من بين ما جاء في تصريحات د. نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية، عقب لقائه بالمبعوث الأمريكي الخاص اسكوت غرايشن، يوم الأحد الماضي: أن واشنطن ترغب في محاولة مكافحة التصحر باعتبار أن التصحر هو السبب الأساسي في نزاعات دارفور وبلا شك أن التصحر بالسودان، في زحفه اليومي المتواصل، أضحى أكبر خطر للقضاء على أغلى ثروة من ثروات السودان المتمثلة في أراضيه الخصبة، ومراعيه الخضراء وغاباته ذات الفوائد العديدة، وعلى رأسها الصمغ العربي وأخشاب الأثاثات والبناء..الخ. وإزاء رغبة أمريكا في مكافحة التصحر وصف نائب رئيس الجمهورية هذه الرغبة بالتنافس في جدية أمريكا بين محاولة تقديمها أعمالاً ايجابية للسودان، وبين دعمها للمحكمة الجنائية ضد السودان. وبالحق إذا كانت أمريكا تنطوي رغبتها على جدية حقيقية، وخالصة وخالية من الشوائب، في مساعدة السودان، للقضاء على التصحر، فكيف يستقيم هذا المنطق مع دعم أمريكا للجنائية وهو أمر لن يقود إلا لاندلاع فوضى عارمة وعمياء تتمدد لتشمل السودان كله، وتقضي على أخضره ويابسه، وتمزيق أوصاله إرباً إرباً، خاصة واستفتاء بالجنوب على الأبواب، وكل الجهود مبذولة لاجرائه في موعده في سلام، إما بالوحدة أو الانفصال. فهل يغيب على أمريكا ما يمكن أن يحدث في حال دعمها للجنائية، والانتقال بها إلى مرحلة اجراءات عملية ضد رأس الدولة وآخرين؟ فما الذي يمكن أن تتوقع أمريكا أن يصب في مصلحتها في حال إصرارها وإصرار الدمى التي تحركها خلف الكواليس، على خشبة مسرحية الجنائية الهزلية المكشوفة أمام العالم الذي يدرك ضميره الحي أن أول من يستحقون المثول أمام محكمة جزاءات دولية حقيقية، لا محكمة لاهاي المفبركة والزائفة، هم أولاً زبانية الإبادة الجماعية في أفغانستان والعراق وفلسطين، مما يشاهده العالم يومياً على شاشات المحطات الفضائية، وعلى مدى سنوات طوال وليس في دارفور التي لو لا أن الحركات المسلحة كانت هي البادئة بالحرب وتتلقى الدعم من الخارج، لما جرى ما جرى. أما إذا كانت لأمريكا الآن مصلحة في السودان بدخول شركاتها في مجالات الاستثمار والتنقيب عن النفط، فالمعلوم أن السودان لا يمانع في ذلك بل ظل يعلن أن أبوابه مفتوحة أمام أية شركة أمريكية ترغب في ذلك ولكن على مبدأ المنفعة المشتركة والالتزام بالقوانين المتعارف عليها في العالم. ولكن أمريكا هي التي لم تحرك ساكناً على هذا الصعيد منذ انسحاب شركة شيفرون التي تحججت بذريعة حرب الجنوب وما تحدثه من عدم توفير للأمن مما لا يسمح لها بالاستمرار في الاستكشاف والتنقيب والإنتاج النفطي. على أن السودان اليوم أفضل حالاً مما كان عليه أيام حرب الجنوب ويرجع ذلك إلى اتفاقية السلام التي كان لأمريكا دورها المشهود في التوقيع عليها بين طرفي النزاع، حكومة السودان والحركة الشعبية. بل يمكن أن يكون حال السودان أفضل بكثير جداً جداً إذا أسهمت أمريكا بدور فاعل تضامناً مع الجهود العربية والإفريقية المبذولة لحل إشكالية دارفور، واستقرار الأوضاع في الجنوب، واجراء الاستفتاء في ميقاته المحدد. ولكل هذا فمن مصلحة أمريكا وشركاتها أن تضطلع بدور حقيقي في إلغاء الجنائية واسدال الستار على مسرحيتها الهزلية المكشوفة، وبذلك وحده يمكن لأهل السودان أن يتقبلوا رغبتها في مكافحة الزحف الصحراوي في دارفور، بل وفي غيرها من مناطق السودان الأخرى المنكوبة بالتصحر. على مدى سنوات ظل هذا القلم يكتب مخاطباً مجموعة شركات دال، ويطرح أمامها السؤال: أين مشروع أرقين لزراعة القمح «خمسة ملايين» فدان الذي وعدت بتنفيذه، من أجل الاستهلاك المحلي والتصدير! وبلا شك أن إعلان الخبر وحده وقتها جعل قلوب أهل السودان ترقص طرباً للخير القادم من منطقة أرقين، مما يحرر السودان من استيراد هذا الطعام من الخارج بالعملات الحرة، ويبعث حياة جديدة في أرقين المسكينة، ويحارب الفقر والبطالة، ويضيف كثيراً إلى مشروع النهضة الزراعية. فهل نتلقى رداً من إدارة دال، ومن القائمين على إدارة مشروع النهضة الزراعية، أم تبقى هذه السطور مجرد (كلام جرايد) تذروه الرياح؟ آخر ما جاء في تقرير البنك الدولي أن ستين مليون نسمة يعانون من الفقر والحاجة، لماذا؟ نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية. يا إلهي!.. ولأن الأمر يعنينا كدولة غالب أهلها فقراء يئنون تحت وطأة الحاجة فلماذا لا تحتل هذه القضية مركز الاهتمام الأول في العمل الوطني؟ ليس انعدام الذوق وإنما انعدام الضمير هو السبب الرئيس في تصاعد حوادث المرور، وقتل الآخرين أفراداً وجماعات، بالسرعة المجنونة والتخطي الملعون. فما جدوى استجلاب آخر صيحة في عالم الرقابة المرورية على المخالفات القاتلة، وضمير بعض سائقي السيارات متجمّد داخل فريزر ثلاجة؟ القضية هي في إنسان معدوم الضمير ولا يبالي. قبل أكثر من سبعين عاماً، كنت أستمع لقصص يرويها أهلي بأم درمان، عن تماثيل صغيرة من ذهب كانت تجرفها سيول الأمطار من البجراوية إلى قراهم في قدو وفي جبل أم علي. ومعلوم أن البجراوية تقع في كبوشية الغنية بمعدن الذهب ويطلق عليها جوهانسبيرج السودانية. الآن فقط أصبحت البجراوية منطقة سياحية، بعد كل هذه الأعوام من الاستقلال فهل تتواصل الجهود لتحويل كبوشية إلى جوهانسبيرج السودان؟ هذا هو المتوقع، مما يضيف مورداً هائلاً لتمويل الزراعة والصناعة ومكافحة الفقر من حر مال السودان.