«إذا انفصل الجنوب فسوف يظهر جنوب آخر.. في الشمال»، كلام خطير وقائله هو السيد ياسر عرمان أحد قادة الحركة الشعبية، وفي نفس الوقت فإن احتمال تحقُّقه، أي أن يظهر جنوب آخر في الشمال بعد الانفصال هذا الاحتمال كبير. فيظهر بعد الانفصال من يرفعون راية التهميش في الشمال وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء المهمشون الجُدد هم من الجنوبيين الذين تمكّنوا من البقاء داخل الشمال بعد تقسيم السودان إلى دولتين، وإنما يمكن أن يكونوا من أعراق أخرى من مختلف جهات السودان الشمالي. ثم يطالبون بتقرير المصير. وقد كُتب الكثير عن أن حق تقرير المصير هو حق الشعوب الخاضعة للاستعمار وليس حق الأقليات داخل الوطن الواحد المستقل، لكن ما جرى قد جرى فقد حصل الجنوبيون على حق تقرير المصير. والخطورة أن يشكّل هذا الحصول سابقة يستند عليها آخرون ومؤكد أنهم سوف ينالون دعماً دولياً كبيراً؟! فالقوى الكبرى لا تريده أبداً سوداناً واحداً قوياً غنياً. إذن.. إذا كان السيد ياسر عرمان يُدرك ذلك كله، وإذا كان في نفس الوقت وحدوياً كما يقول لماذا وقف أساساً مع حق تقرير المصير، والاستفتاء؟، ثم بعد أن وقف مع تقرير المصير لماذا لم يكن تركيزه على ضرورة الوحدة، وحدة السودان وأهميتها في قوة تركيزه على حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم؟ ولماذا لا يعمل على تخفيف النغمة الانفصالية السائدة في الجنوب والمظاهر الانفصالية ولماذا لا يشرع في التبشير الصادق بالوحدة؟ إنهم لو كانوا وحدويين حقيقة لثبّتوا الوحدة وأعلنوا إيمانهم بها وحرصهم عليها من داخل برلمان الجنوب، ويسقط الاستفتاء تلقائياً وسوف يهتف لهم شعبهم داخل الجنوب بل في كل السودان من نمولي إلى حلفا ومن الجنينة إلى بورتسودان، وبذلك تؤكد الحركة الشعبية أنها فعلاً حركة وحدوية، وتستطيع بعد ذلك أن تسعى إلى إقامة سودان آخر جديد. إن الانفصال هزيمة لكل القوى السياسية شمالاً وجنوباً بما في ذلك بالطبع الحركة الشعبية وهي في حالة الانفصال تبقى عاجزة تماماً عن إقامة مشروعها الكبير الشهير السودان الجديد كيف تتخلى أحزابنا بمثل هذه السهولة عن أحلامها وبرامجها ومشاريعها؟!.