السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته بعد الحمد والثناء، لله سبحانه وتعالى، وأفضل الصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. أبتدئ مقالتي هذه، موجهة إليك أيها الرئيس، بعد أن أفاء الله عليك بالنصر والتأييد من شعب عظيم تماماً، يعرف كيف يعجم كنانته ليجد أقواها عوداً فيختاره، لا سيما وأنك أعطيته عهداً جديداً لتستكمل مسيرة النهضة بالبلاد، ولقد علمت أيها الرئيس، أن العهد كان مسؤولاً، وتكلُّف الحكم بالشورى ليس بالأمر السهل، وأن أمانة القيادة الرشيدة ليست أمراً هيناً، فلا بد من تحقيق مقتضيات شرعية ودستورية حتى تؤدي الأمانة بحقها، وإلا كما تعلم إن لم تكن كذلك؛ ففيها خزي وندامة، والفيصل في ذلك هو نية وقَرَت في القلب وصدقها العمل. السيد الرئيس: إنك أنت الآن قائد مسيرة، مفوض تفويضاً صريحاً (68%) من غالبية هذا الشعب الكريم، فعليك أن تكون قائداً لسفينة تتقاذفها الأمواج من كل حدب، فأحكم القيادة، فإن الناقد بصير، وإن الشعب يريدك أن تكون قدوة صالحة، بعيداً عن الشبهات، واربأ بنفسك من أن تقع فيها، وإن أعين الجماهير تلحظ حركاتك وسكناتك، وإن ذلك يتطلب منك: أ- أن تكون لك بطانة صالحة، وأن تبعد من بين ظهرانيك من يسيء لك، ويوقعك في المهالك، ويحسب أنه ناصح لك، وما هو بناصح. ولا أقول لك أن تأخذ الناس بالشبهات، ولكن دقق النظر، سيظهر لك الخبيث من الطيب. ب- ينبغي عليك، وأنت أعلم بذلك، أن تختار في هذه المرحلة الجديدة مجلس وزراء يكون أفراده غاية في السيرة الذاتية الطيبة، والكفاءة العالية، والخبرة في الشأن الذي توليه إلى أي منهم. فوضع الرجل الكفء في مكانه يساعدك كثيراً، ويوفر عليك أن تؤتى من قبله، فإنه محسوب عليك، لأن جهازك التنفيذي في أعلى مستواه هو آلة، كل وزير فيها هو عبارة عن (ترس)، إن صلح؛ صلحت سائر الآلة، والعكس صحيح. ج- إني أحسب أن كثرة العدد في مجلس وزرائك (خصوصاً إن كان الاتجاه هو الانفصال) دون طائل وضرورة تنفيذية واضحة ومهمة، تؤدي في نهاية الأمر إلى تضارب الاختصاص، والسعي (لتكبير الكوم) إن صح القول، ناهيك عن ضخامة المصروفات، التي يحتاج إليها من هو في أشد الحاجة إليها، وهو ذلك الفرد السوداني الضعيف الذي يسعى لستر حاله، والحصول على قوت عياله. الأخ الرئيس: إن الضرورة ملحة في هذه الحقبة الجديدة من حكمكم، أن تعيد النظر وتراجع كل ما من شأنه أن يعود بالنفع العام للشعب الذي أولاك الثقة، وأحسبه ما فعل ذلك إلا لقناعة منه أن تسير به إلى بر الأمان - وهذا في اعتقادي كمواطن عادي - يتطلب منكم الآتي: أولاً: مراجعة هيكل الخدمة المدنية من الناحيتين الإدارية والقانونية، والسعي لإعادته صورته التي كان عليها مباشرة بعد الاستقلال، وهو أمر ليس بالمستحيل، فتوجد الكفاءة السودانية في من أمد الله في عمره، أن يعيد إلى هذا الجسم المهم في الإدارة العامة عافيته، وفي هذه الجزئية فإني أقترح أن يكون جميع وكلاء الوزارات في المركز والولايات موظفين عموميين يتعاقبون على هذا المنصب بالجدارة والترقية، وأن تبطلوا فوراً أن يكون هذا المنصب بالتعيين - ويكفي أن يكون الوزير دستورياً - فقط، وفي الرجوع بهذا النظام الذي أثبت فعاليته في الماضي والحاضر في جميع الدول المتقدمة إدارياً (بريطانيا مثلاً) فوائد جمة للعاملين في الدولة، في الوزارات والمؤسسات العامة المختلفة منها، للمنافسة الشريفة في الوصول إلى أعلى المستويات الإدارية في الخدمة المدنية، وإعادة فعالية ديوان الخدمة المدنية ليواكب ما جد وما يجد في مفهوم الموظف العام. ثانياً: إعادة النظر في القوانين الإدارية ذات الصلة بالخدمة المدنية مركزياً وولائياً. إن وجود (موظف عام) يعرف في قوانين مختلفة متباينة يؤدي إلى خلل كبير في الخدمة المدنية التي تمس مصالح المواطنين مباشرة. ثالثاً: في المجال المالي والاقتصادي لا بد من إعادة النظر في السياسة الضريبية التي اكتوى بنارها المواطن المسكين الذي أهلكته، ولا أقول أتعبته، هذه الجبايات التي تقابله حتى في الدخول إلى المستشفيات. إن الدولة التي تعتقد أنها يمكن أن تتقدم اقتصادياً بفرض الضرائب، خاطئة، ذلك لأن التقدم الاقتصادي يكون بالاستثمارات الزراعية والتجارية والصناعية الصحيحة... الخ، وبالحوافز التي تنشط الفرد في العمل ليكسب الكثير، وهذا الأمر لا يحتاج إلى كلام، فهو منظور في اقتصاديات الدول التي تجاوزت خط الفقر وأصبحت لها مكانتها، وأفضل مثال يا سيادة الرئيس هو ماليزيا والصين وغيرهما من الدول. رابعاً: في فترة رئاستك هذه يا سيادة الرئيس، المرجو أن تضع حداً لهذه الممارسات المشينة لذوي النفوس الخبيثة في القطاعين العام والخاص، الذين استمرأوا التعدي على المال العام، فلا بد من معرفة أسباب ذلك وبترها، وضرورة إيقاع العقوبة الصارمة لمن يتعدى على هذا الحد من حدود الله. (فهلا جلس أحدكم في بيت أمه ليأتيه هذا المال؟)، فإن المال الذي يكون سببه السلطة والنفوذ هو مال حرام.. حرام.. حرام. كذلك فلا بد من اجتثاث ظاهرة الرشوة واستغلال النفوذ، ولعل من أسباب ذلك أن العامل لا يعطى أجراً مناسباً ليفي بمتطلبات احتياجاته الأساسية، وهذه الظاهرة عطلت دولاب العمل الحكومي والأهلي تماماً. خامساً: الشعب يشكو مر الشكوى من ارتفاع أسعار الحاجات الضرورية من مطعم ومشرب ومسكن وعلاج، وإن أسباب ذلك في ما أعتقد ليست شحاً في الموارد الغذائية بقدر ما هي افتعال مقصود من التجار الجشعين ومن الإداريين ذوي النفوس الخبيثة الموجودين في إدارات الشركات والمؤسسات ذات العلاقة بالمواد الغذائية، وأقصد بذلك بصريح العبارة سلعة السكر، وقس على ذلك، المواد الضرورية الأخرى. ويمكنكم يا سيادة الرئيس، أن تعالجوا هذه الظاهرة بقليل من الحزم وتطبيق القانون. سادساً: نأتي بعد ذلك إلى مشكلة التعليم، فنقول إن موارد الدولة المتاحة لمعالجة مشاكل التعليم ليست موظفة توظيفاً صحيحاً، فالإنفاق البذخي الإداري، يجب أن يوقف تماماً حتى تنعكس الاعتمادات المالية في هذه المرافق مركزياً وإقليمياً على برمجة سنوية بنسبة مئوية معينة، حتى تصل الدولة إلى مجانية التعليم، من الأساس إلى الجامعة، في فترة رئاستكم هذه. ولعلني في هذا الإطار أدلف إلى مشكلة الجامعة، صحيح أن الجامعات انتظمت جميع مناطق السودان، ولكن أرى، مع الاحترام، أن تهتم الدولة ممثلة في التعليم العالي بالكيف دون الكم، فكم من كليات الآداب والقانون والدراسات النظرية الأخرى لا نحتاج إليها في هذه المرحلة من تاريخ السودان، فالأمل أن تقلص هذه الكليات، ويقل عددها حسب الحاجة