مهما يكن من أمر، دعوة د. غازي صلاح الدين مسؤول ملف دارفور لمراجعة المبادرة العربية الإفريقية المشتركة وأن ما يمكن استنتاجه جملة من الحقائق التي لابد من أخذها في الحسبان عند النظر في مستقبل عملية التفاوض وفق المبادرة الراهنة وهي كما يلي: 1 إن التركيز فقط على عملية التفاوض مع الحركات المسلحة وتسليط الأضواء على ذلك الجانب فقط من جهود السلام يُعطي انطباعاً بأن السلام يمكن اختزاله في التفاوض وتلخيصه في استرضاء تلك الحركات بحيث يكون توقيعها إعلاناً بانتهاء المشكلة وفي هذا التوصيف نظر وفي اتفاقية أبوجا وما أعقبها عبرة ينبغي الاعتبار بها. 2 إن اجتزاء العملية السلمية في التفاوض مع حركات منقسمة باطراد يشوّه ويبسِّط حقيقة السلام الذي هو في صميمه عملية متكاملة تشمل على المصالحات وإبراء الجراح وتعويض المتضررين وتحقيق العدالة وتحقيق التنمية وحل مشكلة الشرائح المتضررة كالنازحين وتعميق الحوار الداخلي من أجل ترسيخ السلام وتطبيق نصوص قسمة السلطة والثروة. 3 إن التمييز غير المتوازن في العملية لمصلحة اجراءات التفاوض يشجع المزايدات السياسية والتموضع الإعلامي، الشيء الذي يغذي الانقسامات بين الحركات ويُضعف النتائج التفاوضية كما يضعف الالتزام بها، تأسيساً على ذلك لابد من العمل على إعطاء دفعة قوية للتفاوض ولكن في إطار مفهوم متكامل للعملية السلمية، يربط ما بين وجوه تحقيق السلام المتعددة. ابتداءً تأتي قراءتنا أن النقد الذي وجهه د. غازي صلاح الدين لمفاوضات الدوحة ينطوي على تقييم سليم في مجمله وقوله: «لقد أجرينا نقداً موضوعياً للمبادرة حيث أنها وبعد مرور عام على انطلاقها لم تستوفِ الأهداف المرسومة لها»، مؤكداً أن الحكومة مازالت ملتزمة بها ولكنها ستمضي في تنفيذ استراتيجيتها الجديدة التي تقوم على العمل قريباً من المواطنين وبناء مؤسسات الحكم في دارفور، بجانب التفاعل مع دول الجوار ودعم القضايا الإنسانية، وفي ضوء ما تقدم وبمنطق غير مغاير شككت منذ البداية في قدرة مبادرة الدوحة في حسم إشكال دارفور لأسباب جوهرية تمثلت في افتقارها للدور الدارفوري الموحّد بعد أن تشظت الحركات الدارفورية المسلحة وضعف دور القوى الاجتماعية والسياسية الداخلية في دارفور ولا جدال أن يكون هو الحوار الدارفوري الدارفوري المنتوج بين مكونات الإقليم دون تدخل من الحكومة أو أي طرق أخرى حتى يصل أبناء دارفور إلى رؤية موحدة حول مطالبهم يمكن أن يتم الحوار حولها، ومساهمة كافة القوى المختلفة السياسية الفاعلة جميعاً في السعي لحل إشكال دارفور دون أن ينفرد طرف واحد في التفاوض وفي غيبة هذا التوجُّه تصبح أي مفاوضات تجري هي بالضرورة مفاوضات جزئية يقوم بها فريق في غيبة الآخرين الذين يضطرون إلى المزايدة وهم خارج حلبة التفاوض، ويخلقون بالتالي تيارات تؤثر على مجرى التفاوض العام وفي نهاية الأمر فإن أي اتفاق يتم التوصل إليه في الدوحة مع الحركة المفاوضة لا يعدو أن يكون تكراراً مملاً لاتفاق أبوجا، وبعبارة أخرى أن إشكال دارفور يحتاج إلى معالجة جماعية تشارك فيها كل القوى حتى تصل إلى رؤية مشتركة يُسهم في صناعتها الجميع دون أن تنفرد بذلك جهة أخرى ودون شروط مسبقة، ومن ناحية أخرى يمكن القول بوجوب النظر إلى الدول الإقليمية والدولية التي لها أجندة على إشكال دارفور، فالقضية خرجت من أيدي الحركات المسلحة تماماً ولا جدال. واستناداً إلى تلك المعطيات آن الأوان لاستراتيجية الخرطومالجديدة لحل مشكلة دارفور أن تغيير سياستها الكلية تجاه ملف دارفور لتحقيق السلام وأن الذي يحتاج لتغيير ليست المبادرة المشتركة بقدر تغيير سياسة الخرطوم للتعاطي مع الأزمة في دارفور نظراً لتبعثُر موازنات القوى الدولية والإقليمية التي كانت وراء الدعوة لإعادة تقييم المبادرة المشركة وأن إعادة التقييم تُعد أول كرت ضغط دولي ضد الخرطوم بعد الانتخابات وفق شروط التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومسألة الوجود الصيني في السودان فضلاً عن عدم توحُّد الحركات المسلحة ولم تأت جميعها للتفاوض وما تخلص إليه أن استراتيجية الحل تكمن أولاً في الاعتراف بالأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأزمة وطرحها في إطار وطني كقضية وطنية أفرزتها مسيرة الصراع السياسي والاجتماعي في البلاد والنظر إليها من موقع خطورتها على الوحدة الوطنية في السودان.