وصف مندوب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل مولانا محمد عثمان الميرغني، الذي اجتمع مع نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه في بدايات يونيو الجاري، وصف الوصول لتفاهمات مع المؤتمر الوطني حول المشاركة في الحكومة قبل أن تُعلن قائمة تشكيلتها بالصعبة. وكان الخليفة عبد المجيد عبد الرحيم نقل رسالة من الميرغني لعلي عثمان في الاجتماع نفسه احتج فيها مولانا على طريقة تعامل الوطني معهم واقتراحه بتسمية قائمة اتحادية يتم اختيار وزيرين منها ووزير دولة. ووجد الخبر الذي انفردت به (الأهرام اليوم) من مصادرها ارتياحاً كبيراً عند قيادات وقواعد الحزب الرافضة للمشاركة. ولكن الصحف الصادرة أمس الأول (السبت) قال فيها الوطني على لسان وزير الإعلام كمال عبيد إن الاتحادي قرر المشاركة في الحكومة بعد فوات الأوان وانتهاء التشكيل الوزاري. وألمح عبيد الى استمرار الأمل في علاقة الحزبين بقوله إنه يمكن أن ينظر في الخطاب لتقارب الرؤى والأفكار. غير أن مصادر اتحادية تحدثت ل(الأهرام اليوم) ذهبت لأبعد من ذلك حين قالت إن الاتحادي الأصل سيشارك في الحكومة بعد يناير المقبل. وأشارت المصادر التي رفضت كشف أسمائها الى أن معلومات توفرت للميرغني حول إقناع رئيس حكومة الجنوب الفريق أول سلفاكير ميارديت للرئيس المصري حسني مبارك بوجهة نظر الجنوبيين المكرسة نحو الانفصال من واقع رؤيتهم أن الوحدة ستجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية وأنهم مع الانفصال نتاج عوامل نفسية وتاريخية واجتماعية وأخيراً سياسية. وأضافت المصادر أن سلفا قال لمبارك إنه لا يمكنه مخالفة الجنوبيين بعد أن عجز عن إقناعهم بالوحدة. وزادت المصادر أن الاتحادي سيشارك في الحكومة بعد مغادرة الحركة دولة الشمال. موضوع المشاركة في الحكومة من عدمه يظل أحد الملفات التي يدور حوار كبير حولها داخل أروقة الحزب العريق، بجانب ما يسميها المراقبون ب«الأزمات» التي تحاصر «الأصل» وفي مقدماتها مسائل الوحدة الاتحادية التي استعصى أمر تدبرها، وكذا عديد من المسائل الأخرى التي كان الاتحاديون يراهنون على عودة مولانا بغية معالجتها.. وهي العودة التي طال انتظارها وعندما حان أجلها لم تجد فتيلاً في عودة الحزب كيفما يتوق لرؤيته مناصروه.. وإذا صحَّ ما قالته المصادر فإن ذلك يلقي بتأثيراته السالبة على تيار عريض في الاتحادي الأصل يتمترس عند محطة اللا مشاركة مع الوطني ويأتي في مقدمته نائب رئيس الحزب المحامي علي محمود حسنين الموجود خارج السودان الذي لا يرى في المشاركة سوى بحث عن الاستوزار فقط، ويسانده مولانا محمد الحسن الميرغني ومولانا سيد أحمد الحسين وميرغني عبد الرحمن وكثيرون من القيادات والقواعد. ويرى مراقبون أن مولانا بعث بمندوبه الذي حمل خطاب الرغبة في المشاركة متأخراً بقصد عدم المشاركة الآن والعودة لها في يناير تمهيداً لبناء البيت الداخلي للحزب وترتيبه وتنظيمه من القاعدة للقمة في العاصمة والأقاليم وبانتهاج المؤسسية وإنهاء التكليف للمهام بالخلافة والأهلية والقبلية