخصية جزائرية، بعد نفي عبد العزيز بلخادم أمس «الثلاثاء» ترشحه لمنصب أمين عام الجامعة العربية خلفاً لعمرو موسى، وتأكيده أن الجزائر لن يكون لها أي مرشح لهذا المنصب. وقال بلخادم في تصريحات صحفية إن كل الدول التي اعترضت على ترشيحه وترشيح الجزائر لهذا المنصب حرة في خياراتها وقراراتها. وأضاف أن الجزائر ليست لها أية مشكلة مع الأمين العام الحالي عمرو موسى، وأنها لا تحتاج إلى رئاسة الجامعة العربية من أجل إثبات وتأكيد موقفها تجاه القضايا الدولية. لكن كل ذلك لا يطمئن مصر حال تنازلها، وإلا فإن الدعوة لقيام منظومة دول الجوار التي أطلقت سابقاً بنواة أردنية، سورية، لبنانية؛ ما تنفك تطل برأسها كبديل لحالة الانقسام المتوقعة. وسبق للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في القمة العربية التي عقدت في مدينة سرت الليبية في مارس 2010 الماضي؛ أن أثار فكرة الدعوة لقيام (رابطة الجوار العربي) بين دول الجامعة العربية (22 دولة)، ودول الجوار الأخرى مثل تركيا وإيران، ودول الجوار الأفريقي، مطالباً أن تكون البداية مع تركيا وتشاد. ولم يكتف الأمين العام بهذا الطموح، بل رأى أن يتسع هذا الإطار الجواري ليشمل مستقبلاً دول جنوب أوروبا على البحر المتوسط. مهما يكن من أمر؛ فإن عظائم أمور الشأن العربي واحتمالات اختلافه على منصب أمين جامعته العربية، يجعل حظوظ السودان معقولة إلى حد ما في توفير شخصية وفاقية مرضي عنها من العرب، مما يعيد إلى الأذهان شائعات سابقة روجت لإمكانية قيام وزير الخارجية السابق ومستشار الرئيس السوداني الحالي مصطفى عثمان إسماعيل بشغل هذا المنصب، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في طب الأسنان من جامعة الخرطوم، ومن ثم ماجستير في الكيمياء الحيوية، بعدها نال الدكتوراه في نفس المجال من جامعة الخرطوم، مارس مهنته عام 1978 في وزارة الصحة بالسودان، ثم عمل معيداً في جامعة الخرطوم، ومن بعدها أصبح محاضراً في كلية الطب سنة 1988 م. لا سيما أن إسماعيل موصوف من قبل أمين عام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية الدكتور أحمد الجويلي بأنه أحد المفكرين العرب ذوي الخبرة الواسعة والعميقة في الشؤون العربية. إضافة إلى أن إسماعيل صاحب باع طويل في الاهتمام بالشأن العربي وأمنه القومي بمعناه الواسع الذي يبدأ من الأمن العسكري وينتهي بالأمن الغذائي، و سبق أن ضمن ذلك في كتابه (الأمن القومي العربي) الذي فيه بات مشغولاً بتحقيق القدرة العسكرية العربية الذاتية، فهل ينجح طبيب الأسنان السوداني في إخفاء تكشيرة الناب العربية المتوقعة؟