يعتقد الكثيرون - داخل إطار الزوجية وخارجها- أن قليلاً من الكذب مفيد للعيش بسلام بعيداً عن أجواء المشاحنات والتوتر والخلاف، وتفادياً للاشكالات التي يسببها الصدق المفرط على اعتبار أن الكذب وسيلة آمنة لتحقيق الراحة. فهل يتحقق ذلك فعلاً أم يؤدي اكتشاف الأمر لأزمات وكوارث غير محمودة العواقب؟ ويحاول بعض الأزواج تبرير لجوءهم للكذب ذي اللون الأبيض في إشارة لبراءته وآثاره الجانبية الخفيفة، على أنه مسكن سريع المفعول يمكن صرفه عند اللزوم ليسكن الهواجس والظنون المؤلمة والمقلقة التي تنتاب الزوجين أحياناً تجاه بعض تصرفاتهم وهو في رأيهم كذب مشروع دافعه الأساسي الخوف على مشاعر الشريك وأحاسيسه، طالما كان الكذب لا يمس القضايا الجوهرية والمصيرية ويمثل فعلاً إيجابياً لحل بعض المشكلات الصغيرة التي قد تساهم طبيعة الزوجين لولاه في تضخيمها وتفجيرها، لذلك يلجأ الأزواج لإقصاء بعض التفاصيل الهامشية البسيطة التي لا يسبب ذكرها سوى صب الزيت على النار وهذا قد يعرف علمياً بالكذب الملائم للحياة الزوجية. فماذا عن الكذب المتعمد الجسيم الذي يعمل على اخفاء سلوك زوجي مشين مثل الخيانة أو ممارسة بعض السلوكيات غيرالمقبولة؟ علماً بأن هذا الأخير يؤدي عند اكتشافه إلى حدوث نفور كبير وانعدام كامل للثقة بين الأزواج مما قد يؤدي بدوره لانهيار الحياة الزوجية نسبة لصعوبة تجاوزه وغفرانه من قبل الزوجين. وهذا الكذب المدمر لا يقتصر فقط على الرجال الدهاة ولا يمكن أن نعفي منه النساء. وإن كان من المقبول أن تصمد المرأة لإخفاء بعض بنود التوفير أو المساعدات التي تقدمها للآخرين دون علم زوجها، أو بعض النشاطات المالية والاجتماعية الصغيرة التي تمارسها في اطار الحي أو العائلة، لكن لا يمكن أن نقبل من أي امرأة - كمجتمع اسلامي- أن تمارس أي نوع من الكذب المادي أو المعنوي المندرج تحت بند الخيانة أو التفريط فيما هي مؤتمنة عليه من مال وسمعة . ولا أريد أن أذهب بعيداً وأطلق الأحكام العامة التي تؤكد أن ألواناً من الكذب أصبحت تمارس داخل البيوت مهما تباينت درجات هذا الكذب ونتائجه وألوانه، بناء على طبيعة العلاقة بين الأزواج وسلوك كل منهم وطبيعته والتربية التي نشأ عليها. ولكني أود الإشارة إلى أن بعض الأطراف لها القدرة على التعايش مع ممارسة الآخر للكذب وأحياناً تكون الزوجة على علم بأن زوجها يكذب عليها أو يخفي بعض الحقائق ولكنها تتعمد التغاضي عن ذلك لأسباب قوية وتبقى تستمتع بالفرجة عليه وهو يمعن في كذبه وتلونه وقد تهزرأسها بمرارة ساخرة على هذا المسكين أو رثاءً عى حالها هي. ولكن هناك فريق من النساء لا يؤمن بممارسة الحكمة ضد كذب الرجال من أجل التعايش السلمي، وقد تقيم المرأة الدنيا ولا تقعدها في حال اكتشفت أن زوجها يكذب عليها فهن يعتقدن أن الصراحة المطلقة يجب أن تكون هي عماد بيت الزوجية مهما كانت صراحة مؤلمة، غير أنني اختلف مع هذا الفريق وأرى أن بعض الأمور تستوجب المداراة والتحفظ في البوح بها حرصاً على مشاعر الآخر وترابط الأسرة دون أن يبلغ الأمر حدود الأمور المهمة في العلاقة الزوجية. ويجوز للزوجة المحبة الواعية أن تستمتع بمجاملات زوجها المبالغ فيها والتي تكون أحياناً أكبر من قدراتها وامكانياتها الحقيقية، فمن حقك كزوجة أن تطربي لرؤية زوجك وهو يمعن في حرصه على مشاعرك ويحسب لغضبه ألف حساب. كما أنه يمكنك أن تصمدي لإخفاء بعض التفاصيل المزعجة في الشؤون المنزلية أو في حياتك الشخصية طالما كان بإمكانك أن تحلي الأمور وتحسميها بنزاهة والتزام وثقة بالنفس وعندها قد لا تكوني تكذبين ولكنك تتجملين، وفي كل الأحوال أسأل الله أن يجنبنا شر الكذب - سيد الاسم- بجميع ألوانه. تلويح: بالمناسبة ..إخفاء الحقيقة هو الوجه الآخر للكذب!.