الدنيا بنت الكلب .. هي التي أهانت بني جلدتنا، وليس أولئك الذين ضربوا أبناءنا في ديار اغترابهم، ووضعوا أحذيتهم على رؤوسهم، ووصموهم ب (الفحمة( !! ما فعله أولئك.. ليس مستغرباً، فقد فعلوا في بني جلدتهم ما يجعل الولدان شيبا، لكننا كنا نظن، وبعض الظن إثم، أن أولئك يكنون لنا ولو جزءاً مما نكنه لهم من حب، وأنهم سيقدرون ما كانوا سيجدونه لو أتوا لديارنا، من بيوت مفتوحة لضيافتهم، وقلوب بيضاء لاحتوائهم، لا تماثل الفحم كما هي قلوبهم، ولا تذل الوافد إليها ملاذاً .. أو استثماراً .. أو حتى نصباً وتسولاً !! لا نلومهم .. لكننا نلوم الدنيا .. تلك التي جعلت بنينا يضربون في الأرض .. باحثين عن اللقمة .. أو الكرامة .. أو العلاج .. أو العمل .. أو الحياة اللائقة .. تاركين وطنا لم يفهم لغتهم، ولم يرحم إنسانيتهم، ولم يعرف كيف يحافظ عليهم .. من وعثاء السفر، وكآبة المنظر ! لا أحد يفكر مطلقا في الإجابة عن سؤال مهم : لماذا يركب السودانيون المشاق، ويغادرون هرباً، ليتكدسوا أمام سفارات دول أخرى، طمعا في لجوء، أو طموحاً في هجرة لا يعلم مداها إلا الله ؟! كنا نسافر قبل ربع قرن .. ذارفين الدمع، نازفين من الكبد، ليس هرباً من واقع مرير قاس، ولكن رغبة في صمود بقية عزيزة وغالية على أرض وطن عزيز وغال. كنا نسافر، وحلم العودة لا يفارق أجفاننا ولو للحظة، حملنا الوطن اعتزازاً وفخرا، وعكسنا صوراً زاهية في كل دار اغتراب، وساهمنا في صمود شعب وبقاء وطن، وعدنا رغم طول الغياب وصعوبة الواقع . أبناؤنا الآن لا يغادرون ذارفين الدمع، بل يتفلتون والابتسام يعلو محياهم .. بل والزغاريد تتعالى من ديارهم .. والكثيرون منهم .. يسافرون ولا تدور العودة بخيالهم قط ، بل يدغدغ خواطرهم الحلم .. بأن يساعدوا من يهمهم أمره في اللحاق بهم .. بأرض الله الواسعة الفضاء ! حتى فتياتنا .. الحرائر العزيزات المكرمات .. بتن يتلفتن بحثاً عن فرص العمل بالخارج، ومنهن من دخلن بالفعل سباق المغامرة .. فكسبت من كسبت .. وسقطت من سقطت .. وكان الله في عون العباد ! قبل فتح ملف من آذوا أبناءنا، وأذلوا غربتهم، وأساءوا ضيافتهم، علينا فتح الملف النازف .. ملف البراكين التي تدفع بهؤلاء السودانيين للهروب بجلدهم، وارتياد المركب الصعب، بحثا عمّن يحترم طموحهم، ويكترث لإنسانيتهم، ويوفر لهم اللقمة والعمل الكريم والأمان والعافية. أوقفوا النزف .. قبل التباكي مما فعلته بنا .. الدنيا بنت الكلب!!