واحدة من الظواهر الملفتة في شوارع الخرطوم، هي ظاهرة جيوش العربات الفارهة ماركة (انتو أعرفوا اسمها ونحن بنركبها)، وهي موديلات تنافس ما يركبه نجوم السينما العالمية إن كان في هوليوود أو بوليوود مما يجعلنا نسأل هل نحن شعب نعيش الرفاهية بصورة مبالغ فيها والكادحين الذين يتحدثون عن شظف العيش ديل جايين من وين؟! فالظاهرة مقلقة لأنها توضِّح بجلاء أن المجتمع السوداني أنفسهم إلى طبقتين، طبقة الأغنياء (المرطِّبين) وطبقة الفقراء (المقشِّطين). وهؤلاء على فكرة هم أكثر خلق الله قناعة بما قُسِم لهم من رزق ويمنُّون أنفسهم صباح مساء بأن تحقق الحكومة ما وعدتهم به في برنامجها الانتخابي من توفير لقمة العيش، والسكن، والصحة، والتعليم، بل أن بعضهم هلّل لحديث والي الخرطوم السيد عبدالرحمن الخضر بأن سعر كيلو الدجاج سيكون بخمسة جنيهات ووعدوا أنفسهم بأن يكون رمضان هذا العام كله (جيكن في جيكن) وربما ابتدعت واحدة من ربّات البيوت عصير دجاج (كيتاً) في هذه الوجبة التي ارتبطت بأصحاب الجيوب المنفوخة، لكن هل تعلم سيدي الوالي أن صبيحة القرار اتجهت إلى أقرب بقالة لأسأل عن كيلو الدجاج فوجدت الحال كما هو عليه حين خاطبني صاحب البقالة من خلف مكتبه الذي يجلس عليه وهو يمسح وجهه عن بقايا باسطة كان يلتهمها بشراهة (ماجانا كلام زي ده) طيب الكلام موجّه لمين، وهل فعّل السيد الوالي أجهزته الرقابية لتنفيذ ما صرّح به لجمهور ولايته؟! على فكرة نسبة الوعي الكبيرة بين البسطاء جعلتهم برلماناً راجلاً لو أن المسؤولين عادوا إليه واستمعوا لأحاديثه لكان خيراً لهم لأن عندهم الخبر اليقين. يعني مثلاً حكاية البصات التي دشنتها الولاية مؤخراً سمعت الكثير من الآراء حولها تمنيت لو أنها وصلت للسيد الوالي أولها هو سعر التذكرة المضاعف مقارنة بالحافلات والعربات السريعة حيث أن البعض قال طالما أن هذه البصات حكومية كان ينبغي أن تكون قيمة الرحلة فيها أقل من قيمة الرحلة في العربات الخاصة. وقال البعض إنه يستغرب أن هذه البصات ترفض حمل الطلاب بنصف القيمة في حين أن هذا العرف سائد وبصورة اجبارية على المركبات الخاصة. أحياناً كثيرة أسأل نفسي هل المسؤولين يستمعون إلى نبض الشارع؟ هل يرصدون ردود الأفعال تجاه القرارات التي يصدرونها؟ أنا لو عليّ ينزل المسؤول بنفسه في سوق الله أكبر ليجمع حوله الناس ويسمع منهم مباشرة دون مستشارين أو وسطاء وعندهم سيجد الرأي السديد لأنهم أصحاب الوجعة، وما في زول (بشيل أصبعه ويطبظ عينه). على فكرة واحدة من أحلامي -وأخشى أن تكون زي أحلام زلوط- أن يكون هناك (برلمان للفقراء) يجتمعون فيه يطرحون مشاكلهم وأحلامهم وآمالهم ويرفعون توصياتهم للحكومة. وربما يسألني أحدكم ويقول لي برلمان للفقراء ليه وفي نواب برلمان منتخبين من الشعب نفسه؟ أقول إنه وللأسف ما أن يطأ الكثيرون منهم المبنى الفخم ويستظلون بالسقف المذهّب، انقطع عملهم إلا من ثلاث: مغازلة الحكومة (وتظبيط) مواضيعهم الخاصة والتفكير في الدورة البرلمانية القادمة، أما الكادحين الذين انتخبوهم إتحدى شخص يقول لي شاف نائب دائرته آخر مرة متين؟ نحن يا سادة محتاجون أن نستعيد فيكم الثقة ومحتاجون أن تحترموا عقولنا لأننا لم نمنحكم أصواتنا لأننا (دقوس) ولكن من باب حُسن الظن فيكم فكونوا على قدر الثقة!! { كلمة عزيزة إذاعة ذاكرة الأمة من فكّر فيها يستحق أن نمنحه جائزة ابن السودان البار، لأن الأجيال الحالية محتاجة إلى من يذكرها مبدعينا وابداعاتنا، إذ أن أكثرهم منبهر بثقافات الغير ولو أنه (بُصِّر) بثقافتنا وإرثنا لأدرك أننا من خير الأمم في هذه البسيطة وإن كنت أعتقد أن ساعات بثها ليس كافية إذ كان ينبغي أن يكون بثها متواصلاً الأربعة والعشرين ساعة لأن ذاكرة الأمة زاخرة بما يملأ ساعات اليوم بطوله، فالتحية للقائمين على أمر هذه الإذاعة وتحية بصفة خاصة لصوت أعشقه حد العشق وهو صوت الإذاعية المتمكنة سعاد أبو عاقلة!! { كلمة أعز تبقت أسابيع قليلة على شهر رمضان الفضيل وبالتأكيد أن ما تقدمه الفضائيات بصفة خاصة سيجد منا المتابعة والتحليل. فرجاءً اشتغلوا صاح عشان ما تجرِّحوا صيامنا!!