العد التنازلي بدأ، ستة أشهر فقط تفصلنا عن الحدث الخطير: إعلان السودان دولة واحدة موحدة، أو ميلاد دولة الجنوبالجديدة. ترى هل ستُظلّنا مثل هذه الأيام من العام الجديد والسودان واحد أم منقسم؟ في هذا الحوار، غازي سليمان حاول أن يبدو متفائلاً وقال مؤكداً «السودان سيظل واحداً موحداً». لكنه (وضع العقدة في المنشار) عندما أضاف قائلاً: «إذا كان الاستفتاء حراً ونزيهاً». غازي أكد في هذا الحوار أن صوت الانفصال الصاخب داخل الحركة الشعبية إنما هو صوت القوى المعادية التي على رأسها إسرائيل. وقال إن مؤامرة الانفصال بدأت منذ سنوات بتصفية الدكتور جون قرنق. وإن إسرائيل الآن تقوم بدورها في عملية الاستفتاء بجنوب السودان على قدم وساق. { إقصاء الحركة الشعبية وتهميشها لقياداتها الشمالية في التشكيل الوزاري الجديد لحكومة الجنوب، ثم اختيارها لقيادات الصف الأول لتشكيل حكومة الجنوب وقيادات الصف الثاني للمشاركة في الحكومة القومية بالشمال.. قراءتك للمشهد، هل يعني زهدها في الشمال والشماليين؟ - أولاً، قبل الإجابة على هذا السؤال، أنا عندي سؤال لك أنت.. ماذا تعنين بالحركة الشعبية؟ أنا أعتقد أن الحركة الشعبية لتحرير السودان، وهي حركة الدكتور جونق قرنق؛ حركة «وحدوية» لا تفرق بين قياداتها، أجنوبية كانت أم شمالية. الحركة الشعبية التي أعرفها أنا، وبحسب مواثيقها ومنفستو الحركة، هي حركة قومية وحدوية. الآن القاصي والداني يعرف أنني - غازي سليمان - لدي مشاكل مع بعض قيادات الحركة التي أصبحت في القيادة في ظروف استثنائية، هي غياب المعلم الدكتور جون قرنق، وأنا بالمناسبة لا أعني سلفاكير، بل أعني القيادات الأخرى المتسلطة. { من تعني من القيادات؟ وخلافاتك معها حول ماذا؟ - أنا أختلف مع باقان أموم، وأختلف مع المدعو ياسر سعيد عرمان، وأعتقد أنهما يروجان ويدعوان لمبادئ لا علاقة لها بمبادئ الحركة الشعبية، يروجان للانفصال، والحركة حركة وحدوية. ثانياً، دخلا في تحالفات مع المعارضة، رغم علمهما أنها متحفظة على اتفاقية السلام. وبالمناسبة كان على القوى المعارضة أن تعلم أن موقف الحركة الحالي منها غير مبدئي وانتهازي، والقيادة الحالية التي أعنيها غير مؤهلة، لا عاطفياً ولا... { تعني قيادة الحركة الشعبية؟ -نعم، القيادة التي أعنيها غير مؤهلة، لا ثقافياً ولا عاطفياً ولا سياسياً لقيادة شعب جنوب السودان. وأنا في تقديري هي ليست لديها المقدرة على فصل جنوب السودان عن الشمال، وليست لديها المقدرة على توحيد جنوب السودان مع الشمال، هي قادرة فقط على خلق فوضى في الجنوب، أما عن محاولتها خلق فوضى في الشمال «فحلم الجعان عيش» لأن المؤسسات السيادية في الشمال قادرة على أن تحافظ على الأمن في الشمال. { أنت تقول إن قيادة الحركة الشعبية لا تملك القدرة على فصل الجنوب، سؤالنا هو: هل هي لديها الرغبة في فصل الجنوب؟ - أنا أعتقد أن بعض قيادات الحركة الشعبية - وأرجو أن تعفوني من ذكر الأسماء - عميلة لجهات أجنبية تستهدف السودان ووحدته، هدفها ليس فصل الجنوب فقط، هدفها تمزيق السودان إلى دويلات صغيرة لا حول لها ولا قوة، وعلى رأس هذه الجهات الأجنبية دولة إسرائيل. { بالمناسبة، هل هناك وجود لإسرائيل الآن بالجنوب؟ - عندما أتحدث عن إسرائيل ليس بالضرورة أن يعني هذا أن زعماء إسرائيل يأتون، أو موجودون بالجنوب، هناك مؤشرات واضحة الآن، كل المنظمات المهتمة حالياً بالاستفتاء هي منظمات يتم تمويلها بواسطة إسرائيل، وإذا أردتم أن أعدد لكم الأسماء فأنا مستعد، كل المنظمات الناشطة الآن في ما يختص بموضوع الاستفتاء في جنوب السودان هي منظمات تمولها إسرائيل، وبالمناسبة أنا حضرت مؤتمراً في روسيا في 6 أكتوبر 2009 عن مشكلة دارفور، تحدث في ذلك المؤتمر الاكاديميون الروس بكل صراحة، وقالوا إن مشكلة السودان هي إسرائيل، لأن إسرائيل هي التي تمول الحرب في دارفور، هذا الحديث موثق، وبإمكانكم أن ترجعوا إليه في مضابط ذلك المؤتمر «الحلول العلمية لمشكلة دارفور». { هناك مؤشرات عدة وتصريحات من بعض قيادات الحركة الشعبية تؤكد أن الحركة الآن تعد العدة لفصل الجنوب؟ -أي إشارات انفصالية تأتي من قيادات تزعم أنها قيادات للحركة؛ هي إشارات صادرة عن قوى أجنبية. { لكن خطورة هذه الإشارات تكمن في أن الانفصال سيحدث إذا كانت الحركة ترغب في الانفصال؟ - لن يحدث انفصال.. بالمناسبة أنا أريد أن أقول لك شيئاً «ما حيحصل الانفصال.. حتحصل الحرب!». «قالها بحدة وحزم». { تعني أن الشمال سيحارب من أجل الوحدة؟ - «لازم تفهموا حاجة واحدة.. كلمة انفصال هذه بالنسبة لي أنا معناها العودة إلى الحرب من جديد بين الشمال والجنوب». { هل الشمال سيحارب الجنوب من أجل الوحدة؟ - أول المحاربين هو المؤتمر الوطني، حزب المؤتمر الوطني سيقود الحرب ومن خلفه كل أهل السودان في الشمال والشرق والغرب، لأن العدو ليس هو شعب جنوب السودان، العدو هو العناصر الأجنبية وبالذات إسرائيل. { بالمناسبة صوت الانفصاليين داخل الحركة الشعبية هو الصوت العالي، القيادات الوحدويَّة داخل الحركة، ألا تستطيع أن تسكت صوت الانفصاليين؟ - يا أختي، الوحدة والانفصال ليسا مسؤولية قيادات معينة داخل الحركة، هذه مسؤولية كل شعب السودان. على شعب السودان أن يفهم أن ادعاءات بعض مسؤولي الحركة بأن المؤتمر الوطني لم يعمل على جعل الوحدة جاذبة هذه ادعاءات كاذبة ومغرضة، وهي صوت القوى التي تريد أن تمزق السودان وتنال من وحدته. { إذن، هناك أصابع خارجية تخطط لأن يكون الصوت العالي داخل الحركة هو صوت الانفصال؟ - طبعاً.. طبعاً.. واغتيال الدكتور جون قرنق هو جزء من المؤامرة، هو بداية المؤامرة، الدكتور جون قرنق تمت تصفيته بواسطة القوى المعادية. { هل تعتقد أن بعض قيادات الحركة ربما تكون متورطة في مؤامرة تصفيته؟ - قيادات الحركة ليست لديها القدرة على أن تنال من وحدة السودان أو أن تمزق أراضيه. هذه قيادات محلية لا حول لها ولا قوة. لكن بعض هذه القيادات تأتمر بأوامر تأتي إليها من الدول المؤثرة في المجتمع الدولي. { إذن، أنت ترى أن الدكتور جون قرنق تمت تصفيته لأنه كان وحدوياً.. وهذا الاتجاه الذي كان يسير عليه لم يرض تلك الأصابع الخارجية؟ - مقاطعاً: الدكتور جون قرنق تمت تصفيته بعد الاستقبال الحاشد الذي وجده من أهل الشمال. { الوحدة كانت ستكون شيئاً مؤكداً لو كان جون قرنق موجوداً الآن.. - ليست شيئاً مؤكداً فقط. الدكتور جون قرنق قالها لي.. قال لي يا غازي منذ اليوم ليس هناك شيء اسمه شمال وجنوب ومعارضة.. سنعمل كلنا لأن يجد كل طفل في السودان كوب لبن في الصباح والمساء. الآن هناك إرهاب في الجنوب، القوى الوحدوية تعاني من الإرهاب، وحدثتني بعض القيادات هناك بأنهم لا يستطيعون مجرد إبداء آرائهم، لكن أنا أصر على أن قرار الوحدة أو الانفصال هو قرار كل السودان، وشعب جنوب السودان يعرف أن من مصلحته أن يبقى موحداً مع الشمال. { لكن في الواقع القرار هو قرار الشعب الجنوبي فقط، بحسب الاتفاق؟ - هو قرار الشعب الجنوبي بما يقتضي أن يقول أهل الجنوب رأيهم في استفتاء حر ونزيه. وأنا متأكد أنه إذا كان حراً ونزيهاً فنتيجته ستكون الوحدة، الوحدة في مصلحة أهل الجنوب، والقيادات التي تدعو الآن إلى الانفصال تعرف ذلك لكنها تنفذ أجندة أجنبية مدفوعة الأجر. { الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم في حوار أجرته معه صحيفة «الشرق الأوسط» بدا وكأنه يؤمل كثيراً في أن يحدث الانفصال، وقال في ذلك الحوار إن الحركة الشعبية حزب عابر للحدود لذلك سيبقى بعد الانفصال موجوداً يعمل بالشمال؟! - أنا لم أقرأ حديث «باقان» لكن هذا الكلام لا يمكن لشخص مثقف أن يقول مثله، الحركة الشعبية ليست هي «الموساد» أو ال«C.I.A» لتعبر الحدود، ليس هناك حزب عابر للقارات! هناك أجهزة استخبارات وعملاء عابرون للقارات، ولا أعتقد أن باقان يريد أن يحول الحركة الشعبية إلى استخبارات لدولته المزعومة في الجنوب! { أستاذ غازي، هل تتوقع أن تظلنا مثل هذه الأيام من العام الجديد والسودان موحد أم منقسم؟ - السودان سيظل واحداً أو ستكون هناك حرب يجب أن يستعد لها أهل السودان. { نعود بك إلى سؤالنا الأول عن التشكيل الوزاري الجديد لحكومة الجنوب- فأنت لم تجب عن السؤال؟ - التشكيل الوزاري الجديد لحكومة الجنوب ليس لي شأن به. { لماذا ليس لك شأن به؟ - لأنني أعتقد أن الوضع الحالي في جنوب السودان لا يساعد على قراءة الأحداث القادمة، باستثناء حدث واحد أنا أتوقعه- أن تعم الفوضى جنوب السودان. { ما سيناريو هذه الفوضى؟ - الفوضى الآن بائنة لأي مراقب لما يجري في جنوب السودان، هناك قيادات حملت السلاح وخرجت عن شرعية الحكومة المركزية في جوبا، هذه بداية الفوضى. والفوضى حدثت لأن الحركة خرجت عن برنامجها الأساسي. برنامجها «الوحدوي» الذي كان يقتضي تعاوناً غير محدود مع شريكها في الاتفاقية «المؤتمر الوطني». { القيادات الشمالية داخل الحركة تم تهميشها وإقصاؤها - مثل غازي سليمان، ود. محمد يوسف، ومنصور خالد، و...؟ - أنا شخصياً همشت، واعترف بأنني همشت بواسطة الذين اختطفوا قيادة الحركة الشعبية، أما تهميش منصور خالد، ود. محمد يوسف؛ فسلوا عنه د. محمد، ود. منصور. وأنا أعتقد أن أي شمالي داخل الحركة يقبل الأطروحات الحالية لقيادة الحركة التي تدعو صراحة إلى الانفصال؛ هذا رجل ينفذ أجندة ضد مصلحة السودان ووحدة أراضيه. فالانفصال يعني الحرب، لأنه لا يخدم إطلاقاً مصلحة أهلنا في الجنوب، بل يخدم مصالح دول أجنبية على رأسها إسرائيل، تهدف إلى تمزيق السودان. { معروف أن هناك خلافات كبيرة بينك وبعض قيادات الحركة الشعبية، كما أشرت في هذا الحوار وفي حوار سابق أجريناه معك، ما وضعك الآن داخل الحركة؟ - تدعِّي بعض القيادات التي تحتاج هي للفصل أنها فصلتني من الحركة، عموماً أنا رجل «قومي» والحركة تدعو إلى قومية التوجهات في داخلها، أنا رجل قومي لا يشرفني أن أنتمي لأي مجموعة من بينها بعض الشخصيات التي أعتبرها تنفذ أجندة أجنبية، وأنا أقول لهذه الشخصيات إنني على ثقة أنها لن تجد مكاناً في المستقبل، لا في الجنوب ولا في الشمال ولا في الشرق ولا في الغرب، المكان الوحيد الملائم لها في المستقبل هو أن تعيش في دولة أجنبية غير أفريقية، ولا أقول في إسرائيل، لأن إسرائيل إلى زوال إن شاء الله!