«بني صهيون» هي قبيلة قديمة في سوداننا وتمارس «الصهينة» جهاراً نهاراً.. تلوح سيماء الأغلبية منهم في الذين يتبوأون المواقع القيادية الخدمية.. كل يقبع في برج مراقبته ويمسك بعدسة تكبير يوجهها على أركان وزوايا مكتبه، ليطمئن على الموكيت والستائر والكراسي الوثيرة وعلب البف باف ومناديل الورق المعطرة ولمبات النيون وربطة العنق وشماعة الجاكتة، واللوحة المنقوش عليها الاسم بماء الذهب- بينما يشرب العامة من الماء المطين بستين طينة والفوطة التي يجفف عليها اليدين كلما تم الإمساك بورقة لإصدار قرار. أما الأذرع المساعدة لأولئك المسؤولين، فهي تسد «دي بطينة» أما الأخرى فهي مسدودة طبيعي حتى لا تشنف آذانهم أغنية «أنة المجروح» ولماذا ندهش ونستغرب خاصة أن هؤلاء الأشبال من ذاك الأسد القابع في مكتبه، مستنسخين منه. صحافتنا تكتب وتكتب وفقاً لمقولة عادل إمام «أكتب.. أنا حأهريك يا حسين» تكتب بل وتبصم بالعشرة عن التردي في المستشفيات.. عن شخير الهواء في المواسير.. عن إنقطاع التيار الكهربائي.. عن تكاليف التعليم الباهظة ولا تعليم.. عن تفشي الشحاذين صغاراً وكباراً.. عن العطالة .. عن الأجور المتدنية.. وكل الصفات التي تجلب معها اللعنات. الجرائد تكتب وتكتب عن عربات المسؤولين الفارهة.. وعن أبناء المسؤولين الفارهين «الضاربين الدنيا» - ليس صرمة- بل أحدث أحذية مستوردة .. عن البنايات الشاهقة لأصحاب الأيادي اللاحقة.. عن البنت العجفاء وليس الحديقة ورحم الله مصطفى سيد أحمد.. عن المستوصفات الخمسة نجوم التي يراها المرضى من الكادحين في «عز الضهر».. عن مناسبات الزواج الضخمة التي تعج بكل ما لذ وطاب في الدنيا. كل هذه القضايا والمشاكل والاخفاقات والأزمات تثار وينبه إليها «كلام الجرايد» ولكن لا شعرة تتحرك في رؤوس المسؤولين إياهم وإن تحركت ووجدت إصغاء من المسؤول فهو يدفع ب «علاقاته العامة» للرد الذي يحمل الاعتراض والاستياء وتلف الأعصاب لأن مؤسسة هذا المسؤول لا يأتيها الباطل من كل الجهات بل هي «معصومة» من الخطأ.. وفي أحيان أخرى يتحول المسؤول نفسه إلى «جرنالجي» يدبج المقال تلو الآخر، منافحاً ومدافعاً ومترافعاً ومهاجماً، وفي الحالتين: الصهينة أو الرد، ليس هناك أي «صدى» ايجابي بل «صدأ» ونتساءل: متى يعود المسؤولون إلى فضيلة الصحافة؟! الشئ بالشئ يذكر: روي عن الموسيقار العالمي موتزارت أنه كان يستخدم دائماً صيغة الجمع عندما يتحدث عن نفسه، حتى إن البعض فسروا ذلك بأنه محاولة منه لتفخيم نفسه وتعظيمها لكنه لما سئل في ذلك قال: ليس هناك من عمل يستطيع المرء أن يؤديه وحده.. ومن جانبنا نقول لكل مسؤول إن الصحافة بطريق مباشر أو غير مباشر تساعد ذاك المسؤول- ليس في حفر قبر مؤسسته- بل في الارتقاء بها. { واحد مسطول ماشي في الشارع قابل واحد، قال ليهو : ازيك يا حسين.. والله انت اتغيرت خالص يا حسين.. عينيك ووشك.. والله ما عرفتك يا حسين.. رد الشخص على المسطول: لاكين أنا ما حسين.. قام المسطول قال ليهو : وكمان غيرت اسمك؟