نرجع للماضي كثيراً لنتعلم .. وفي كل مرة نجد معلومة جديدة أو كماً من المعلومات .. وأحياناً نجد أن إلمامنا ببعض المسائل كان قاصراً .. وأن أخطاء كثيرة كنا نتعامل معها على أنها معلومات مؤكدة. وفي نفس الوقت فإن ما كتب في الماضي وعنه لا يشتمل على كل الوقائع فما كل ما يعرف يكتب.. وهناك دائماً تعتيمات على كثير مما جرى فعلاً ..ولكن هناك تعتيمات لا مبرر لها. وأدخل في الموضرع فقد لاحظت مثلاً أن ما كتب عن الدكتور أحمد السيد حمد في اكتوبر 2009م بعد وفاته التي حدثت في سبتمبر من ذلك العام ليس فيه سطر واحد عن تجربة مهمة شجاعة خاضها القطب الاتحادي الكبير حين عمل وزيراً في العهد المايوي ومستشاراً لرئيس الجمهورية الاسبق جعفر نميري. وقلت بيني وبين نفسي إن الأجيال القادمة إذا ما أتيح لها أن تقرأ مثل تلك الكتابات عن الدكتور أحمد السيد حمد فإن معرفتها به سوف تكون ناقصة. ولقد كان في مقدمة ثوابت الدكتور وحدة السودان ومصر أو ضرورة وجود علاقة خاصة، عملية حميمة بين البلدين وكان النظام المايوي طوال عمره الذي انتهى في أبريل 1985م هو الأكثر اقتراباً من تحقيق هذه العلاقة وكان عملياً وليس نظرياً فقط أكثر اقتراباً حتى من الحركة الاتحادية التي كان الدكتور أحمد السيد حمد في صميمها منذ صباه .. ولذلك ولأسباب أخرى عمل الدكتور من داخل النظام المايوي وزيراً ومستشاراً للرئيس. ولذلك هتف من داخل برلمان وادي النيل عام 1982م وفي وجود الرئيسين نميري ومبارك «عاشت وحدة وادي النيل .. عاش نميري عاشم مبارك». وقد انتقد بعض الاتحاديين الدكتور على ذلك الموقف.. كيف يتعامل ويتعاون الدكتور مع النظام المايوي الديكتاتوري الذي وصل إلى الحكم عن طريق الانقلاب العسكري؟ ومن الغريب أن أولئك الاتحاديين كانوا يقيمون ثورة يوليو1952م المصرية تقييماً عالياً رغم أنها أصلاً كانت انقلاباً عسكرياً. والأغرب أن بعضهم كانوا أقاموا تحالفاً إستراتيجياً بينهم وبين حزب البعث العربي الاشتراكي الذي لم يعرف عنه قط أنه وصل إلى الحكم عن طريق الانتخابات. ونعتقد أن الدكتور أحمد السيد حمد عمل وزيراً ومستشاراً للرئيس في الفترة المايوية بكل الإخلاص وأنه لم يكن من تلك الفئة التي أيدت النظام المايوي وتعاونت معه ثم بعد الإطاحة به في أبريل 85 كان المبرر هو أنهم دخلوا النظام المايوي لينسفوه من الداخل ولم يصدقهم أحد. إن الكتابة أمانة والتعتيم على بعض الوقائع لا يليق بمن يتصدون لتنوير الناس وتغذية الذاكرة الوطنية. ويبقى أحمد السيد حمد رمزاً جليلاً في حياتنا السياسية وفي تاريخنا الوطني .. ولا أحد يشكك في إتحاديته ولا أحد يدعي أن مكانته هبطت بعمله وزيراً في حكومة نميري ثم مستشاراً له حتى فجر 6/أبريل/1985م.