{ إنه يوم من أيام البطاحين، إنه يوم فتح وصُلح أكبر، كما لو أن صوتاً شاهقاً يأتي من جهة المشرق ينادي (من دخل بيت الناظر فهو آمن، ومن احتمى بدار أبو الخليفة فهو آمن، ومن استعصم بداره فهو آمن)!، ولئن كان في ذاك اليوم سيضع البطاحين إصرهم والأغلال التي كبلتهم لبعض الوقت، ولئن كان أيضاً حزب المؤتمر الوطني سيطوي ملف الدائرة 26، فعلى (صاحب الملاذات)، عليه من الله الرضوان، أن يصفي آثار عدة مقالات باهظة، كما لو أنه يوم التصفية الأكبر، ويوم لتروية المشاعر والتحلُّل من احرامات القطيعة، يوم عطر وثياب ونحر، وربما يسأل سائل: فلئن اشتجر الإخوة البطاحين واليوم يصطلحون، فتلك ديارهم ودوائرهم فما بال مؤسسة الملاذات؟، إنها خطى كُتبت علينا ومن كُتبت عليه خطىً مشاها، وحتى لا نعيد انتاج الأزمة فنكتفي بالقول إننا قد دخلنا من باب الصحافة لأجل الإصلاح، ولئن لم يستوعب البعض هذه المسوِّغات، فعزاؤنا شهادة دكتور عبد الرحمن الخضر، فقد قال لنا الرجل، والناس يتسوّرون مائدة الاحتفال بالصلح، قال (هذه بعض أشواق صاحب الملاذات). { والبشارة الأولى جاءتنا فجراً بهاتف من الشيخ أبو الخليفة يبشرنا بطي صفحات الخلاف مع السيد الناظر وإننا مدعوون لحضور الاحتفال بهذه المناسبة، والدعوة تُعزِّز وتجدِّد من قبل الطرف الآخر، فلم أملك إلا أن أدلف مبكراً إلى مكان الاحتفال، مما أتاح لنا جلسة صافية مع السيد ناظر عموم قبيلة البطاحين شيخ خالد محمد صديق طلحة والشيخ الأمين العطا وذلك بحضور دكتور محمد صديق الخضر، كما أتاح لنا هذا الاجتماع الباذخ أن نصفّي حسابات مقالات معلّقة أيضاً مع «سادتنا البادراب» شيخ أحمد حسب الرسول وعمر، ومع الشيخين الطيب الغزالي والطيب النُّص، وما أفدح أن تدخل على قوم فتجد «رشاش قلمك» في عيونهم، إنها أثمان هذه المهنة الباهظة، حينما تحتاج في بعض الأحيان لاستخدام «القلم المبضع» فتختلط الدماء بالأحبار، كما لو أنها مقالات تُكتب باللون الأحمر. { المهم في الأمر، فقبل أن نحتفل بتصفية الخلافات بين الأشقاء وبين العمومة من قبيلة البطاحين، كنت قد صفيت في المقابل كل حساباتي لأجلس في ذلك الاحتفال متحللاً من أي قيد لمقال معلّق، شهد هذا الاحتفال الدكتور نافع علي نافع نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني، والدكتور عبد الرحمن الخضر رئيس حزب المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم، والدكتور محمد مندور المهدي نائب الرئيس، ودكتور ياسر الفادني رئيس حزب المؤتمر بشرق النيل، وأحمد حسب الرسول بدر رئيس شوري المؤتمر بالولاية، وقادة فعاليات حزب المؤتمر الوطني بالولاية، فضلاً عن وجهاء وأعيان ومشائخ شرق النيل، وأتعمّد تكرار الإشارة هنا إلى علاقة الضيوف الكبار بحزب المؤتمر الوطني، وذلك لأن الأزمة بين السيد الناظر والسيد أبو الخليفة قد حدثت واحتدمت حول الدائرة الجغرافية 26، والقوم يومئذ كلهم مؤتمر وطني، حتى أنشد أبو الخليفة في هذا المحفل قائلاً: الشجرة أم ثماراً حالي ما ناسيها بعطّش نفسي من موية الشراب بسقيها تجيب ضلاً وريف لريّسها وواليها نفرُش (العنقريب) و(العجلة) نتكيها فيها { أيضاً تحدث إمام الألوف الذين ضاقت الدار الوسيعة بهم الشيخ خالد طلحة ناظر القبيلة، شاكراً كل الذين سعوا لملمة هذه الأزمة، كما أعلن أنهم قد تجاوزوا تماماً هذا الملف، وتعهد الدكتور عبد الرحمن الخضر في الاحتفال الجماهيري بعِد بابكر بمضاعفة مجهودات التنمية والعمران في المنطقة والولاية، وتطرّق دكتور نافع لدور قبيلة البطاحين، وقال إنهم يدخرون مواقفها لمعالجة كل ملفات السودان المعلّقة ودعم الوحدة والتعايش السلمي. { وكما احتفل أهلنا البطاحين بتجاوز هذه الأزمة، وحُقّ لهم أن يحتفلوا وينحروا الإبل الجياد ويريقوا الأشعار الحسان، ففي المقابل يحِق لنا أيضاً أن نحتفل بتجاوز ملف هذه الدائرة الذي شقي بنا وشقينا به.. والله أعلم.