والمال وتنظيم الحزب كما ينبغي بعد أن كشف السجل الانتخابي الأخير مواطن الخلل فيه. ويرى المراقبون ذاتهم أن الاتحادي الديمقراطي الذي يتزعمه البروفيسور جلال يوسف الدقير سيعجل بالوحدة مع الميرغني على خلفية مشاركة الأول في الحكومة وترقب مشاركة الثاني بعد يناير ولقطع الطريق على مساعي مجموعة صديق الهندي ود. مضوي الترابي وعبد الجبار علي إبراهيم وميرغني عبد الرحمن في ظل انشغال مجموعة أزرق طيبة والهيئة العامة بخلاف داخلي حول السياسات والرؤى والتعامل مع الوطني والميرغني وانكماش الاتحادي الموحد بقيادة جلاء الأزهري. ولكن وبرغم ما قيل طرق الناطق الرسمي للاتحادي الأصل الأستاذ حاتم السر على باب آخر نادى من خلاله بإنفاذ اتفاق القاهرة وإحياء التجمع الوطني الديمقراطي الذي يمّمت أحزابه شطر التحالف الوطني, وتتفق قيادات سابقة بأحزاب التجمع مع المؤتمر الوطني على موت وانتهاء التجمع. ويعتبر مراقبون دعوة حاتم السر لا تعدو كونها مناورة. استفسرتُ القيادي بالحزب الاتحادي الأصل الناطق الرسمي باسم التجمع بالداخل سابقاً الدكتور المحامي علي السيد عن قول المصادر والمراقبين في حزبهم فبدا من خلال إجاباته باحثاً عن الحقيقة حين باغتني بأن كل القول بيد مولانا وأن الكلمة الأخيرة عند الميرغني. وبدا السيد زاهداً في مساعي الوحدة الاتحادية حين قال لا توجد وحدة اتحادية ولا يوجد أحد يسعى للوحدة، وأردف أنه لا يوجد رأي واضح في الحزب. وحول إحياء جسم التجمع الذي اتجهت أحزابه للتحالف يقول قيادي اتحادي - فضل حجب اسمه - إن أحزاب التجمع عانت من طريقة إدارة مولانا الميرغني له وأنه لا ثقة لها فيه، واستطرد ذات المصدر أنها تفكر الآن بصورة جادة في عمل جسم جديد بعيد عن مولانا الميرغني. وبشأن حديث المصادر حول إمكانية مشاركة الحزب بعد يناير اكتفى بقوله إن أي حديث حول المشاركة من عدمها يحدده مولانا الميرغني. وختم بالقول: وهو الذي يتخذ القرار. وفي ذات السياق هاجم المراقب السياسي الكاتب المُلم بالشأن الاتحادي، عادل إبراهيم حمد، هاجم الاتحادي الأصل وقيادته. وقال في اتصال هاتفي ل(الأهرام اليوم) إن حديث الحزب عن المشاركة وعدمها والمفاجأة في نتيجة الانتخابات كله عرض لأزمة بالحزب كامنة منذ فترة طويلة. ويرى حمد أن الارتباك لازم كل قرارات الحزب في المشاركة وفي غيرها ويرجع ذلك لغياب المؤسسية، ويشير الى أن تكليف الميرغني ل(3) أو (4) أشخاص ليدلوا بتصريحات مختلفة لا يربك الآخرين بقدرما يصوّر التناقض داخل الحزب وعدم تحديد المسار. ويذهب حمد لأبعد من ذلك ويرى أن قرار مشاركة الحزب في الحكومة بعد يناير حال حدوث انفصال يحدده المؤتمر الوطني ويتوقع ازدياد قبضة الوطني حال الانفصال وعدم إشراك القوى السياسية، ويرى أن الحركة الشعبية تعاملت مع أحزاب الشمال بشيء من الاستعلاء، ويستدرك أن القوى السياسية في الشمال استمدت بعض قوتها من تقاربها معها، ويقول إن تلك القوة ستنتهي بذهاب الحركة الشعبية إذا حدث انفصال. ويختم حمد حديثه مع (الأهرام اليوم) بقوله إن كل الحركة الاتحادية مصابة بالموات.