تعيش بلادنا هذه الايام موجة شرسة من الغلاء لم تشهدها البلاد من قبل.. الغلاء في كل شيء.. الغلاء ذو العلاقة بالامور الحياتية المعروفة كالأكل والشرب، نعيش ذلك رغم أننا الدولة التي رشحت لتكون ضمن 3 دول تغذي العالم ليس العالم العربي وانما العالم جله، نعيش الغلاء ونحن نمتلك أكبر نهر في الدنيا ونمتلك كذلك أراضي واسعة وخصبة وخريفا قد تصل معدلاته في أغلب الأحيان إلى 400 ملم، نمتلك كذلك عقولا نيرة تصنع المستحيل و«تعمل من الفسيخ شربات» كما يقولون، رغم ما نمتلك ولكن وبكل أسف لم نستغلها. فالغلاء عندما يحدث في المواد الاستهلاكية فإن هذا بمثابة إنذار مبكر بالمجاعة والفجوة الغذائية ونحن بلد المليون ميل مربع وسلة غذاء العالم، أين هذه الشعارات التي رفعت؟ وأين نحن من شعار شاعرنا محمد عبد الحليم: شعارنا العالي بيرفع والعالم كله بيسمع فلنأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع الآن ماتت هذه الشعارات ولم يتم تحقيقها ووئدت وقتلت والذنب الذي قتلت من أجله غير معروف.. فالغلاء عندما يحدث فأمور أخرى كثيرة قد أدت إلى حدوثه فأولها الوفرة وقلة العرض، فعدم الوفرة وقلة العرض يتسببان بطريقة أو بأخرى في إحداث المجاعة والغلاء. فولايات السودان المختلفة ومنها الشرقية تتحدث التقارير الواردة من هنالك عن المجاعة التي ضربتها وكيف أن البعض قد هجر قراه بحثاً عن الأكل والشرب وحتماً سيموت العشرات من هؤلاء وهم يعيشون حالة الضنك ولكنهم في ذات الوقت يتعففون عن السؤال حيث تحسبهم أغنياء من التعفف فهذه دائماً هي شيمة أهل السودان الشرفاء، فرغم الجوع والفقر فإنهم لا يتحدثون عن ذلك بل يهجرون القرى التي أحبوها بحثاً عن الأكل. إذاً لمن نشكو هذه «المعضلة» ونحن نعاني الغلاء؟.. هل يعقل سادتي أن يصل كيلو الضأن إلى 20 جنيهاً والطماطم الى 20 جنيهاً والبامية الى 14 جنيهاً؟ فهذه السلع تعتبر ذات قيمة ولا غنى لأهلي البسطاء عنها، فهذه الأسعار ربما ترتفع إلى أكثر مما نتخيل خاصة وأن رمضان على الأبواب إذ أن معظم السلع الاستهلاكية ترتفع في هذا الشهر الكريم وهذه عادة إعتاد عليها أهل السودان. الآن من ينقذ أهل السودان من هذه الموجة؟ ولمن نشتكي؟ فوزارة المالية تؤكد أن ضعف الإنتاج وراء الغلاء. إذاً من المسؤول عن ضعف الإنتاج في ظل إهمال الدولة ممثلاً في المالية نفسها للقطاع الزراعي؟ من المسؤول عن الغلاء والعرض ما زال دون المستوى؟، لماذا «نربع أيدينا» وننتظر بعد أن يموت المواطن جوعاً؟، لماذا لا نفتح أبواب الاستيراد على مصراعيها ونغرق أسواقنا بمختلف السلع الاستهلاكية ومن مختلف دول العالم طالما أننا عجزنا عن الوفرة والتوفير؟ فالاستيراد هو الوحيد الذي سيوجد لنا الوفرة، افتحوا هذا الباب ولا تترددوا بل ولا حتى نخجل من افتتاحه وإذا أصابنا الحياء من فتح هذا الباب ونحن بلد زراعي من الطراز الأول فيجب أن نفتحه ونحن مطأطيء الرؤوس. افتحوا الباب لتدخل إلينا خيرات الدنيا فالمجاعة أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحدوث، الآن نحن نعيشها ونعيش عام الرمادة كذلك. فأين وزارة الزراعة من كل هذا والبلاد تعاني ضعف الانتاج؟ أين النهضة الزراعية؟ فهل هي يا ترى عبارة عن (بودي سياسي) فقط ومكملة لوزارة الزراعة الاتحادية كما قال وزير الزراعة د. المتعافي في مؤتمره الصحافي الذي عقده مؤخراً بالخرطوم؟، فاذا كانت لا دور لها سوى دور التكميل فلماذا لم تحل هذه الامانة ونعلن أنها عجزت عن توفير الغذاء لأهل السودان؟. نحلها ونسرح موظفيها لينضموا إلى ركب خريجي كليات الزراعة لنحميهم بعد ذلك بالبيوت المحمية. فعلى الجهات المختصة التفكير اليوم قبل الغد في فتح باب الاستيراد واغراق السوق بما لذ وطاب وليس لدى أهل السودان كلهم مواشٍ وحملان لكي أبيع 4 حملان واشترى مقابل ذلك «جوال عيش» لنقول لا توجد مجاعة يا متعافي فالحملان نفسها سنفتقدها في ظل إهمالنا لقطاعها وبعد ذلك نبيع ملابسنا مقابل ربع من «العيش» فقط وليس جوالا منه يا وزير الزراعة..