{ هل تعتقدون أن أي طبيب أريب في هذا الزمن قادر على تشخيص المرض ووصف العلاج الناجع دون معاونة أطباء المختبرات؟ وهل يدَّعي أي طبيب أنه قادر على تجاوز النتائج المهمة التي تأتيه من (الفحِّيص)؟ وهل توقّفتم يوماً لتُمعنوا التفكير في المهام الجسيمة التي ينجزها (تقني) المختبرات الطبية في سبيل الوصول إلى مكمن الداء وبدء رحلة الاستشفاء؟ وهل تبدو أسئلتي غريبة وبسيطة وسهلة الإجابة؟ ربما لا أستطيع أن أجيب بالإنابة عنكم مهما اختلفت وجهات نظركم أو تسميتكم لشباب المختبرات الطبية المتحركين في جميع اتجاهات ودهاليز الطب، وأبسط ما يمكنني أن أقدمه لهم هو أن أرفع القبعة احتراماً وأعلن عن امتناني الكبير لأنهم يمسكون بيدي وأيادي الجميع ليعبروا معنا الدروب الوعرة المؤلمة لنبلغ تمام العافية. { واسمحوا لي في البدء أن أنادي كلاً منهم ب (طبيب المختبر).. فهذا أضعف الإيمان، ولا أرى غضاضة في أن يشملهم المعنى النبيل لمفهوم الطب، فدعونا نتّفق على هذا المسمى أولاً فهم يستحقونه، غير أنهم لم يضربوا (بعد)! رغم انشغالهم الآن في البحث عن إجابة للسؤال المهم: «طبيب المختبر.. كيف يكون لك الحق في تقرير المصير؟!» والإجابة قد تكون ثورة كبيرة أخشى ما أخشاه من عواقبها الوخيمة عندما ينتفض هذا المارد المحبط بكل حقوقه المهضومة ويبحث عن موطئ قدم لأحلامه المؤجلة. { والسؤال الذي يفرض نفسه نحمله هنا بكل استنكار لإدارة المعامل بوزارة الصحة التي فتحت الباب على مصراعيه أمام هؤلاء الشباب الطامحين، وأعلنت عن (460) وظيفة حكومية لهم، وسمحت لهم بخوض المعاينات المعنيّة بالطب العلاجي من شهر أبريل المنصرم، ثم أغلقت أذنيها عن جميع استفساراتهم عن النتائج والتفاصيل، ليصبح الأمر غامضاً وعجيباً وربما مريباً.. فهل كانت الحكاية برمَّتها لدواعٍ انتخابية زالت بزوال المؤثر؟! أم أين النتائج.. وما هي الجهة المسؤولة عن هذه المماطلة والتسويف و«الشحططة» التي يعاني منها أطباء المختبرات الطبية الذين اختاروا بملء إرادتهم العمل في خدمة الوطن ومواطنيه ومرافقه الصحية؟، ليفاجأوا بأن (الساعدوه في علاج أبوه.. دسّ نتيجة التحاليل) !! أين ذهبت الوظائف يا ناس الصحة؟! ولماذا ما زالت أيادٍ بعينها - تحدّثنا عنها سابقاً - تعبث وتصول وتجول بمجلس «المحن» الطبية دون رادع ولا ضمير؟! وماذا قدّمتهم لهؤلاء الشباب لتعاونوهم في تنفيذ مشروع المسار والامتياز أو إنشاء أكاديمية السودان للمختبرات الطبية، أو كل الأفكار الإيجابية التي يسعى اتحاد طلاب وخريجي المختبرات الطبية لإنزالها أرض الواقع، رغم ظروفهم الصعبة، وكيف تنام أعين الوزارة وطبيب المختبر المتعاون الذي لم يجد بداً من هذا التعاون يبذل قصارى جهده ويتفانى ويبقي ضميره مستيقظاً ليقبض في نهاية الشهر حفنة من الجنيهات لا تتجاوز ال (150)، ولا يعرف هل يضحك حينها أم يبكي؟! { بالله عليكم.. تصوروا الحال عندما يقرر هؤلاء الشباب الإضراب، أو يذهبوا بضمائرهم في رحلة نوم طويلة فتختلط نتائج التحليل ويصبح بعضها مغلوطاً ويُشخّص المرض بصورة خاطئة ويصرف المريض علاجاً خاطئاً ثم «المرحوم كان طيب»، لأن المعمل لم يكن منضبطاً وطبيب المختبر كان محبطاً ومحاصراً بالهموم والمشاكل. { إذن.. ضاعت الوظائف بنسبتها الضعيفة.. وتفرق دمها بين إدارات وزارة الصحة في بادرة غريبة، وكل أطباء المختبرات الذين آثروا التعاون في المستشفيات الحكومية الولائية كفروا بمبدأ التعاون. والجدير بالذكر أن الحال في مستشفيات الولايات قد يكون أفضل قليلاً من مستشفيات العاصمة الحضارية بكل مؤسساتها الطبية التجارية التي تعينك على الشفاء كلما دفعت أكثر، والمجلس مشغول بالعدائية والمعاكسات والجدل البيزنطي في أمور هامشية لا تمتُّ لجوهر الأمر بصلة، وإدارته متزمتة متشددة وكأنها تسعى للانتقام وتحرص على إسكات الأصوات التي تعلو في وجهها مثلما وصلني منهم تهديد هاتفي من قبل، والشباب ضائع.. يخشى الغد ولا يعرف كيف يتصرّف، والأسر مكلومة وحزينة، والأمور تمضي نحو الأسوأ والوطن يقف دامع العينين يقلب كفيه استغراباً.. وعجبي. { تلويح: أنا طبيب مختبر.. إذاً أنا مُحبَط و«مفلس».