إليها، فنحن في عصر العولمة والتقنيات الحديثة التي نحتاج إليها من هذه الدراسات أكثر مما نحتاج لدراسة التاريخ والجغرافيا والقانون.... الخ. سابعاً: نأتي بعد ذلك إلى مشكلة الصحة، وما أدراك ما الصحة، فالحكمة تقول (العقل السليم في الجسم السليم) إن الناس، كل الناس، يجأرون ويشكون مر الشكوى، للحاجة الماسة للعلاج في المستشفيات الخاصة والعامة، وبالقدر الذي يكون فيه بكل مدينة مستشفى متكامل، فيه جميع التخصصات بدون فاتورة علاج أو رسوم دخول أو لزوم السرير. والرأي عندي أن توظف موارد الدولة للمصروفات العامة بنسبة 30% للصحة العامة والعلاج مجاناً أو شبه المجاني في برمجة سنوية يعرفها كافة الناس، ويجب أن يصبح لزاماً على الدولة أن تحقق ذلك في نهاية برنامج إسعافي صحي يعلن عنه بحيث يتأثر به كل ذي كبد رطب من الناس، عاجلاً غير آجل. ويحضرني هنا يا سعادة الرئيس، أن تركزوا على نظافة البيئة، نظافة البيئة اصرفوا عليها الأموال الطائلة، وراقبوا صرفها ليتعهدها ذوو الخبرة والأمانة، فإن فعلتم ذلك فإن فاتورة العلاج ستقل حتماً، حتى يمكن أن تكون اسمية. فلا بد من وجود وزارة بيئة فاعلة، ومحليات مسؤولة، مدعومة بالأكياس والسيارات لنقل النفايات، واختفاء النفر الذين نراهم يطرقون الأبواب لجباية رسوم النفايات دون مقابل محسوس. ثامناً: السياسة الخارجية للدولة: الكلام هنا يا سيادة الرئيس يقودنا إلى معالجة الدبلوماسية التي تمثلها وزارة الخارجية التي لا بد أن تكون جهازاً قوياً فاعلاً لتمثيل وجه السودان المشرق في الخارج، فاعتماداً على مبدأ (فاقد الشيء لا يعطيه) يقودنا هذا إلى التحدث عن السفير الذي يجب أن يتقن اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، إضافة إلى المتطلبات التي يجب أن تتوفر في الدبلوماسي، ونظراً للضعف الذي أصابه مثل ما أصاب الموظف العام في الإدارات الحكومية الأخرى؛ فإني أقترح إعادة تعيين السفراء الذين ما زالوا على قيد الحياة، ليستفاد من خبراتهم وعلمهم وطلاقة لسانهم باللغات الحية، ويعادوا إلى الخدمة بشروط تناسب وظيفتهم العامة الحساسة. كذلك يا سيادة الرئيس، افتحوا الباب أمام المتطلعين الدبلوماسيين في وزارة الخارجية، حتى يعلوا إلى درجة السفير، وإعداد هؤلاء الفتيان، علماً وتدريباً حقيقياً، مهنياً وسياسياً، إلا في حالة تكليفكم لأحد المواطنين أن يكون سفيراً في مهمة عاجلة مهمة، تنتهي بانتهاء واجباته، كما يجب أن يكون الإنفاق في هذا المرفق معقولاً، ليس فيه من المظاهر غير العادية التي لا تنفع السودان بل تضره، فالسفارات تفتح وتغلق حسب الضرورة إليها. وخلاصة القول، العلاقات الخارجية يجب أن تبني على أساس: 1 - العلاقة الإستراتيجية مع الدول يجب أن تكون وفق مقتضيات فلسفة الدولة وعقيدتها، والأساس هنا هو قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) سورة المائدة. 2 - مصالح السودان العليا الأساسية التي تقتضي أن تكون العلاقة بالقدر الذي يقتضيه ذلك المقام. ويحضرني يا سيادة الرئيس، موقف الصين في 2005 حين طُرح موضوع دارفور على مجلس الأمن وكنا نتوقع أن تستعمل حق الفيتو ضد الولاياتالمتحدة وغيرها، ولكنها لم تفعل، لماذا؟ لأن مصالحها مع الولاياتالمتحدة غلبت على مصلحتها مع السودان. نواصل